كلنا دعاة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عبادة الله - سبحانه وتعالى - غاية الغايات (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )والدعوة لهذه الغاية أشرف الدعوات، من أجلها بعث الله رسله، وفي سبيلها أفنى المرسلون أعمارهم، قضى فيها نـوح - عليه السلام - ألف عام إلا خمسين [قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا… ثم إني دعوتهم جهارا، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ]. ويوسف - عليه السلام - لم يتركها حتى وهو في السجن [ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون أم الله الواحد القهار ]، وختم الله الرسل بالمصطفى محمد فانتدب ليله ونهاره للدعوة إلى الله، وارتبط بها فرحه وحزنه، يتنكب الكافرون طريق الحق فيحزن حتى تكاد نفسه تتقطع [فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ]، و تدخل الهداية قلب المهتدين فيطير بشرا وفرحا أيا ما كان هذه المهتدي.

روى البخاري عَن أَنَسٍ, - رضي الله عنه - قَالَ: ( كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيُّ يَخدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسلِم، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِع أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنقَذَهُ مِن النَّارِ )، واستمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته حتى نزل به مرض الموت فبقي خمسة أيام لا يصلي بالناس من شدة الحمى، و أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فلما كان اليوم الذي مات فيه اطلع عليهم يصلون خلف أبي بكر ففرح ورضي، روى البخاري بسنده عَن الزٌّهرِيِّ قَالَ أَخبَرَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ, الأَنصَارِيٌّ وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ ( أَنَّ أَبَا بَكرٍ, كَانَ يُصَلِّي لَهُم فِي وَجَعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَومُ الِاثنَينِ وَهُم صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - سِترَ الحُجرَةِ يَنظُرُ إِلَينَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجهَهُ وَرَقَةُ مُصحَفٍ, ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضحَكُ فَهَمَمنَا أَن نَفتَتِنَ مِن الفَرَحِ بِرُؤيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَكَصَ أَبُو بَكرٍ, عَلَى عَقِبَيهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَشَارَ إِلَينَا النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - أَن أَتِمٌّوا صَلَاتَكُم وَأَرخَى السِّترَ فَتُوُفِّيَ مِن يَومِهِ )، فرح - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم مطيعين أمره في الائتمام خلف أبي بكر - رضي الله عنه -، و مطيعين أمر الله في الصلاة التي كانت وصيته في مرضه، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, قَالَ: (كَانَت عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَضَرَتهُ الوَفَاةُ وَهُوَ يُغَرغِرُ بِنَفسِهِ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَت أَيمَانُكُم ).

ومات - صلى الله عليه وسلم - وترك تبعة تبليغ هذا الدين، وحمل الرسالة إلى أمته التي نادى فيها بقوله: ( بلغوا عني ولو آية )، فأحسن الصحابة - رضوان الله عليهم - حملها و قدموا أمرها على كل شيء حتى بلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بفضل الله، ثم بفضل أولئك الحملة والدعاة من الصحابة والتابعين لهم من سلف هذه الأمة، الذين حملوا هذا الدين إلى الدنيا مرة على صهوات الجياد، و مرات عبر الكلمات الصادقة والأخلاق الفاضلة التي تحلت بها قوافل الدعاة والتجار وعمار الأرض من المسلمين، ووصل الإسلام إلينا نحن مسلمي هذا الزمان بمآثره و مفاخره، بصفحاته التي سطرت بالنور، ونجاحاته التي أقر بها المنصفون، فماذا نحن صانعون؟ ونحن نعيش في عصر تقارب الاتصال، وتصارع الثقافات، في عصر انكشاف عمل كل أمة لمبادئها، نعم لقد تبارت الأمم في نصرة دياناتها الباطلة، ونفرت الفرق لنشر مذاهبها الهدامة، وتحزبت الأحزاب وتداعت و تحالفت لتصطف صفا واحدا في وجه دعوة هذا الدين دعوة الحق، وجندت لهذه الغاية الألسن والأقلام والسياسة والاقتصاد ومصانع السلاح و الجيوش، وذاقت البشرية من جراء ذلك ويلات الانحراف عن دين الله. وليس لها من مخرج إلا أن تُهدى إلى هذا الدين.

ومهمة الهداية واجب كبير وعمل عريض طويل يستوعب المسلمين جميعا، كل بحسب قدراته، وكل حسب موقعه، و إن أشكال الدعوة إليه من الكثرة بعدد أنفاسنا. إن واجب الدعوة ليتوجه إلى كل مسلم يحفظ آية من كتاب الله، أو يعرف صورة من جمال هذا الدين. إن من الخطأ الفادح التعلل بحصر الدعوة في فئة معينة من العلماء أو أصحاب مراكز وظيفية معينة، كما أن من الخطأ حصر الدعوة في أعمال محدودة من المحاضرات والأعمال الجماهيرية التي يحسنها فريق خاص، فينحصر دور بقية المسلمين في التلقي دون أن تكون لهم مشاركة، إن الدعوة لهذا الدين محاولة لصياغة الحياة وفق منهج الله، إنها صناعة للحياة التي تحتاج إلى جهد العالم واللغوي والخبير والتقني والتاجر والصانع وغيرهم و غيرهم، فمن أحسن شيئا من مناحي صناعة الحياة فينبغي أن يدلي بدلوة، ويضم جهده مع إخوانه الدعاة، حتى لو كان عنده تقصير في التزامه بالإسلام، إن أصحاب الأخطاء والمعاصي مدعوون إلى المشاركة في الدعوة إلى الله بالجهد الذي يستطيعون وفي الفن الذي يتقنون، ولا ينبغي أن يضيفوا إلى تقصيرهم في العبادة والالتزام بسنن الإسلام تقصيرا في الدعوة، ولا ينبغي أن يضيف المذنبون إلى ذنوبهم تقهقرا عن نصرة هذا الدين، ولنا في قصة أبي محجن صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبرةº فقد كان - رضي الله عنه - مع حبه لله ورسوله ودينه، كان مع ذلك مبتلى بشرب الخمر، فلم يمنعه ذلك من المشاركة في الجهاد فخرج مع سعد بن أبي وقاص في القادسية، فشرب وأتي به سكران إلى سعد فقيّده، وكان بسعد جراح فلم يستطع نزول الميدان وصعد فوق البيت لينظر ما يصنع الناس، فجعل أبو محجن يتألم ألا يشارك في الجهاد ويتمثل

كفى حزنا أن ترتدى الخيل بالقنا

وأترك مشدودا عليّ وثاقيا

ثم قال لامرأة سعد فكي أسري فلك علي إن سلمت أجيء حتى أضع رجلي في القيد، فخلته و وثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ الرمح وانطلق فجعل لا يأتي على ناحية إلا هزمهم الله، فجعل الناس يقولون هذا مَلَك، وسعد ينظر ويتعجب ويقول: الضبر ضبر البلقاء، والطفر طفر أبي محجن، وأبو محجن في القيد، فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد، و لما علم سعد بأمره خلى سبيله، فقال أبو محجن: والله لا أشربها أبدا، وأنشد:

 

رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تهلك الرجل الحليم

فلا والله لا أشربها حياتي و لا أشفي بها أبدا سقيما

 

فهل نعي هذا الواجب؟ وهل نتحرك له؟ هل نفتش في قدراتنا وما يمكن أن تشارك به؟ إننا لا بدّ ظافرون بباب أو أكثر [وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون] [قـل هذه سـبيلي أدعـو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني]

 جعلنا الله  - تعالى -: من أهل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply