أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء: 59).

 

سبب النزول:

قال ابن عباس: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سرية، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء، قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً، ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها، قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، قال: فرجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه فقال لهم: {لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف} رواه الشيخان

 

أطيعوا الله: أي اتبعوا كتابه

 

وأطيعوا الرسول: أي خذوا بسنته

 

وأولي الأمر منكم: أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية اللهº فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال ابن عباس: يعني أهل الفقه والدين، وقال أبو العالية: العلماء، قال ابن كثير: والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم قال - تعالى - ((لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت)) وقال - تعالى - ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)) وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني} فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء[1]

 

فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول: أي إلى الكتاب والسنة، قاله مجاهد وغير واحد من السلف، كما قال - تعالى -: ((وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله))، فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما، أو عمومهما، أو إيماء أو تنبيه أو مفهوم أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبههº لأن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عليهما بناء الدين[2] حكي أن مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال لأبي حازم: ألستم قد أمرتم بطاعتنا بقوله ((وأولي الأمر منكم))؟ فقال أبو حازم: أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحق بقوله ((فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ـ أي إلى القرآن ـ والرسول ـ في حياته وإلى أحاديثه بعد وفاته))؟ [3]

 

فإن تنازعتم: فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر في شيء من أمور الدين

 

فردوه إلى الله والرسول: أي ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة

 

إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر: أي إن الإيمان يوجب الطاعة دون العصيان[4]

 

ذلك: أي التحاكم إلى الكتاب والسنة

 

خير: عاجلا

 

وأحسن تأويلا: وأحسن عاقبة ومآلا

 

الأحاديث في وجوب السمع والطاعة للأمير :

1ـ عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة} رواه الشيخان.

 

2ـ عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: {إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان} رواه الشيخان.

 

3ـ عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: {اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة} رواه البخاري.

 

4ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدوع الأطراف. رواه مسلم.

 

5ـ عن أم الحصين - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع يقول: {ولو استعمل عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا} رواه مسلم.

 

6ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {سيليكم ولاة بعدي فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعا في كل ما وافق الحق، وصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم} رواه ابن جرير

 

7ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: {كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: أوفوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم} رواه الشيخان.

 

8ـ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية} رواه الشيخان.

 

9ـ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول {من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية} رواه مسلم.

 

10ـ عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الصلاة جامعة) فاجتمعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: {إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرفق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر، قال: فدنوت منه فقلت: أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبيº فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا، والله - تعالى - يقول: ((يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً)) قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله. رواه مسلم

 

من فوائد الآية:

1ـ وجوب طاعة الله - عز وجل - وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 

2ـ طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تجب استقلالاً.

 

3ـ وجوب طاعة ولاة المسلمين من حكام وأمراء.

 

4ـ طاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.

 

5ـ وجوب رد المتنازع فيه عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة.

 

6ـ العاقبة الحميدة والمآل الحسن في ذلك الرد.

 

-----

1- تفسير ابن كثير 1/445

2- تيسير الكريم الرحمن /148

3- مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/232

4- مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/232

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply