قاعدة : رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب


بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذه قاعدة أصولية يكثر ترديدها عن طلاب العلم والدعاة منهم خاصة، وموارد بحثها ((باب الاجتهاد)) من كتب أصول الفقه ومنشؤها: هل كل مجتهد مصيب أو المصيب واحدٌ فقط؟

فمن يقولون بالأول يسمون ((المصوّبة)) ومن يقولون بالثاني يقال لهم ((المخطئة))، وعند النظر والتدقيق في أصلها ومحتواها يتبيّن ما يأتي:

أولاً: الأصل في استخدام القاعدة أن تكون بين العلماء المجتهدين الذين توفرت فيهم أهلية الاجتهاد وشروطه، فهي إذن قاعدة من قواعد الاجتهاد وللمجتهدين فقط.

 

ثانياً: يستخدمها كثير من الناس في كل أمر قطعيٍ, أو ظني في الشريعة، وهذا خطأ بينٌ لأنها لا تستخدم في الأمور العقيدية كأصول الإيمان ولا ما فيه نص من أمور الأحكام، لأنه لا اجتهاد مع النص. ثم القول بهذه القاعدة نفسها ظني فلا تقوى على رد ما هو أقوى منها، وهو القطعي في الثبوت والدلالة.

 

ثالثاً: هذه القاعدة مبنية على الاحتمال وهو ظني، وليس أحد الاحتمالين الظنيين بأولى من الآخر ما داما متساويين. ثم إن الجزم بصواب رأى المتكلم وخطأ رأى مخالفه تحكمٌ ومصادرةٌ دون دليلٍ, معتبر.

 

رابعاً: بسبب التوسع في تطبيق هذه القاعدة في كل خلاف ظهر التعصب المذهبي فطورت هذه القاعدة من قبل متعصبي المذاهب فصارت ((إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب غيرنا قلنا وجوباً: مذهبنا صوابٌ يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ ولا يحتمل الصواب)).

 

فيلاحظ بعد أن كانت رأياً فردياً يحتمل الصواب والخطأ أصبحت مذهباً جماعياً. وبعد أن كان الصواب في نظر المتكلم مجرد صواب أصبح ذلك الصواب ظاهر الوجوب.

 

خامساً: القاعدة في المقولة الأولى كما في العنوان زكت رأى القائل مرتين مرة بالجزم بالصواب وإن لم يقل بالوجوب الثانية بالجزم بخطأ الرأي الآخر المخالف له، وإذا كان قائل هذه المقولة والمتمثل بها قد زكى رأيه مرتين، فإنه قد رد وصادر رأي غيره مرتين أيضاً، من بدون برهان أو دليل.

 

سادساً: الغريب في الأمر أن القائلين بهذه القاعدة بصيغتيها الفردية والجماعية يقلّدون عند الاقتضاء والحاجة غير إمامهم، فهم بهذا قد أجازوا لأنفسهم تقليد من يعتقدون خطأه. فكيف صار المذهب المخالف صحيحاً ومذهب إمامه الذي يقلده ((مذهبه الأصلي)) فاسداً؟ أم أن مذهب إمامه هو الصحيح ومذهب غيره فاسد عنده إلا إذا احتاج العمل به ؟ وهذا تناقض.

 

سابعاً: إن العامي لا يجوز له التخير بين المذاهب في المسألة الواحدة، لأن مذهب العامي مذهب مفتيه، ثم هو لا يستطيع أن يميز بين الراجح والمرجوح من الأقوال.

 

ثامناً: وعلى هذا لا يجوز لمقلد أبي حنيفة - يرحمه الله - مثلا - أن يقول إن أقوال مالك والشافعي وأحمد خطأ لمجرد مخالفتهما لمذهب إمامه، وكذلك لا يجوز لأتباع أحد الأئمة الثلاثة أو غيرهم التصريح بخطأ مذهب أبي حنيفة لمجرد مخالفته لمذهب من يقلده، ولا يتصور أن جميع ما خالفوا به إمامه خطأ وإمامه هو المصيب وحده، لأن الجميع يشتركون في عدم العصمة، وكل من الأئمة الأربعة ورد عنه أنه قال: ((إذا خالف قولي الحديث فاضربوا به عرض الحائط)).

 

تاسعاً: إن حكم أحد الأئمة المجتهدين والمتبوعين حكم شرعي يلزم الأخذ به لمن خوطب به إذا لم يظهر له دليلٌ اصح وأصرح منه.

 

قال العز بن عبد السلام في كتابه [قواعد الأحكام]: ((ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين بكسر اللام يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه حيث لا يجد له مدفعاً ومع هذا يقلده فيه، ويترك الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جموداً على تقليد إمامه، بل يتحايل لدفع ظواهر الكتاب والسنة ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالاً عن مقلده بفتح اللام حتى ظن أن الحق منحصر في مذهبه، وإذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال: لعل إمامي وقف على دليل لم أقف عليه ولم اهتد إليه. ولم يعلم المسكين انه مقابل بمثله، فالبحث مع هؤلاء ضائعٌ مفضٍ, إلى التقاطع والتدابر من غير فائدة)).

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply