لتنزل للخصم في المناظرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السؤال:

ما حكم التنزل في الكلام عند مناظرة مخالفٍ, غير مسلم إذا رأينا في ذلك مصلحة راجحة؟

الجواب:

أقول مستعيناً بالله - تعالى -:

إن من الحكمة في الحوار و المناظرة أن يخاطِبَ المُنَاظِرُ الناسَ بما يفهمون، و أن يؤخذوا بقدر عقولهم، فإذا كان في التنزل في الحوار معهم مصلحة راجحة فلا بأس في ذلك على الظاهر، شريطة أن لا يؤدي الأمر في النهاية إلى فتنة أهل الحق، أو تقوية أهل الباطلº بتقديم ما يمكن أن يستغلوه في إشاعة و تثبيت باطلهم، أو التشكيك في الحق، و الطعن في أهله، و لو بعد حين.

و يجد الباحث في كتاب الله أمثلة من التنزٌّل في الحوار مع المشركين على نحو لا يشكل على من أحسن فهمه و تدبَّره.

فقد حكى القرآن الكريم تنزل مؤمن آل فرعون في خطاب قومه حيث قال عن نبي الله موسى - عليه السلام - و ما جاءهم به من عند الله فيما حكاه عنه رب العالمين: (وَ إِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيهِ كَذِبُهُ وَ إِن يَكُ صَادِقاً يُصِبكُم بَعضُ الَّذِي يَعِدُكُم) [غافر: 28].

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة: تَنَزَّلَ مَعَهُم فِي المُخَاطَبَة فَقَالَ: (وَ إِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيهِ كَذِبه وَ إِن يَكُ صَادِقاً يُصِبكُم بَعض الَّذِي يَعِدُكُم)º يعني: إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل و الرأي التام و الحزم أن تتركوه و نفسه فلا تؤذوهº فإن يك كاذباً فإن الله - سبحانه وتعالى-سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا و الآخرة، و إن يك صادقاً و قد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكمº فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذابٍ, في الدنيا و الآخرة)

و أمر الله - تعالى -نبينا الكريم بأن يتنزل في حواره مع المشركين، فقال فيما أوحاه إليه: (قُل لا تُسأَلونَ عَمَّا أَجرَمنَا وَ لا نُسأَلُ عَمَّا تَعمَلُونَ) [سبأ: 24].

فانظر كيف عبَّر بلفظ الإجرام في قوله: (لا تُسأَلونَ عَمَّا أَجرَمنَا) عما يفعله المؤمنون مع براءتهم من الإجرام و أهله في حقيقة الأمر، في مقابل التعبير بمجرد العمل لما تقترفه أيدي المخالفين مع ما يقع في أفعالهم من إجرام حقيقي في حق أنفسهم و حق المسلمين، حيث قال: (وَ لا نُسأَلُ عَمَّا تَعمَلُونَ).

و لا ريب أن ذكر الإجرام في حق المؤمنين ليس إلا تنزلاً في حوار الخصم.

و مثل ذلك قوله - تعالى -لنبيه الكريم فيما أوحاه إليه: (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)، فمجرد افتراض أن يكون لله ولد أمر محال شرعاً و عقلاً، و لا يشك في استحالته عوام المسلمين فكيف بنبيهم الأمين، و لكن الله - تعالى -أذن له - صلى الله عليه وسلم - في أن يقوله للمشركين تنزلاً في محاورتهم، لعل ذلك يلزمهم الحجة أو يهديهم المحجة.

و أمام هذه الأمثلة من كتاب الله و غيرها مما كثر و اشتهر في الكتاب و السنة أرى جواز التنزل في مناظرة الخصوم شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى مفسدة أكبر، كإمعانهم في التعنت، أو الطعن في دين الله بسبب تنزل المتنزلين، و اعتبار تنزلهم ضعفاً في الدين.

هذا، و الله أعلم و أحكم، و ما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت و إليه أنيب.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply