أسند الأمر إلى أهله


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد:

فإن من الأخطاء التي يقع فيها العامة والخاصة، علية القوم ورعيتهم على حد سواء، هو إسناد الأمر إلى غير أهله، إما لهوى أو مصلحة يراعي فيها المُسنِد المسنَد إليه كما يقع بين أصحاب القرابات وأولي الأرحام، أو يسند الأمر إلى غير أهله لأجل مصلحة يراعي فيها المُسنِد نفسه ومصلحته أولاً ولو كانت على حساب الآخرين! فلا يضع إن من يتملقه ويحقق رغبته أولاً ثم تأتي مصلحة الأمة تبعاً.

 

وهذا الأمر المنكر ألا وهو إسناد الأمر إلى غير أهله قد يظن كثير من الناس أن الذين يقعون فيه هم أصحاب الولايات والمسؤوليات فحسب، وأما هم وعامة الناس ففي معزل عنه، وهؤلاء ما أصابوا!

 

فمن جهةٍ, كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فعندما يحصل نوع إخلال بتوزيع المسؤوليات والسلطات بين أفراد تلك الرعية الصغرى يحدث الخلل، وهذا ظاهر عند تأمل أحوال بعض البيوت المضطربة.

 

ومن جهة أخرى يملك كثير من العامة في هذا الزمن حق التصويت والمشاركة بالرأي سواء على نطاق المؤسسات أو الشركات التجارية أو الدعوية، العامة أو الخاصة، أو على نطاق الدولة فقد يملك البعض حق التصويت في بعض مسؤوليات الدولة وبالأخص تلك المسؤوليات الخدمية التنفيذية المحكومة بإطار تشريعي إسلامي في الجملة والتي لا يوجد كبير حرج من الإسهام فيها.

 

ومع ذلك يساهم بعض الطيبين في إسناد أمر تلك المرافق إلى غير أهله إما سلباً أو إيجاباً، بالإحجام أو المشاركة التي يكون الإحجام خيراً منها.

والمحصلة النهائية إسناد الأمور إلى غير أهلها، وعندها يحصل العطب ويفسد أمر الأمة.

 

ولتصور خطورة إسناد الأمر إلى غير أهله تأمل معي قصة يوسف - عليه السلام - مع الملك في تعبير الرؤيا، فبعد أن عبر يوسف - عليه السلام - هذه الرؤيا العظيمة ورجع الساقي يخبر الملك بهذا التعبير المفاجئ العظيم، والذي خالف قول الملأ المقربين، بل قال المستشارون عن الرؤيا: أضغاث أحلام.

 

وهنا لنقف ولنتساءل: ما هي الحال التي كانت ستؤول إليها بلاد مصر وما جاورها، لو اكتفى الملك برأي هؤلاء المقربين؟

أرأيتم كيف تكون النتيجة عندما تسند الأمور إلى غير أهلها؟

 

وبالمقابل عندما أحيلت الرؤيا إلى من هو حقيق بها وجدير بتأويلها انظروا كيف كانت النتيجة. لقد جاءت النتيجة العظيمة في هذه الرؤيا المؤثرة على الملك وعلى الرعية وعلى أهل مصر وعلى من حول مصر وعلى يوسف - عليه السلام -.

 

وهكذا يكون الأمر عندما يكون المستشارون المقربون من الملك من أهل العلم والخلق والورع والأمانة والصدق فتكون النتائج باهرة، وعندما يكون المقربون من أمثال أولئك المستشارين الذين قالوا: \"َأضغَاثُ أَحلامٍ, وَمَا نَحنُ بِتَأوِيلِ الأَحلامِ بِعَالِمِينَ\" (يوسف: من الآية44) يكون الهلاك والبوار.

 

مثال آخر يؤكد ما سبق: في سورة النمل عندما جاءت ملكة سبأ بلقيس وطلبت من الملأ أن يعطوها رأيهم \"مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمراً حَتَّى تَشهَدُونِ\" (النمل: من الآية32) هل أعطوها رأياً صائباً؟ بل أعطوها رأياً خاطئاً قالوا: \"نَحنُ أُولُو قُوَّةٍ, وَأُولُو بَأسٍ, شَدِيدٍ, وَالأَمرُ إِلَيكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأمُرِينَ\" (النمل: من الآية33) بدؤوا يستعرضون عضلاتهم، وهذه المرأة كانت أعقل وأحكم منهم، كما ذكر ابن كثير - رحمه الله - أرادوا أن يستخدموا مع سليمان - عليه السلام - أسلوب القوة، ولم يعرفوا من هو سليمان - عليه السلام -، فكانت المرأة حكيمة \"قَالَت إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفعَلُونَ وَإِنِّي مُرسِلَةٌ إِلَيهِم بِهَدِيَّةٍ, فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرجِعُ المُرسَلُونَ\" (النمل: 34، 35) كانت حكيمة في رأيها وهؤلاء الملأ لما لم يكونوا على قدر من العقل والحكمة، كادوا أن يوقعوها وأمتها في كارثة.

فلو أخذت ملكة سبأ بقولهم في استخدام القوة مع سليمان كيف تكون النتيجة؟

 

وإذا كان المقربون من أصحاب المنافع والمطامع والمصالح الذين يحسبون لحسابهم ومنافعهم الشخصية أكثر مما يحسبون لأمتهم ولا لبلدهم، فكيف تكون النتائج؟ لعل الواقع الماثل في كثير من ربوع عالمنا الإسلامي خير مجيب!

 

إن الضعيف الجاهل عديم الخبرة والتجريب لا ينبغي أن يقرب في المشورة من حيث الجملة، ومثله من لم تكن له ديانة ينصح بها لأهل الإسلام وتحمله على الأمانة، فهؤلاء الأصل ألا يستشاروا، وهؤلاء الأصل ألا يولوا ولايات عامة ولا خاصة، وإنما يقرب الأقوياء الأمناء \"يَا أَبَتِ استَأجِرهُ إِنَّ خَيرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِيٌّ الأَمِينُ\" (القصص: من الآية26) فالأصل هو أن يقرب صاحب الكفاءة من أصحاب الخبرة والقوة وأصحاب الأمانة.

 

وإلاّ كان إسناد الأمر إليهم مؤذناً بالبوار فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة \"بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذ قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة. قال: ها أنا يا رسول الله، قال: فإذا ضعيت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة\".

 

فَلنَعِ هذه المعاني ولنراجع أنفسنا فقد يكون أحدناً مسؤولاً عن إسناد أمر إلى غير أهله وهو لا يدري.

نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وألئك هم أولوا الألباب.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply