سفن الدعوة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

 

سفن الدعوة على هامش الحياة ترسو سفن وتبحر أخرى في مواكب رؤيتها تعبث بهدوءك لتبحر معها مغادراً قد فك قيدك من كل ما تظنه عائقاً لتقدمك وسباقك في إيصال كلمة الحق لأولئك الظمأى فتتوق للإبحار معها أو لتحلق حولها لتأنس بتلك الهمة فيطير بك جناحي الخوف والرجاء وفي تحليقك ترتفع عن صخب الحياة لتراها بزواية أخرى غير التي اعتدتها لترى مدى صغرها وحقارتها ومدى بؤس أصحابها وكدحهم لمعاشهم ولدمارهم ولدمار غيرهم وترى جيوشهم تدب كنمل اشتم رائحة السكر فهاهم يتهافتون على لقمة العيش وقطرة الماء يسيرون لأجلها الجيوش ويصنعون لأجلها السلاح.

ثم ترى تلك السفن البيضاء التي أبحرت فأبحر قلبك معها وملاحيها في سعادة وانشراح برغم الأمواج العاتية والرياح غير المواتية لكن سفنهم تطاوع تلك الأيادي المتوضئة ولا تأبه للرياح والأمواج سهلة القياد تنزلق على الأمواج وكأنها تهزء بها في تحد فاضح فتصفق الأمواج ببعضها ككف على كف حسرة وندامة على تحدي السفينة و تزمجر الريح فتسمع دمدمتها بعد أن فشلت في تمزيق الأشرعة الصامدة وبعثرة الصواري الشامخة وتلك الإرادة القوية بالرغم من ضراوتها.

ثم ترى على الشاطئ المهجور أولئك البائسين المنسيين وقد انغرست أقدامهم في رمال وأملاح الشاطئ لطول الانتظار وقد بدأ يدب إليهم الملل من انتظار المعين لهم لكنهم حينما يرون صمود الشمس في إشراقها على ذلك الشاطئ كل يوم يتجدد لديهم الأمل ويسقون صمودهم من صمودها وفي غمرة اليأس إذا بتلك الصواري تبدو في موكب مهيب كمنارات المساجد في طهرها وشموخها و ارتفاعها وكسيوف الفاتحين في مضائها تبرق فيبرق موت الجهل والضلال والفتن في ثناياها وهي كسبابة الموحد في الصلاة كلما رفعها ارتفع عن حفر الدنيا ورأها من بعيد صغيرة حقيرة فكرهها حتى أمتلأ قلبه شعوراً عميقاً بعظمة ووحدانية الخالق وبضعف المخلوق وحقارته.

وفي لحظات الانتصار ونشوة السعادة تراهم قد فردوا أشرعتهم و يمموا نحو القلوب الظمأى بزاد الرسالة و الهداية سر السعادة الأبدية للبشرية لأولئك الذين قد ملوا الانتظار على ذلك المرسى البائس لأنه بعيد عن طموحات الكثير لكنه معروف لأولئك المتعبين ممن استعذبوا الطريق غير المزاحم وإن بعدت المسافات وتنوعت الصعوبات فلا تسل حينها عن تلك الفرحة الغامرة للمريض والطبيب الذي وصل قبل دنو الأجل وانقطاع الأمل فهنيئاً لهم شعورهم مع كل رسو بفتح جديد للإسلام وهنيئاً لأمة الإسلام بأولئك الباذلين الصادقين.

وقليل هم أولئك الذين يحبون أن ترسو سفنهم على هامش الحياة بعيداً عن الصخب وزحمة الحياة لكن ما ينغص تلك السعادة بعض أولئك المنغرسة أقدامهم الذين لم يكن لهم من البذل إلا المشاركة في احتفال النهاية ولعميق شعورهم بلذة النصر نسبوا تلك الفتوح لأنفسهم و ليتهم اكتفوا بذلك بل تراهم يشحذون حرابهم ويسنون أقلامهم لأولئك الصادقين ليضرسوهم أو يقطعوهم أو يطعنوا في رحلاتهم ويرمون في مسارهم الشباك والعوائق لتغرق معهم الحقيقة وتنسب تلك الأمجاد لهم أو ليغيروا مجرى التاريخ ولو على مرسى واحد تزلفاً للأمواج العاتية والريح المزمجرة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply