الوصايا العشر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كثر الحديث في هذا الزمن عن أهمية احترام العلماء والذب عن أعراضهم وهو منهج ضروري التركيز عليه خاصة في وقت المحن والأزمات لأنهم – بعد الله – صمام أمان هذه الأمة، وقواد سفينتها فإن ذهب احترامهم وتقديرهم من أعين الناس ولت السفينة، وقادها قوم لا يحسنون التصرف بهاº فهلكوا وأهلكوا وأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا ...، وحتى يأتي الحديث قبوله عند الناس يجب أن يتحمل كل شخص منا مسؤوليته، وأن لا نحمل قومٌ فوق ما هم يحتملون، وننزع من قومٍ, آخرين ما هم يستحقون ...

وأحسب أن المدح ولإطراء قد أخذ موقعه، وزاد عن حده فلن أثني، ولن أمدح فقد أثنت الصحف والمجلات والشبكات والفضائيات، ولكني سأرسل – إليكم يا علمائنا الأفاضل – رسائل عاجلة ربما صحبها نوع من السياط لكن عزائي أني لم أجد طريقاً للنقد وإبداء الملاحظات إلا عن طريق الرسالة، وأحسب أني ساهمت في علاج المشكلة، وأسأل الله أن لا أكون شاركت في تصاعد الأزمة:

 

1- العلم هو الخشية: إذا العلم لم يصحبه خشية لله - عزّ وجل- فلا خير فيه .. فلا ينال العلم بالتحلي ولا بالتمني وإنما يحاز بخشية الله .. ولا ينظر الله إلى علمكم ولا إلى شهاداتكم وإنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم وخشيتكم له ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ).

 

2 - أنت الخبير بها: لا يقاس العلم بنيل شهادات الدكتوراه ولا بالحصول على الجمهرة الغفيرة من الناس ولا بالتنصب ضمن هيئة كبار العلماء ولا بالانضمام إلى المجمع الفقهي وإن كانت هذه الأمور تزكية على نيل درجة معينة من العلم، إلا أنه يبقى أنك تعلم من نفسك ما يخفى على الناس.. وربما علموا منك شيئاً خلافاً لما أنت تعلمه.. ووضعت في منصب خلافاً لما أنت أهل له.. فإياك أن تنساق وراء ما يقول الناس عنك. وضع نفسك في الموضع الذي ترى أنك أهل له قبل أن تحاسب حساباً عسيراً.

 

3 -يوم عند ربك كألف سنة: في ذلك الموقف العصيب يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويوم أن تأتي النار وفيها سبعون ألف زمام ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونهاº فتنادى على رؤوس الخلائق ولن يقال لك: يا فضيلة الشيخ ولا يا سماحته !! وإنما سيقال لك يا فلان بن فلان هلم إلى ذي العزة والجلال ليوقفك بين يديه ويسألك ويحاسبك عن كل صغيرة وكبيرة وسيسألك عن سؤالين فأعدّ لهما جواباً:

أ / هل أنت أهلٌ لهذه الفتيا ؟ فإن كان الجواب بــ ( لا ) فويل لك من العزيز العليم, وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم أن توقع عن الله يوم أن تحمل وزرك ووزر الذين أضللتهم بغير علم.

ب / وإن كان الجواب بــ ( نعم ) جاءك السؤال الآخر الذي هو أدهى وأمر هل أخذت هذا العلم بحقه؟ أم أنك جعلته سلعة تجارية؟ أو جعلته منصباً تخاذل به أعداء الله من المنافقين والسلاطين! أو شهرة تترفع بها على الناس!

 

فلا سلم الرحمن من كان مركباً    ***    ليركبه الفساق شيخاً وقاضياً

فيبُدأ بك في نار جهنم وتُسحب على وجهك وتكون أول ما تُسعر بهم النار ( ومن كتم علماً أُلجم بلجام من نار يوم القيامة).

 

4- أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة!! : إن جزاءك لو كان في الدنيا لكانت منزلتك فوق عروش السلاطين .. لكن الله جعل جزاءك في الآخرة فطلق الدنيا ثلاثاً.. واهجرها ولا ترض بما أوتيت من زخرفها فهي فتنة إن سلمت من عذابها في الدنيا فلن تسلم منها في الآخرة{ وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدٌّنيَا وَأَحسِن كَمَا أَحسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ }.

 

5 - التاريخ سيصدق: إن مواقفكم السلبية والإيجابية ستذكرها كتب التاريخ، وإن تجاهلها في هذا الزمن لظروف سياسية، ولن يرحمكم ولن يعذركم، وستتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل .. فكم نسف التاريخ من عالمٍ, في زمن ابن تيميه؟ وكم انتقد من إمام في زمن ابن حنبل؟ وكم هجا في زمن العز بن عبد السلام؟ فبالله عليكم ماذا سيقول التاريخ عنكم غداً؟ فإن مدحكم والثناء على مواقفكم فهو دليل صحة منهجكم! وإن ذمكم أو تجاهلكم فهو دليل ضعفكم وعجزكم!! أما النية فهي عند عالم الخفية!!

 

6 -العالم في وقت الضيق: كلما ازدادت الأزمة كلما ازدادت الظلمة على الأمة، واحتاجت إلى نور يهديها إلى الصراط المستقيم، وهي اليوم تتلمس عالم صدقٍ,º يقول كلمة حق عند إمام ظالم، وهاهو النور يناديكم من مكان بعيد ( أشعلوني فقد تراكمت الأوساخ فوق ظهري، وإني سأشهد أمام الله على من أطفأني في زمن الحاجة إلى النور ).

 

7- لا تتعصب لرأيك: من الإجحاف في حق إخوانك العلماء أن تعتقد أن رأيك هو الصواب دائماً ورأي غيرك هو الخطأ، لأن في هذا تزكية للنفس والعليم الخبير يقول: {فَلَا تُزَكٌّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }.

ولكن ليكن شعارك شعار الشافعي – رحمه الله – ( رأيي صواب يقبل الخطأ، ورأي غيري خطأ يقبل الصواب ) بهذا الشعار تستطيع أن تحترم اجتهادات المجتهدين وتظهر رأيك بكل إخلاص لرب العالمين.

 

8- الوضوح: أكثرتم الحديث عن الإشاعات وخطورتها والفهم الخاطئ للفتوى وضررها، وهذا الكلام في محله لكن ألا يكون من أعظم أسباب انتشار مثل هذه الأمراض هو عدم الوضوح؟ فأظهر رأيك بكل وضوح ولا تخف في الله لومة لائم.

 

9- لتجمعكم المحبة: إن أواصر الأخوة ورابطة المحبة يجب أن تكون في معزل عن آرائكم الفقهية وأفكاركم السياسية ومناصبكم الدنيوية، وتكون رابطة المحبة في صف، ورابطة الرأي في صف آخر، فسيروا في درب المحبة، وإن اختلفت آرائكم وأفكاركم.

 

10- تناصحوا وتصارحوا: إن المصارحة البعيدة عن التعصب، والقريبة من البحث عن الحقº باب من أبواب تقارب الآراء والتنازل عن الخطأ.

 

وأخيراً: جاءت هذه الرسالة من قلب يفيض بالحب والاحترام.. ويسعد أن يراكم كتلة واحدة لا تربط بينكم الشهادات والمناصب الدنيوية، وإنما الرابط بينكم العلم والخشية لله عزّ وجل .. عسى الله أن يحقق آمالاً كنا ننشدها... فمن منكم سيبدأ بالتطبيق لينال أجر وحدة الصف واجتماع الكلمة.. وعسى الله أن يريكم من ترابط المسلمين ما تسرون به ويموت به المنافقون غيظاً.

 

   

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply