مزايا الارتجال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

1 - قدرة الخطيب المرتجل أن يغيّر مجرى خطابه تبعًا لما عسى أن يجد من أحوال المستمعين، فربما يهيء له موقف معين أن يتحدث عن موضوع معين فلا ينبغي أن يفوت الفرصةº لأنها ربما لا تعود.

 

2 - الارتجال يسحق الخطيب بمدد من تداعى الأفكار التي ربما كانت أعظم منزلة وأعظم تأثيرًا مما هيّأه في نفسه.

 

3 - للارتجال أثر كبير في تحريك انفعال الخطيب، ولا يخفى عليك أن التأثير في المستمعين يشتد بمقدار تأثر الخطيب وانفعاله.

 

4 - ثقة الناس فيك، فأنت «رجل المواقف الصعبة\" تستطيع أن تتحدث في أي وقت وعن أي موضوع، أما غيرك فينتظر حتى يذهب ويبحث ثم يأتي للناس «ببيان\" مكتوب يقرؤه.

 

مزالق الارتجال:

إن الارتجال - أخي الداعية - معناه أن تتكلم بلا علم، ولا روية، ولا ترتيب، وإنما لابد من إعداد أفكار ما تتحدث عنه، وترتيبها في ذهنك، وهذا ما حدث مع الصديق أبى بكر، والفاروق عمر - رضي الله عنهما - في سقيفة بنى ساعدة، حينما أرادَ عمر أن يتكلم، وقال: حتى زوَّرت (أي أعددت) في نفسي كلامًا لأتحدث به، فاستأذنه الصديق أن يبدأ هو بالكلام، فيقول عمر: فما من شيء زوّرته في نفسي إلا وقاله أبو بكر أو زاد عليه.

 

وهناك طائفة من المرتجلين تصاب بخبطة مريعة، وتصغر منزلتهم في نظر المستمعين، وذلك لأسباب منها:

 

1 - إعداد الموضوع يكون غير كاف - كما أسلفنا - فيكثر تردده، أو سكتاته الطويلة، ويلوح عليه الاضطراب، فينغِّص مستمعيه ويتمنون أن يُنهى كلامه.

 

2 - أن يعرض الموضوع على هيئة أفكار مرتبة، ولكنها مفككة، وتفصل بينها ثغرات يملؤها باللغو وفضول الكلام، فيكون كمن قيل:

 

ويرتجل الكلام وليس فيه *** سوى الهذيان من حشو الخطيب

 

3 - أن يعهد الداعية من نفسه أنه مصاب بالذهول وشرود الذهن أو النسيان، ومع ذلك يُقدم على الارتجال.

 

4 - رهبة الموقف، والخوف الشديد، والانبهار من نظر الناس إليه.

 

قيل لعبد الملك بن مروان: عجَّل عليك المشيب يا أمير المؤمنين. فقال: كيف لا يعجل وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين؟ ومرة قال: «شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن» (13).

خطيب الورقة:

يرى د. محمود عمارة في كتابه «الخطابة في موكب الدعوة\" أنه لا يؤثر إلا المتأثر. ولن تستحيل الأفكار دمًا يجرى في عروق الخطيب إلا إذا مارس الحياة: حلوها ومرها، وعاش التجربة التي يحكيها.

 

وهو يحمل حملة عنيفة على خطيب الورقة، ويرى أن نبرته الرتيبة ووصفه الآلي لا يصل إلى ما ينبغي أن يكون بسبب:

1 - إن صوته يمضى بالمستمع على نبرة واحدة - تفرض عليه النوم أحيانًا.

 

2 - هو مشغول بالنظر إلى ما خطّه قلمه خشية الزلل.

 

3 - لا تلتقي عينه بالمستمع الذي يشعر أن شخصًا آخر يخاطبه غير هذا الخطيب الذي يراه، ولذلك فلا رابطة بينهما جامعة.

 

4 - هو مرتبط بما كتبه، فإذا دعت للاختصار ضرورة لا يستطيع ذلك، مما يمكن أن يزيد الهوة اتساعًا.

 

5 - ورود بعض الأحداث الطارئة التي تستلزم تغيير الموضوع، ولكنه لا يستطيع، مما يترتب عليه أن الناس في واد، وإمامهم في واد، فهم مشغولون بالحدث الطارئ، وإمامهم يصرخ في واد وينفخ في رماد.

 

6 - يشعر المستمعون أن الخطيب ينقل تجربة غيره، وإذن فلا فضل له إلا مجرد النقل، ومن ثم تقل الثقة، وينعدم الارتباط والحب.

 

7 - هيئة خطيب الورقة جامدة لا تتحرك، وينعكس الجمود على الموقف كله سآمة وملالاً (14).

 

ويوافق الدكتور أكرم رضا، الدكتور عمارة، ولكنه لا يرى حرجًا أن يحمل الخطيب ورقة صغيرة مكتوب فيها العناصر والشواهد المهمة وحسب فيقول: «.. وأنا شخصيًا أحمل دائمًا مجموعة من الأوراق الأنيقة وأنا فوق المنبر، ولكنها لا تتعدى حجم كف يدي. وجميل أن أذكر الإمام أحمد بن حنبل في هذه الموقف، فقد روى أنه ما كان يقول درسه إلا من كتاب، ولما سُئل في ذلك قال: الكتاب أحفظ..

 

ويواصل قائلاً: «.. أعطيتُ أوراق خطبتي يومًا لأحد المستمعين بعد الخطبة بعد إلحاح شديد منه، ولما أخذها ابتسم جذلاً وانصرف.

 

ولما قابلته نظر إليّ وقد ذابت ابتسامته، وقال لي: أين الخطبة؟ لم أجد إلا مجموعة من الأحاديث والآيات والأشعار؟ قلتُ له: وأنا أربتُ على كتفه: عليك ألا تكتب إلا العناصر والشواهد المهمة وخاصة القرآنية والحديثية وأبيات الشعر. وتذكر دائمًا أنك الخطيب وليست الورقة» (15).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(13) كيف تكون خطيبًا: ص 48 - 50 بتصرف كبير.

 

(14) الخطابة في موكب الدعوة: 128 - 131 - بتصرف كبير.

 

(15) لقاء الجماهير: د. أكرم رضا - سلسلة إدارة الذات (3) ط1 (دار التوزيع والنشر الإسلامية 1421ه/ 2001م) ص 183، 184.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply