صرخة أسير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أبتــاه إني في قيــودي مُثقـلُ *** و الأرض تحـتي يا أبي تتزلـزلُ

 

فالقـيد يُثقِـلــني إذا أنا أرتـقي *** و السَّــوطُ يَلسعني إذا ما أَنـزِلُ

 

و تنـوش جِسـمي المُكفَهِرَّ فتُدمِهِ *** تِلـكَ الكلاليبُ الـتي تتسـلسَـلُ

 

من عاتقي المكلومِ حتى أخمَصِ الـ *** قَدَمَيـنِ وَيـحَ الرِّجـلِ إذ أَتَـنقَّلُ

 

و إلى المنـون أُقـادُ لا مِن جُنحةٍ, *** كلاّ و لا ذَنـبٍ, جَنَيـتُ فأُقـتَـلُ

 

و أثُـورُ كالبُـركان حينَ تذكٌّـري *** أمّـاً تنـوحُ عليَّ أو تَـتَـملمـلُ

 

و تجـودُ بالعَـبَرات وَيـحَ فؤادِها *** قد كَـلَّمـوهُ فجُـرحُـه لا يُدمَـلُ

 

و يلُـوحُ في الآفاق طيفُ قرينـةٍ, *** تَبكي و يصرُخُ مِـن وراها الأنجُلُ

 

فكـأنًّ أنجالـي و قـد فارقـتُهـم *** زَهـرٌ أمـامَ العادِيـات سيـذبُـلُ

 

أبتـاه فاستوصِ بهـم فيمـا بقـي *** فَـلَنِعـمَ من يرعى و من يتكفّـلُ

 

مَـن يخلُـف الغـازي بُعَيدَ رحيلهِ *** في أهلـه فلـه الجـزاء الأجـزلُ

 

هـذي بِشـارةُ أحمدٍ, خيرِ الـورى *** خبـراً رواه لنـا الرعيـلُ الأوَّلُ

 

أمَّـا أنا أبتـاه فاختَـرتُ الـتـي *** قد هابَهـا جُـلٌّ الورى و تخاذلوا

 

و شهَـرتُ في وجهِ الطغاةِ مبادِئـاً *** أمضى من السيفِ الشهير و أصقلُ

 

فلقـد سئمتُ من الهوان و لم أكُـن *** إلا على درب الهـدى أستـبسِـلُ

 

ألأنـني رُمـتُ الحيـاة كـريمـةً *** و حَيِيـتُ ليثـاً مِـن وراه الأشبُلُ

 

ذُعِـرَ الطغاةُ و زُلزِلـت أركانُهم *** و انتابَهـم فَرَقُ السقوطِ المُذهِـلُ

 

فتـواثبـوا نحـوي بكلّ مكيــدةٍ, *** و تعاهدونـي بالقيـودِ و كبَّـلـوا

 

و استاقنـي الجـلاّد يُلهبُ أضلُعي *** بسياطِـه فتخورُ منِّـي الأرجُــلُ

 

و أحـاط بي مثـلَ السِّوار جنودُه *** بسلاحِهِـم و أنا الوحـيد الأعـزَلُ

 

يخشـون إيمانـاً يثـور بداخـلي *** فيحَـطّمُ الأوغـاَد إن هُم أقبَلــوا

 

كم ساومونـي بالوعـود لأرتجي *** عفواً من الطَّـاغوت أو أتوسَّــلُ

 

أنا لسـتُ ذا ذنبٍ, فأرجـو عفوَ مَن *** هتفـوا له متملِّقيـنَ و بجَّـلــوا

 

ذاك الـذي سـامَ العبـادَ بِبَطشِـهِ *** سوءَ العذاب و بـات منهم يهـزَلُ

 

و أذاقهُـم ذُلَّ الصَّغـارِ و لم يَزَل *** متغطرسـاً في المُلـك لا يتحـوَّلُ

 

و يجـود بالشعـب المعنَّى كُلِّــه *** بينـا بكُرسِـيِّ الإمـارة يبخَــلُ

 

فـإذا أبـى ذاك الهـوان موحّـدٌ *** صرخ (المناضِل) كبِّلوه أو اقتُلوا

 

فانقـادت الأُمَم التي قد سـامهــا *** سُـوءَ العذاب على خُطَاه و أَقبَلـوا

 

و أبيتُ أن أشري الحياة بمـا أرى *** فيـهِ عنِ القِيَـمِ العِـظـامِ تنازُلُ

 

فإذا زبانيـةُ الطٌّغـاةِ تُحيـطُنـي *** بجمـوعِها و إلى الدَياهـِبِ أُنقَـلُ

 

و استَصدَروا بالشنقِ أمراً عاجـلاً *** ما ضَـرَّهم لو فيـهِ لم يتعجَّـلـوا

 

أيُـهيبُهـم مني الفرارُ و مـا دَرَوا *** أنِّـي إلى دار الخـلود سأرحَــلُ

 

لا تعـدِلُ الدٌّنيـا جَنـاحَ بعوضـةٍ, *** أإلى الحيـاة عن الشهـادةِ أعدِلُ؟

 

قد مزَّقوا سِتـري الصقيل فلا تَرى *** إلاّ رقاعـاً فوق جسمـيَ تُسـدَلُ

 

لا تحسبَـنَّ رِقاعَهُـم ستَـلُفٌّـنـي *** أو تحسبّنِّـي بالبيـاضِ سـأرفُـلُ

 

فدِمـا الشهيـدِ إذا قـضى أكفانُـهُ *** و أنا بأكفـان الدِِّمــا أتسربَــلُ

 

لو يُدرِكُ الجَـلاّدُ سِـرَّ تبسٌّـمـي *** في وجـهِ هاتيـك المنون سيُذهَـلُ

 

إنَّـي إلى حتفـي أسيـرُ مقـيَّـداً *** لولا وثاق البـؤسِ كنـتُ أهـروِلُ

 

هذي القيـودُ تُعيقُـني و تحُـدٌّ مِن *** وَثبـي إلى مـا قد حييـتُ أُأِمِّـلُ

 

فمُنـايَ أن أقضـي شهيـداً مؤمناً *** و أَمـامَ ربِّي بالشــهـادة أمثُـلُ

 

وإلى ضِفـافِ العرشِ آوي كلَّمـا *** خَفَقَت بأجنُحِـهـا الطيورُ و أُقبِـلُ

 

نَيـلُ الشَّـهـادةِ رأسُ كلِّ فضيلةٍ, *** مَـن نالهـا فلـهُ الثواب الأجـزَلُ

 

و الله يجمعنـا و يحكُـمُ بيننـــا *** بالعـدلِ مَن غيـرُ المهيمنِ يعـدِلُ

 

و بحمدِ ربي و السـلام على النبي *** أبتـاهُ أختِـمُ ما أقـولُ و أُكمِـلُ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply