خطابنا الإسلامي . . بين الثوابت والتجديد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في البداية أشير إلى أننا - نحن المسلمين - وحدنا الذين من حقهم - ومن واجبهم - أن يحددوا إطار خطابهم الديني، منطلقين من الثوابت التي لا تتغير في دينهم، ومن المتغيرات التي تواجه التحديات في كل عصر عن طريق باب الاجتهاد (والمفتوح دائما) في ظل ضوابط الثوابت القرآنية والنبوية.. أي في ظل البلاغ القرآني والبيان النبوي.

 

وليس من حق غيرنا - نصارى أو يهودا أو علمانيين، يسيرون في هذا الفلك أو ذلك - أن يرغمونا على تحديد إطار خطابنا الديني تحديدا إسقاطي.. وأن يخضعونا - بالتالي - للفكر العلماني أو للعقائد والتفسيرات غير الإسلامية للعلاقة بالله والكون والإنسان.

 

- ولو أن هذا - الإكراه - فرض ووقع- كما يريد بعضهم الآن.. لفقد الحوار بين الإسلام والعالم شرطه الأول.

 

فالخطاب الديني والحوار ينبغي أن يكونا في إطار تعبير كل طرف عن فكره وذاتيته.. وتقديمها للآخر.. لا ليفرض عليه الإيمان بعقيدته أو منهاجه. فلا إكراه في الدين.

 

ولكن ليتبين الرشد من الغي، بلا تدليس أو تأويل من مستشرقين أو مستغربين.. أو حداثيين!!

 

إن خطابنا الإسلامي الأصيل نفسه هو الذي يفرض علينا أن نجتهد في مواجهة النوازل والوقائع، وأن نكون قادرين على مواجهة تغير العصور والأماكن بما يلائمه.

 

لكن ذلك كله ينبغي أن يبقى في دائرة الثوابت والنصوص، وإلا فقد صفته الإسلامية.. فالإمام محمد بن إدريس الشافعي، في مذهبه القديم، وفي مذهبه الجديد في مصر، هو نفسه الإمام الشافعي الملتزم بالكتاب والسنة.. والذي لم يحد عنهما لا في فقهه القديم ولا الجديد قيد أنملة.

 

وقد تملي الظروف أن يخاطب الدعاة بعض المثقفين بأسلوب قد يختلف عن خطابهم لغير المثقفين، أو أن يخاطبوا الأوروبيين بأسلوب يختلف عن خطابهم للهندوس في الهند.. أو أن يخاطبوا النساء أو الأطفال أو الحكام بغير ما يخاطبون به غيرهم.. لكن هذا كله يجب ألا يحرف فيه الكلم عن مواضعه، بل يجب أن يظل الخطاب في دائرة الحكمة، وفقه الدعوة.. ومراعاة مقتضى الحال.. دون خروج عن النصوص والثوابت.

 

ولقد علمنا القرآن الكريم في - أسباب نزول آياته - ألوانا من هذه الحكمة في البلاغ - عبر مراحل نزوله المكية والمدنية - كما علمنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الله يبعث لهذه الأمة في كل قرن من يجدد لها أمر دينه.

 

ومع ذلك، فنسيج القرآن عبر سنوات نزوله المكية والمدينة، نسيج متكامل منسجم لا انتقاض فيه.. قال - تعالى -: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} [الكهف: 1]، كما أن تجديد الدين - في الإجماع الإسلامي الملتزم بالإسلام - يجب أن يكون من داخل النصوص والثوابت المطلقة، لا من داخل نسبية العقول، والإسقاطات الفكرية والمذهبية، أو التأويل المتعسف الذي يحرف الكلم ويقرؤه كما يحب ويهوى، وليس حسب دلالات الكلمة أو الجملة في ضوء ضوابط المعاجم وإقرار أهل الاختصاص في المجامع..

 

ولقد درج الناس على ربط (الخطاب الديني والحوار).. بالحوار مع غير المسلمين، وهذا خطأ واضح، فإن الحوار في داخل المجتمعات الإسلامية هو المرحلة الأولى والأهم.. وهو من قواعد الانطلاق الناجع - في الحوار مع الخارج..

 

لقد آن الوصول إلى القواسم الجامعة وشعب الإيمان المتفق عليها، بين كل العاملين في المجتمع الإسلامي تحت شعارات مختلفة، مثل السلفية، والصوفية، والجامعات الإسلامية، والحركات الإسلامية، وحركات الدعوة، والعلماء المتخصصين، والدعاة المخلصين، سواء كانوا من أهل الاختصاص أم لم يكونوا.. ما داموا ملتزمين بالاحتكام إلى الكتاب والسنة الصحيحة.. وما داموا قادرين على البلاغ والانطلاق وفقاً لضوابط الكتاب والسنة.

 

- إن الدعوة إلى الإسلام - بالقول والسلوك - واجب عام.. يؤدى عبر مستويات مختلفة، ومساحات مختلفة.. ولعل هؤلاء جميعا يلتزمون بالالتقاء على الكتاب والسنة الصحيحة - كشرط أول - تاركين لأهل الذكر أمر الفتوى والاجتهاد- كخطوة تالية - ملتزمين - كآلية مرنة- بالعمل المشترك في المتفق عليه والإعذار في المختلف فيه!!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply