فضيلة الفقيه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عندما نقول: ليس الفقيه من يقلد الفقهاء، وليس هو الجامع للنصوص والمركب للألفاظ، وليس هو شارح المختصرات ومختصر المطولات، وعلى الصعيد الأكاديمي: ليس الأستاذ الدكتور...إلخ.
فمن هو الفقيه إذاً؟لعلنا أن نتعرف عليه من وجهة نظر فقيهنا ابن تيمية – قدس الله روحه- من خلال وصفه للفقه والفقيه-فهو يقرر أنه (إذا كان خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم- فكل من كان إلى ذلك أقرب وهو به أشبه، كان إلى الكمال أقرب وهو به أحق...) [مجموع 11/34].

فأصل الفقه مبني على الإتباع والانقياد (أما أن يثبت أصلاً يجعله قاعدة فمجرد رأي فهذا إنما ينفق على الجهال بالدلائل الأغشام في المسائل) \"مجموع 6/390\" ويؤكد ذلك بقوله: (إن الناس عليهم أن يجعلوا كلام الله ورسوله هو الأصل المتبع والإمام المقتدى به سواء علموا معناه أو لم يعلموه...) (التسعينية 6/338) وبناء عليه فـ (الواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع – صلى الله عليه وسلم- ويقيد ما قيده) (مجموع 24/13) و(الواجب أن يعطى كل ذي حق حقه، وأن يوسع ما وسعه الله ورسوله، ويؤلف ما ألف الله بينه ورسوله، ويراعي ما يحبه الله ورسوله من المصالح الشرعية والمقاصد الشرعية) (المجموع 24/199) (فلا يجوز لأحد أن يضيق على المسلمين ما وسع الله عليهم، وقد أراد رفع الحرج عن الأمة، فليس لأحد أن يجعل فيه حرجاً) (المجموع 21/429).

وهذا هو الأصل الذي يجب أن تجتمع عليه القلوب، وهو الهدف الذي يجب أن يكون قبلة القاصدين. وبغيابه تبددت الجهود وحصل من الفرقة والخلاف ما تأبى الشريعة مثله من عموم الخلق بل العلماء الفقهاء، ولذلك فإن عدم مقدرة الفقيه على صيانة هذا الأصل ومراعاته قولاً وعملاً يثير الشك في فقهه، ومن وراء ذلك تفقهه إذ لو (تدبرت كتاب الله تبين أنه يفصل النزاع بين من يحسن الرد إليه، وأن من لم يهتد إلى ذلك فهو إما لعدم استطاعته فيعذر، أو لتفريطه فيلام) (مجموع 34/63).
-
ويقرر رحمه الله وصفاً آخر وهو أن (فضيلة الفقيه إذا حدث حادث يتفطن لاندراج هذه الحادثة تحت الحكم العام الذي يعلمه هو وغيره، أو يمكنهم معرفته بأدلته العامة نصاً واستنباطاً) (المصرية 6/133)

إن الأحكام العامة التي ترجع
إليها الحوادث واضحة المعالم فهي:الحق ويقابله الباطل، والمصلحة وتقابلها المفسدة، والعدل ويقابله الظلم...إلخ، وليست ميزة الفقيه في هذا، فإن العالم مزيج حسنات وسيئات وحق وباطل وعدل وظلم ولكن التفقه أن:(1) يميز بين الأمرين ويرجح بينهما وفي هذا يقول فقيهنا (ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين:

إن اللبيب إذا بدا من جسمه مرضان مختلفان داوى الأخطرا (وهذا ثابت في سائر الأمور) (مجموع 20/54-57) (مثل كثير ممن يحب الرئاسة أو المال أو شهوات الغي، فإنه إذا فعل ما وجب عليه من أمر ونهي، وجهاد وإمارة، ونحو ذلك فلابد أن يفعل معها شيئاً من المحظورات، فالواجب عليه أن ينظر أغلب الأمرين: فإن كان المأمور أعظم أجراً من ترك ذلك المحظور لم يترك ذلك لما يخاف أن يقترن به ما هو دونه في المفسدة، وإن كان ترك المحظور أعظم أجراً لم يفوَّت ذلك برجاء ثواب فعل واجب يكون دون ذلك، فذلك يكون بما يجتمع له الأمران: من الحسنات والسيئات فهذا هذا وتفصيل ذلك يطول) (الاستقامة 2/291) فـ (تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات ويرى ذلك من الورع كمن يمتنع عن أخذ العلم عن العالم لما في صاحبه من بدعة خفية، ويرى ترك قبول سماع هذا الحق الذي يجب سماعه من الورع) (مجموع 10/514).
(2)وتمام ذلك (ينبغي له أن يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، كما يعرف الخيرات الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، فيفرق بين أحكام الأمور الواقعة الكائنة، والتي يراد إيقاعها في الكتاب والسنة، فإن لم يعرف الواقع في الخلق والواجب في الشرع، لم يعرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) (جامع الرسائل 2/305).
وعليه فـ (لابد أن يكون المفتي ممن يحسن أن يضع الحوادث على القواعد وينزلها عليه) (الاستقامة 1/11).
تلك إشارات سريعة لفضيلة الفقيه، من علمها فهو لما سواها أعلم، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply