أسس وعناصر الدعوة والدعاة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

على الرغم مما كان يتحلى به إمام الدعاة رسول الله محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليه - من سمو في الأخلاق وعلو في الآداب ونبل في أرفع صفات الكمال فإن الله - تبارك وتعالى - وجهه وأرشده إلى استعمال الحكمة والموعظة الحسنة، وبين له عناصر الدعوة والدعاة في آيات ثلاث من كتاب الله ليجعل من ذلك درساً عملياً ويفتح الطريق أمام الدعاة إلى يوم الدين حتى يسلكوه ويسيروا على هداه كما سار عليه سيدهم وإمامهم وهاديهم محمد - عليه الصلاة والسلام -.

 

 1-العنصر الأول والدرس الأمثل قوله - تعالى - في سورة النحل: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين\"[سورة النحل:125]. وهذه الآية العظيمة خططت للدعوة وأوضحت طريق وسبيل الدعاة، قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: (من احتاج إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن. برفق ولين وحسن خطاب) كقوله - تعالى -: (ولا تجادلوا إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم). فأمره بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون بقوله: (قولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) [سورة طه، 44]. فما أحد خير من موسى وهارون. ولا أحد أعتى من فرعون. ومع ذلك أمرهما الله أن يستعملا اللين في إرشادهما. قلت: وعن الله سبحانه يعلم وهو العليم الخبير بأن فرعون العاتي سوف لا يتذكر ولا يخشى وأنى له لك، وهو الذي دعاه عتوه وكبره أن يقول: (أنا ربكم الأعلى). ولكن مع كل ذلك فإن الله أمر موسى وهارون - عليهما السلام - أن يقولا له قولاً ليناً ليرسم ربنا بذلك ويبين أسلوب الدعوة وطريق الدعاة حتى مع هؤلاء الطغاة يجب أن يكون قولهم ليناً هيناً طيباً مقبولاً. وهذه أعظم الأمثلة التي يجب على الدعاة أن يضعوها نصب أعينهم وهي العنصر الثاني من العناصر الثلاث التي ذكرتها في صدر كلامي. أما العنصر الثالث من عناصر الدعوة والدعاة فهو قوله - تعالى -: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) [سورة آل عمران،159]. أي برحمة من الله - عز وجل - وفضل منه بك وبالناس لنت لمن آمن بك واتبع هداك حيث آمنوا بعطفك بهم، ورعايتك لهم، وخفض جناحك، ورقة قلبك، وحنوك عليهم. ومعنى الفظ الغليظ والمراد به هنا والله أعلم غليظ الكلام لقول الله - تعالى - بعد ذلك (غليظ القلب) أي لو كان شيء الكلام وقاسي القلب لانفضوا عنك وتركوك ولم يستجيبوا لك ولدعوتك. هذه هي أهم عناصر الدعوة التي يجب أن يتأسى بها الدعاة إلى الله وقد فقه ذلك صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم - وساروا عليها حيث رأوا هذه الصفات تشع نوراً ساطعاً في المعاملات وفي تصرفات وسيرة الرسول الأعظم - عليه الصلاة والسلام -. قال عبد الله بن عمرو\"إني أرى صفة رسول الله - صلى الله عليه سلم - في الكتب المتقدمة. إنه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكنه يعفو ويصفح\". وكان - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بعياب ولا قداح يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤنس منه\"أي لا يمنع\"قد ترك نفسه من ثلاث: الهراء (المجادلة) والإكثار من الكلام، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحداً، ولا يعيبه، ولا يطلب عورة أحد، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، إذا انتهى إلى قوم حيث ينتهي به المجلس، يعطي كل واحد من جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه. من جالسه أو أوقفه في حاجة صابرة - صلى الله عليه وسلم - حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لا يرده إلا بها أو بميسور من القول الحسن. قد وسع الناس بحلمه - صلى الله عليه وسلم -، وعطفه وشفقته ورحمته، فصار لها أباً، وصاروا في الحق عنده سواء. قال علي - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس يداً، وأصدقهم حجة. وألينهم عريكة (أي سلس الخلق) وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه\" [باختصار من كتاب الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي ج2 ص466]. وعن أسماء - رضي الله عنها - قالت: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة واطمأن وجلس في المسجد أتاه أبو بكر بأبي قحافة. فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا أبا بكر ألا تركت الشيخ؟ أنا الذي أمشي إليه. فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع يده على قلبه ثم قال:\"يا أبا قحافة أسلم تسلم\"قال: فأسلم وشهد شهادة الحق [حياة الصحابة ج1 صفحح66]. وقال ابن أبي أوفى: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته\" [الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي ج2 ص437]. وفي حديث الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله أمرني بمدارة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض). وأرجو ألا يفهم القارئ الكريم من معنى الحديث أن مدارة الناس معناها مسايرتهم أو السكوت عما نرى عندهم من منكر وباطل. وإنما معنى مداراة الناس هنا هي بلين الجانب وخفض الجناح وحسن التآلف والعشرة معهم والمؤمن آلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف. والإحسان إليهم والعفو عن مسيئهم والتودد إليهم ومعاملتهم بالحلم والكرم والعطاء إلى ما هناك من صفات الكمال التي يحب أن يتمسك بها المعلم الصادق والداعي الأمين الذي يعتبر في صفوف المجاهدين في سبيل الله خاصة في مثل هذا الزمن الذي طغت فيه المادة على الناس وبعدوا عن الله ونسوه فأنساهم أنفسهم وتركهم حيارى لا يدرون ما يصنعون. ولسمو الدعوة وأهميتها عند الله - تبارك و تعالى - فقد دعا - سبحانه - في كتابه الكريم أن تنفر طائفة من الدعاة المجاهدين لينصرفوا إلى الدعوة ويتفرغوا لها ويجاهدوا في سبيل نشرها بين الناس بعد أن يتفقهوا فيها ويعلموا مبادئها وأحكامها حتى يكونوا على بصيرة وعلم وهدى وكتاب منير. قال - تعالى - في سورة التوبة: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). ولقد جاءت هذه الآية الكريمة في سياق آيات تدعو إلى الجهاد. وكأن الله - عز وجل - جعل النفرة إلى إنذار الناس ودعوتهم إلى الرجوع إلى الله والإنابة إليهم من الجهاد المطلوب من المؤمنين. فالدعوة اليوم مقصد من أشرف المقاصد وأكثرها مثوبة عند الله وهي مهمة الأنبياء والمرسلين وميراثهم الذي تركوه من بعدهم فمن حمل الأمانة من الناس كان كمن حمل ميراث الأنبياء والمرسلين والدعوة التي حملوها ونشروها بين الناس هي ميراثهم إذ لم يورثوا - عليهم الصلاة والسلام - مالاً ولا نشباً. روى الإمام الطبراني - رحمه الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -أنه مر بسوق المدينة فقال: يا أهل السوق ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: ذاك ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم وأنت ها هنا ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه. قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فخرجوا سراعاً ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة قد أتينا المسجد ودخلنا فيه فلم نر فيه شيئاً يقسم. فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى رأينا قوماً يصلون وقوماً يقرءون القرآن وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام. فقال أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم -. فهل علم الدعاة أنهم ورثة الأنبياء وأنهم حملة مشاعل النور؟؟ أرجو الله أن يجعلنا جميعاً من الذين وهبوا أنفسهم لهذه الدعوة المباركة وصدقوا فيما عاهدوا الله عليه.

 والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على إمام الدعاة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين … نقلا من كتاب من القرآن …. وإلى القرآن الدعوة والدعاة تأليف محمد محمود الصواف

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply