علاقة العقيدة بالقضايا السياسية . تعقيب على الدكتور محمد الأحمري


بسم الله الرحمن الرحيم

 

طرح المفكر الكبير الدكتور الأحمري وجهة نظره حول موضوع علاقة العقيدة في مجريات الأحداث السياسية، وكان طرحه قاسيا جدا على مخالفيه، وكنت أحب للدكتور لو طرح رأيه بشكل أوسع وأرفق، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وهناك تفاصيل أختلف فيها مع الدكتور، وليس هذا محل ذكرها.

ومن وجهة نظري أن العقيدة محرك للقضايا السياسية ـ كما ذكر الدكتور ـ ولكنني أراه محركا قويا، بل محركا قويا جدا، ولكنه ليس الوحيد، فقد يقع النزاع لأسباب دنيوية بحته أو عقدية بحته أو لكليهما.

 

أما تحريك الإسلام للقضايا السياسية فهذا لا شك فيه لأن السياسة جزء من الإسلام، وكذلك العقيدة مؤثرة في الأديان والمعتقدات الأخرى، فمن تابع مجريات الأحداث في صربيا وما حدث من حروب تطهير عرقي ضد المسلمين يظهر له الجانب العقدي بشكل واضح، وكذا ما حدث في جزر الملوك في اندونيسيا.

وكذا ما يجري الآن في الشيشان، وكذا الحرب الصليبية التي قادتها أمريكا ـ وما زالت تقودها ـ ضد المسلمين، وقبل هذا زرع اليهود في قلب العالم الإسلامي، ففي كل هذه الأحداث السياسية كان هناك جانب عقدي حاضر وقوي، ولكن ثمة أسباب أخرى.

فمثلا لو حكمت الشيشان مجموعة صوفية خرافية، ووضعت روسيا يدها على مقدرات البلاد من خلال العملاء العسكريين الشيشانيين لانتهت الحرب مباشرة ـ هذا ما أحسبه ـ فقد تركت روسيا شيوعية الذبح ولو لفترة.

فالحرب هنا ليست عقدية صرفة، وأيضا الجانب العقدي حاضر وقوي، فهم لا يريدون أهل السنة أبدا. وفي المقابل لو تم هذا في البوسنة أو ألبانيا لما توقفت صربيا عن الهجوم الدموي على المسلمين.ففي حالة روسيا هناك سبب ديني [عقدي] ودنيوي، أما في صربيا فهو محرك ديني عقدي بحت.

وعلى هذا يمكن قياس كثير من الأحداث التي مرت بالأمة وما زالت، وفي الحدث الحالي - أعني حرب لبنان - هناك محرك عقدي قوي موجود، وهناك أسباب أخرى حاضرة.

 

قرار الحرب تمت دراسته وإصداره في طهران، وصدر قرار الرد من واشنطن، فكلا الدولتين لا يمكن أن يقاتل الآخر لوجود المصالح المشتركة ضد السنة ـ العدو المشترك ـ في أفغانستان والعراق، وخوف خوض الحرب النووية.

فحزب الله عميل إيراني، ولا شك عندي في هذا، وما دعوى الأسرى إلا غطاء فقط.

لكن لعل الحزب لم يتصور هذا الرد الوحشي البربري، وحسب أن إسرائيل قد تكتفي بضرب بعض المواقع.

ويمكن أن نذكر بعض الأسباب فمنها: أن هناك مناطق نفوذ لحزب الله محتلة، وهناك أسرى شيعة معتقلون، وهناك تحركات إسرائيلية قريبة من الحدود، وأيضا هناك رغبة في إشغال العالم عن السلاح النووي الإيراني، وتخفيف الضغط على أمه الرءوم سوريا التي تواجه ضغط عالمي \'خاصة من أمريكا وفرنسا\' بدعوى تورطه بقتل الحريري، وإشغال العالم عن ذبح أهل السنة في العراق، ورغبة في تصدير الثورة لمناطق أخرى بواسطة الدعاية بأن \'حزب الله\' هو المقاوم الوحيد للمحتل اليهودي.

كما كانت هذه دعاية لجمال عبد الناصر، وصدام حسين، والخميني [مقاومة الاستكبار]، وكان لكل هؤلاء علاقة قوية مع من يزعم العداء معه، وكسب الدعاية بين أهل السنة الأيتام على موائد اللئام.

 

ومن الجهة الأخرى نجد أن الحكومة الإسرائيلية متورطة سياسيا بسبب الانتفاضة وخلو المكان بعد شارون، فلابد من عمل بطولي، وضرب حماس لا يكفي، ولابد من جدار عازل من جهة لبنان وبشرط أن يكون داخل الحدود اللبنانية، وجنرالات الجيش لهم أطماع مالية أيضا، وهناك حقد ديني، وغضب عارم من الأحزاب المتطرفة، ومن شاهد أولمرت وهو يضع الطاقية السوداء ويقرأ من التوراة أثناء الكلمة التي وجهها بمناسبة الحرب في لبنان يعلم الأثر العقدي. واشتعلت الحرب المدمرة، وليس لنا فيها ناقة ولا جمل، ونحن أكثر من خسر.

 

الموقف من الأحداث:

هناك عداء عقدي مستحكم بين السنة والشيعة منذ أن قتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وكان لابن السوداء [ابن سبأ] دور بارز في هذا، ثم تلا ذلك الفتنة الكبرى بين الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم مقتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما -، ومنذ ذلك الوقت وآيات الرافضة يشعلون نار الحقد في قلوب أتباعهم، وقد تسامع الناس بكثير من الخطب والمقالات التي تؤجج الحقد، ولكن ليس راء كمن سمعا، فقد شاهد القاصي والداني الحقد الصفوي الرافضي يظهر في العراق، فقد ذُبح السنة بالهوية، وقد قابلتُ عراقيا كرديا، حكا لي قصصا وأخبارا، عن طرق ذبح الرافضة للسنة، ولولا أنني سمعت غيرها من غيره لما صدقتها، ولكن بلغ الأمر حد التواتر.

أقول: المتابع لتلك الأحداث يعلم أن الأوامر تصدر لفيلق بدر من خامنئي [ولي الفقيه]، وهو نفسه الذي يُقسِمُ به أعضاء حزب الله [قَسَم لانضمام للحزب]، فكيف نتعاطف معهم، أو حتى نتناسى الخلاف؟!!.

وفي المقابل لابد أن نضع في الحسبان أن إسرائيل لم تفّرق بين السنة والشيعة بل ولا النصارى في قصفها للبنان، وقتلت الجميع بلا استثناء. ولا يستبعد أن توسع دائرة القصف ولن يمنعها إلا ثبات المقاومة في فلسطين ولبنان.

لكن كل هذا لا يجعلنا نترك الخلاف أو نتناساه أو حتى ننحَّيه في الوقت الراهن، لكن \'قد\' ندعمهم سياسيا \'معنويا\' أو مادياº مع الحذر الشديد من تبعات ذلك فهم يتبعون لدولة شعوبية حقودة ذات أطماع توسعية ظاهرة\'تصدير الثورة\'.

وفي المقابل فإسرائيل دولة نووية قوية، وعدوة لنا منذ الأزل البعيد، فقد سبوا ربنا - جل وعلا - وقتلوا أنبياءنا، فعداؤنا معهم ديني موغل في التاريخ، ودنيوي أيضا باحتلال أرضنا وقتل إخواننا، وأما مسألة الأطماع التوسعية فهي محل بحث ونظر عندي، فمن جهة حفظنا من الصغر إسرائيل من النهر إلى البحر، وشاهدنا احتلال الجولان السوري، وسيناء المصري، والجنوب اللبناني وما زالت صرخات المتطرفين تطالب بتحقيق نبوءات التوراة، وفي المقابل شاهدنا الجدار العازل \'التقوقع\' والهرب الجماعي من إسرائيل، والضعف الاقتصادي بل التهاوي للاقتصاد الإسرائيلي، وسمعنا الصرخات المتتابعات بالرضوخ للواقع وقبول ما وقع تحت أيديهم.

أما حالنا نحن معاشر السنة في لبنان ومصر وفلسطين والسعودية وباقي الأراضي كحال قافلة اختلفت على سرقتها عصابتان، فهم يقتتلون وكل يطمع في الغنيمة، ففوز أحدهما خطر علينا.

وقبل الختام لابد من التأكيد أن الرافضة لم يقيموا دولة إلا على أنقاض دول أهل السنة، ولم يقاتلوا الصليبيين ولا غيرهم عبر التاريخ، ولهم السبق في الخيانة والغدر وآخرها تصريح كل من محمد على ابطحي نائب الرئيس الإيراني وهاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص النظام بالخدمات التي قدمتها إيران لأمريكا لتسهيل احتلال أفغانستان والعراق، وفي التاريخ عبرة وعظه لمن تأمله. وحال إخواننا أهل السنة في إيران مشهور لا يحتاج بيانا.

وأنبه الدكتور الفاضل أن الذي يقود إيران هم العلماء فكل خياناتهم محسوبة عليهم بخلاف أهل السنة.

أقول مرة أخرى وأخيرا: قد يخرج أصحاب القرار بفكرة دعم حزب الله ليس حبا فيه بل اتقاء لشره وشر إسرائيل.

 

تنبيه:

وقفت على تعقبين جيدين في الجملة الأول نشر في موقع مفكرة الإسلام بعنوان خطل العقل.. وتغييب الأمة عن الوعي للأستاذ طالع دخيل الله المطرفي، والآخر نشر في موقع المسلم بعنوان: وقفة مع مقال الدكتور محمد الأحمري: التحليل العقدي. للأستاذ إبراهيم الأزرق.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply