الصدع بالحق وردود فعل المشركين


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله - تعالى -: ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)) فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعكر على خرافات الشرك وترهاته، ويذكر حقائق الأصنام وما لها من قيمة في الحقيقة، يضرب بعجزها الأمثال، ويبين بالبينات أن من عبدها وجعلها وسيلة بينه وبين الله فهو في ضلال مبين.

 

 انفجرت مكة بمشاعر الغضب وماجت بالغرابة والاستنكار حين سمعت صوتا يجهر بتضليل المشركين وعبّاد الأصنام، كأنه صاعقة قصفت السحاب فرعدت وبرقت وزلزلت الجو الهادئ، وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة التي اندلعت بغتة، ويخشى أن تأتي على تقاليدها وموروثاتها.

 

 قامت لأنها عرفت أن معنى الإيمان ينفي الألوهية عما سوى الله، ومعنى الإيمان بالرسالة وباليوم الآخر هو الانقياد التام والتفويض المطلق، بحيث لا يبقى لهم خيار في أنفسهم وأموالهم فضلا عن غيرهم. ومعنى ذلك انتفاء سيادتهم كبريائهم على العرب، التي كانت بالصبغة الدينية، وامتناعهم عن تنفيذ مرضاتهم أمام مرضاة الله ورسوله، وامتناعهم عن المظالم التي كانوا يفترونها على الأوساط السافلة، وعن السيئات التي كانوا يجترحونها صباح مساء. عرفوا هذا المعنى فكانت نفوسهم تأبى عن قبول هذا الوضع ((المخزي)) لا لكرامة وخير ((بل يريد الإنسان ليفجر أمامه)).

 

 عرفوا كل ذلك جيداً، ولكن ماذا سيفعلون أمام رجل صادق أمين، أعلى مثل للقيم البشرية ولمكارم الأخلاق، لم يعرفوا له نظيرا ولا مثيلاً خلال فترة طويلة من تاريخ الآباء والقوام؟ ماذا سيفعلون؟ تحيروا في ذلك، وحق لهم أن يتحيروا.

 

 وبعد إدارة فكرتهم لم يجدوا سبيلاً إلا أن يأتوا إلى عمه أبي طالب، فيطلبوا منه أن يكف ابن أخيه عما هو فيه، ورأوا لإلباس طلبهم لباس الجد والحقيقة أن يقولا: إن الدعوة إلى ترك آلهتهم، والقول بعدم نفعها وقدرتها سبة قبيحة وإهانة شديدة لها، وفيه تسفيه وتضليل لآبائهم الذين كانوا على هذا الدين، وجدوا هذا السبيل فتسارعوا إلى سلوكها.

 

وفد قريش إلى أبي طالب:

 قال ابن إسحق: مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آبائنا فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه. فنكفيكه. فقال لهم أبو طالب قولا رقيقا، وردهم رداً جميلا فانصرفوا عنه فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply