تاريخ الدعوة زمن الأنبياء ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن المقصود من الحديث عن تاريخ الدعوة الإسلامية هو أن نعلم وأن يعلم الناس أن ما ندعو إليه ليس بأمر محدث وإنما هو خط بدأه الأنبياء وأمر نزل به الوحي من السماء وتحدثنا عن سيدنا نوح - عليه الصلاة والسلام - الذي رفع لواء الدعوة إلى الإسلام تسعمائة وخمسين سنة وقد كان - صلى الله عليه وسلم - خلال هذه السنوات الطويلة يدعو قومه صابراً محتسباً لم يترك وقتاً ولا أسلوب إلا وأستخدمه في دعوته في الليل والنهار في السر والعلن...ثم تحدثنا عن أبي الأنبياء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - الذي طلب من ربه أن يجعله وولده مسلمين وأن يخرج من ذريته أمة مسلمة تحمل لواء الدعوة فقال (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك).

ثم من بعده يعقوب - عليه الصلاة والسلام -.. وسيدنا يعقوب هو حفيد سيدنا إبراهيم وهو والد بني إسرائيل جميعاً... عندما حضرته الوفاة كان يدور في ذهنه أمر يقلقه يا ترى ما القضية التي تشغل باله في ساعة الاحتضار ما الأفكار التي تراوده وتمر على ذهنه وهو في سكرات الموت.. ما هو الأمر الذي يريد أن يطمئن عليه قبل أن يفارق الحياة..ستجدون الجواب على هذه الأسئلة في قوله - تعالى -:(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي..).

 

هذا ما كان يشغل تفكيره في سكرات الموت ما تعبدون من بعدي ما هو الخط الذي ستسيرون عليه ما هي الدعوة التي ستتمسكون بها وترفعون لوائها من بعدي (ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إله واحدا ونحن له مسلمون)

لم يطمئن قبل وفاته حتى سمعها من أولاده وأحفاده وأقروا أمامه أنهم سيعيشون وسيموتون على ملة الإسلام والتوحيد الخالص.

ومن الأنبياء الذين رفعوا لواء الدعوة إلى الله سيدنا يوسف ابن سيدنا يعقوب عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام. سيدنا يوسف الذي مر بحياته بمصائب ومصاعب ونكبات تهد الجبال، فقد تنكر له اخوته ووضعوه في غيابة الجب...وراودته امرأة العزيز فلما امتنع عنها تنكرت له ووضعته في غيابة السجن ولكن الدعاة إلى الله لا يثنيهم شئ عن المهمة التي حملهم إياها الله - عز وجل - فهم يرفعون لواء الدعوة إلى الله مهما كانت الظروف حتى إذا ما نفاهم الطغاة فيعتبرون أن نفيهم عن أوطانهم سياحة وإذا سجنوهم فيعتبرون أن سجنهم خلوة، وحفظ الله الشاعر الذي صرخ في وجه العملاء والطغاة الذين يحاربون الدعاة ويدكونهم في السجون والمعتقلات كما فعل بسيدنا يوسف صرخ في وجههم ليخبرهم أن الدعاة الصادقين لا يمتنعون عن رفع لواء الدعوة مهما كلف الأمر فقال لهم بكل ثبات:

 

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي ***  بالسوط ضع عنقي على الســـكين

لن تستطيع حصار فكري ســــاعة ***  أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربــــي ***  وربــــي ناصري ومعيني

ســـــأعيش معتصماً بحبل عقيدتي ***  وأموت مبتسماً ليحيا ديني

 

وهكذا كان سيدنا يوسف عندما وضع القيد في يده وألقي في السجن وإذا به يحول السجن إلى مدرسة للتوحيد ونشر دعوة الإسلام فيقول لمن معه يعرض عليهم دعوة الإسلام (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار).

وبقي سيدنا يوسف صابراً محتسباً رافعاً لواء الدعوة حتى فرج الله عنه وملكه الدنيا والمال والسلطان وأصبح ملكاً وحاكماً يتصرف كيف يشاء وإذا به يرفع يديه إلى الله - عز وجل - والشوق يملأ قلبه فهو لا يريد مالاً ولا ملكاً ولا كرسياً وإنما همه أن يموت على دعوة الإسلام التي عاش من أجلها فدعا ربه قائلاً:

(( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ( 101 ) .  )...

 

الدنيا أصبحت في يده وهو يرغب عنها ويطلب من ربه قائلا(توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) ومن أعظم الدعاة الذين مروا على التاريخ ولم يكن لهم حظ من أقوامهم من الاحترام والتبجيل والتعظيم الذي يستحقونه بجدارة سيدنا سليمان على نبينا و- عليه الصلاة والسلام - فقد من الله عليه وأعطاه ملكاً عظيماً وسخر له كل المخلوقات من الإنس والجن والحيوانات والجبال لتعمل معه في مجال الدعوة إلى الإسلام حتى جاءه الهدهد في يوم من الأيام وأخبره أن امرأة في اليمن تحكم قوماً يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله... سبحان الله هدهد صغير بسيط لما رأى أناساً قد انحرفوا عن الإسلام والدعوة الإسلامية أنكر عليهم وحمل همهم وأخبر بهم نبي الله سليمان.

 

ليعيدهم إلى الإسلام..هدهد ضعيف صغير يطير ويسعى في سبيل الدعوة ونحن اليوم نرى شباباً ورجالاً ونساءً ينتمون إلى الإسلام ولا يحركون ساكناً ويقفون على هامش الحياة وكأن الدعوة أمر لا يهمهم ولا يعنيهم..فجاء الهدهد وقال لسيدنا سليمان كما ذكر في القرآن الكريم (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم.. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله). فلما سمع سيدنا سليمان كلام الهدهد حمله رسالة إلى تلك المرأة وإلى قومها..فحمل الهدهد الرسالة وطار بها وبذل جهداً في سبيل إيصالها والمؤسف أن من المسلمين اليوم من بلغ من العمر الثلاثين والأربعين والسبعين ولم يبذل ربع الجهد الذي بذله الهدهد في سبيل الدعوة ووصلت رسالة سليمان - عليه الصلاة والسلام - إلى المرأة وقومها يا ترى ما الذي يوجد في الرسالة هل فيها مفاوضات هل فيها اتفاقيات على تقاسم الثروات والأموال هل فيها معاهدات على الخيانة من أجل البقاء على الكرسي والمنصب اسمعوا يا اخوة نص الرسالة التي أرسلها سيدنا سليمان - عليه الصلاة والسلام - مع الهدهد إلى تلك المرأة وقومها الذين انحرفوا عن دعوة الإسلام (قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وأتوني مسلمين) هذا هو نص الرسالة:(بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو علي وأتوني مسلمين).

 

هذه الكلمة وكفى ولا شئ سواها فهو لا يريد من البشرية إلا أن يخضعوا ويسلموا لله - عز وجل -..ولما أنتصر سليمان على تلك المرآة وعلى قومها وجاءت خاضعة بين يديه إ لتفت سليمان إلى قواده ووزرائه وبطانته وحاشيته ليذكرهم أن هذا النصر المبين الذي حققوه لم يكن بقوتهم ولا بخبرتهم ولا بعظمتهم وإنما لأنهم رفعوا لواء الدعوة إلى الإسلام وتمسكوا به جيداً فقال لمن حوله (وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين).

 

ولما رأت بلقيس اعتراف سليمان بفضل الله عليه وما أعطاه الله إياه من قوة وعظمة وملك ما كان منها إلا أن استجابت لدعوة سليمان وقالت (إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).

 

ثم جاء بعد ذلك أعظم أنبياء بني إسرائيل على الإطلاق وهو سيدنا موسى - عليه الصلاة والسلام - صاحب التاريخ العظيم الذي أخذ نصيباً وحظاً وافراً من القرآن الكريم والذي خاطبه ربه قائلاً: (ولتصنع على عيني). وقال له ربه أيضاً (واصطنعتك لنفسي) هذا النبي الكريم الذي رفع لواء الدعوة للإسلام عندما أراد أن ينقذ بني إسرائيل من الضعف والذل والهوان والاستكانة أول أمر طلبه منهم أن قال لهم (يا قوم إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين).لأنه يعلم أن دخولهم في الإسلام سيخلصهم من بطش الفراعنة ومن حياة الذل والهوان التي كانوا يعيشونها ولقن سيدنا موسى كلمة الإسلام لسحرة فرعون فدخلوا الإسلام وأعلنوه صيحة مدوية مجلجلة في وجه فرعون فقالوا له:(وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ عليه صبراً وتوفنا مسلمين).

 

حتى إن فرعون بذاته الذي ناصب موسى العداء وطغى وتكبر وادعى الألوهية كان يعلم الحقيقة كان يعلن أن الإسلام هو دين الله ولا دين سواه.

 

فعندما وقعت برأسه الواقعة وأدركه الغرق لم يسعه إلا أن يعترف بالحقيقة والإسلام ولكن في لحظة لا ينفع فيها الاعتراف ولا الندم فقال أخزاه الله وهو يغرق:(لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين).

 

وأخر الأنبياء قبل سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - إنما هو سيدنا عيسى كلمة الله التي ألقاها إلى مريم والذي دعا قومه إلى الله..... وأحب أن يسمع الإخلاص لدعوة الإسلام والإقرار بها من خلص قومه وجماعته الذين رباهم.أحب أن يأخذ منهم عهداً بالبقاء على دعوة الإسلام والتمسك بها في وقت ضاع وفسد وكفر فيه الناس (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا به واشهد بأنا مسلمون).

 

وهذا أيها الإخوة سرد موجز لتاريخ الدعوة الإسلامية في زمن بعض الأنبياء لنعلم أن كل الأنبياء كانوا دعاة للإسلام لا لغير الإسلام ولم يعرفوا ديناً آخر سوى الإسلام وما أنزل الله وحياً ولا كتاباً ولا أرسل رسولا ولا نبياً إلا من أجل دين واحد هو الإسلام.

 

وقد بين الله هذا بشكل واضح في القرآن الكريم فقد أخبر على لسان أناس ضلوا وفسقوا وابتعدوا عن الإسلام فقالوا (كونوا هوداً أو نصارى تهدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا أمنا بالله وأنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب الأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن لهم مسلمون).

 

وأختم كلامي هذا بحديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجز لك هذا الحديث أيها الأخ الحبيب أن الأنبياء والمرسلين إنما هم كوكبة واحدة يعملون في سبيل الدعوة إلى الله - تبارك و تعالى - فقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فراح الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة ثم قال - عليه الصلاة والسلام - فأنا اللبنة وأنا خاتم الأنبياء).

 

اللهم أجعلنا من الذين يرفعون لواء الدعوة ويسيرون على خطى الأنبياء الذين قلت عنهم في كتابك (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)  

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply