نحو ذاتية دعوية فاعلة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقـــــــدمة:

الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم مخاطباً رسوله الأمين (فقاتل في سبيل الله لا تُكلفُ إلا نفسك وحرض المؤمنين...) [النساء: 84] والقائل: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة....) [التوبة:38] ثم الصلاة على رسول الله سيد المتحركين الذي لم يهدأ ولم يقر له قرار منذ أن أُمر بالتبليغ حتى غادر هذه الحياة الدنيا وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه بالتحرك لنصرة هذا الدين. أما بعد:

 

إن أول دوافع المبادرة الذاتية التي يجب أن يتذكرها الداعية المسلم هو أن يعلم:

أولاً: أن مناط التكليف فردي.

ثانياً: أن كل فرد سيحاسب يوم القيامة فردا.

ثالثاً: وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.

رابعاً: وأن الحساب بالثواب والعقاب لا يكون إلا فردياً.

ومن الإيمان بهذا المنطلق يجب أن ينحصر تفكير الداعية المسلم فيما يجلب له الأجر ويقربه إلى الطاعة دون أن يكون تابعاً وأن يمتلك زمام المبادرة إلى الطاعات دون الالتفاف إلى عمل فلان أو قوله ولا ينتظر الإذن من بالعمل من شخص ما إلا في الضرورة القصوى.

والمسلم في نفس الوقت يجب أن يجعل - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قدوة عملية له أمام عينيه ولا يجعل الأشخاص الآخرين - أيا كانوا - مثالا له فقد يفتح الله عليه أكثر من الآخرين أو يوفقه الله إلى عمل يتفرد به دون غيره فلله في خلقه شؤون والله يختص برحمته من يشاء وكيفما يشاء.

 

أهدافي في الرسالة:

أولاً: بيان أن المبادرة الذاتية للعمل لهذا الدين أصل في المسلم وأنها صفة من صفات المسلم الحق وأنه محتاج إليها في العمل اليومي.

ثانياً: أنها وسيلة ناجحة لنشر هذا الدين عقيدة ودعوة.

ثالثاً: تصحيح لمسار بعض الدعاة الذين يعتمدون في عملهم وتنفيذاتهم اعتماداً كلياً على الخطط من نصح وإرشاد وتوجيه دون الاعتماد على النفس في إيجاد منافذ للعمل أو اتخاذ زمام المبادرة إلى الحركة والعطاء مما أدى هذا إلى الفتور عند بعضهم.

رابعاً: لما وجدت من ضعف التفاعل الذاتي لدى بعض أفراد الصحوة الإسلامية لنشر هذا الدين. أدركت أنه لابد من طرح هذه القضية بقوة في مجالس ولقاءات أفراد الصحوة الإسلامية حتى يتولد الحس الدعوي الذاتي في أنفسهم للعمل يدا واحدة في سبيل النهوض بالمجتمع المسلم ليتولى مركزه السامي الذي فرط فيه وأعطاه لغيره فالعمل من أجل هذا الدين مسؤولية الجميع.

خامساً: إشاعة روح الجدية والهمة الذاتية في أفراد الصحوة الإسلامية فإن الهمة تدفع إلى القمة والعمل يفتح آفاق العمل والمرء يتعلم من تجارب الحياة في أيام مالا يتعلمه في قاعات الدراسة في سنين. فالحياة هي المدرسة الكبرى.

سادساً: بيان أن المبادرة الذاتية الدعوية فيها فوائد عديدة منها:

أ- زيادة رصيده من الخير والدال على الخير كفاعله.

ب- زيادة رصيده من الخبرة فتصبح لديه خبرة واسعة في كيفية التعارف والتآلف وجذب القلوب.

ت- مؤازرة المدعوين للداعية لهذا طلب سيدنا موسى - عليه السلام - من المولى - عز وجل - أن يجعل له وزيراً من أهله فقال (واجعل لي وزيراً من أهلي) [طه: 29] أي معيناً وظهيراً على التواصي بالحق.

 

وقفات لابد منها:

أخي الحبيب:

قبل الدخول معك في صلب هذه الرسالة أحببت أن أقف معك بعض الوقفات التي لابد لكل داعية مسلم أن يلم بها علماً حتى تنطلق وأنت على بصيرة من أمرك. وهذه الوقفات هي:

الوقفة الأولى: وهي أم الدعوة إلى الله - تعالى - والعمل على إقامة الحق وإزهاق الباطل واجب على كل مسلم ومسلمة وأن هذا الواجب يؤدى على صورتين:

أ- الصورة الأولى: بصفته فرداً مسلماً (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني..) [يوسف: 108].

ب- الصورة الثانية: بصفته فرداً في مجموعة صالحة تدعوا إلى الله - تعالى - (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير..) [آل عمران: 104] فاستشعار المسلم لفريضة الدعوة يبعث في النفس الهمة للعمل والحث على التنفيذ ذلك يعني أنه لا تراخ في الفريضة ولا نكوص عن الواجب.

 

الوقفة الثانية: وهي أن الدين لا يقوم ولا ينتشر إلا بالجهد البشرى وبالطاقة التي يبذلها أصحابها يقول صاحب الظلال - رحمه الله - إن هذا الدين منهج إلهي للحياة البشرية يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم وفي حدود طاقاتهم البشرية وفي حدود طاقاتهم البشرية وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية.

 

الوقفة الثالثة: أن للذاتية عدة جوانب منها الإيمانية والأخلاقية والثقافية والخيرية وسوف اهتم بالجانب الدعوي منها المتعلق بالتأثير في الأفراد والمجتمعات دون الجوانب الأخرى لقلة اهتمام شباب الصحوة بهذا الجانب الذي هو وظيفة الأنبياء والرسل وثمرة الإيمان والعلم.

 

الوقفة الرابعة: إن العمل الدعوي المنظم والمخطط له مسبقاً أجدى في تحقيق النجاح وأسرع في قطف الثمار.

 

الوقفة الخامسة: إن من يهديه الله على يديك أيها الداعية الذاتي إنما هو كلبنة فكت من بناء الجاهلية ووضعت في بناء الإسلام وهو خسارة للشيطان وأعوانه وكسب للرحمن وأنصاره.

 

الوقفة السادسة: إن أية كلمة يقولها الداعية للمدعو لا تذهب هباءً منثوراً إما تدخل في مكونات المدعو ويختزنها عقله وقد يظهر أثر كلمة قيلت قبل سنوات بفعل موقف محرك أدى إلى استرجاع تلك الكلمة وتلك النصيحة.

 

الوقفة السابعة: أن الأجر والثواب يقع بمجرد الدعوة والتبليغ ولا يتوقف على الاستجابة ولذلك فقد وجه الله - تعالى - رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى عندما أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة فقال - تعالى -: (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ..) [الشورى: 48].

** ولا يعنى هذا أن الداعية غير مطالب ببذل قصارى جهده واستخدام أحسن ما يستطيع من الأساليب والوسائل.

 

المراد بالذاتية الدعوية:

الذاتية الدعوية: هي انطلاقة المؤمن ومسارعته للعمل الدعوي بحافز ذاتي من نفسه للعمل لهذا الدين دونما طلب من أحد أو متابعة بل هو السعي لطلب الأجر والمثوبة من الله.

 

منطلقات الدعوة الذاتية عند المسلم:

 

المنطلق الأول: العمل الفردي العام:

وأقصد بذلك: أن يطلق المسلم بمفرده في ميدان الدعوة إلى الله لنشر الخير لعموم المسلمين وذلك لأن مسؤولية الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي على كل مسلم لا يسقطها عنه أي اعتبار وهذا العمل الدعوي العام أصل من أصول هذا الدين إذ بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة قال - تعالى - (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ولم يبعث لطبقة معينة من الناس.

 

المنطلق الثاني: التعاون مع الصحبة الصالحة:

وأقصد بذلك: أن يقوم الداعية المسلم بصفته فردا في مجموعة صالحة لنشر دعوة الله وتبليغ دين الله قال - تعالى - (وتعاونوا على البر والتقوى) [المائدة: 2] أو تقول هو أن يحاول كل مسلم عامل عن طريق الدعوة الفردية أن يُدخِل في الهداية والاستقامة أخاً جديداً في مدة يحددها ويفكر في هذه المحاولة ويعزم عليها ويبذل ما طاقته من جهد وتضحية.

هذه هي منطلقات الذاتية للعمل الإسلامي بين دعوة عامة حتى تبقى هي قضية الإسلام ومعانيه العامة حية في الأنفس غير مستغربة في القلوب ودعوة جماعية حتى يتضاعف عدد العاملين للإسلام الحاملين لراية الجهاد في سبيل الله وإعداد جيل متميز يتحمل تبعات الدعوة وينذر نفسه لنشرها.

 

مظاهر الذاتية عند المسلم:

(وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين).

 

من المظاهر الذاتية:

1. أن يجد المسلم راحته في العمل والبذل والعطاء: فهو يجد أنسه وسروره وفرحته في نصر يصيب الإسلام أو خير يتحقق على يديه أو واجب يوفق إلى أدائه ويحس بلذة غامرة تغمره إذا هو أنفق جل وقته في أمور الدعوة. يقول صاحب مذكرات الدعوة والداعية واصفاً صاحب الذاتية الفاعلة: فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدر الاستعداد أبداً إذا دُعي أجاب أو نودي لبى غُدُوَّه ورَواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعد الميدان الذي أعد له ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته يجاهد في سبيلها تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع مت فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوٍ, لاصق وألم دفين وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهوة عالية وغاية بعيدة.

 

2. أنه يعيش للإسلام بكليته ويوجه حياته من أجله ويسخر كل طاقته وإمكاناته لما يعز سلطانه ويرفع بنيانه (نحن نريد نفوساً حية قوية فتية وقلوباً جديدة خفاقة غيورة ملتهبة وأرواحاً متطلعة متوثبة).

3. أنه شديد الحرص على هداية الناس وتعليمهم وتزكيتهم مقتدياً بسيد الدعاة - عليه الصلاة والسلام - قال الله - تعالى - مصوراً صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إن تحرص على هداهم) [النحل: 37] فالحرص على هداية الناس سمة أصلية في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لذا تمثل بها الداعية الذاتي وكما قال أحد السلف مصوراً حرصه على هداية الناس بقوله: وددت أني أقرض بالمقاريض وأن هؤلاء الناس أطاعوا الله.

 

4. أنه لا يهدأ من التفكير في مشاريع الخير التي تنفع الإسلام والمسلمين.

 

5. أنه دائم الاتصال بإخوانه في الخير والدعوة: حتى يتزود منهم لينطلق مرة أخرى بالعطاء والعمل لهذا الدين متمثلاً الآية الكريمة (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه..) [الكهف: 28].

 

6. أنه يدعوا إلى الله في كل مكان وفي كل الظروف والأحوال وفي كل البيئات وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نجده يدعو في جميع الأماكن والأزمان والأحوال فوق الجمل وفي المسجد والطرق والسوق والمنازل وفي المواسم وحتى المقبرة وفي الحضر والسفر في صحته ومرضه وحيثما يزور أو يزار وكان يوجه دعوته إلى من أبغضوه ومن أحبوه. * فصاحب الدعوة الذاتية له في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنة في ذلك.

 

7. أنه كثير الهموم والتألم لحال المسلمين وما يجدون من ظلم وعنت وتقديم الحلول والاقتراحات التي تعز الإسلام والمسلمين كما قال أحد الدعاة (ليس أحد يعلم إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة وما وصلت إليه في مختلف حياتها ونحلل العلل والأدواء ونفكر في العلاج وحسم الداء ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إلى حد البكاء).

 

8. الداعية الذاتي دائم النشاط والعطاء والاتصال بالناس فمن سمة المؤمن الداعية أنه ذا حركة نشيطة دائبة مستمرة فهو يبلغ الأمانة ويؤدي الرسالة وينصح الأمة فالداعية يخالط الناس ويصبر على أذاهم ليدعوهم إلى الله - تعالى - وفي الحديث (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجر من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) [رواه ابن ماجه] قال أحد الدعاة أن تكون عظيم النشاط مدرباً على الخدمات العامة تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من الناس.

 

ميادين الدعوة الذاتية:

(أن تعمل على نشر دعوتك في كل مكان تذهب إليه).

 

هذه الميادين التي يمكن للفرد أن يمارس نشاطه الدعوي من خلالها هي:

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply