التلازم بين ظاهر المسلم وباطنه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسلم في ظاهره وباطنه:

إن التلازم بين ظاهر المسلم وباطنه أمر واجب شرعاً، فالظاهر ينبئ عما في الباطن لأن المسلم مأمور بأن يستثمر جميع مواقفه في وقته الذي قدر الله له أن يعيشه في هذه الدنيا في طاعة الله تحقيقاً لقوله-تعالى-: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ) وقوله-تعالى-: (قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ).

 

فالمسلم يتعبد الله بجميع أفعاله، وأقواله، ويجب لتطبيق ذلك تحقق شرطين: هما الإخلاص والمتابعة سواء كان العمل دينياً أو دنيوياً، فكل مؤمن يعلم يقينا أن الله - جل وعلا - مطلع على عمله، وأن هذا العمل مسجل له أو عليه، وأنه مجازى بهº فإذا كان ذلك معلوماً عند كل مسلم ووفقه الله للعمل - فقد حقق بذلك معنى (الله أكبر) التي يكررها في كل صلاة.

 

وقد يستجيب الإنسان لأمر النفس الأمارة بالسوء فيزهد بما أعده الله مقابل ما يراه من جاه، أو مال، أو منصب، أو موقف يسترضي به الآخرين فيقوى خوفه من الناس، ورجاؤهم في نفسه، مقابل ذلك يضعف خوفه من الله ورجاؤه فيقع في النفاق الذي وصف الله - جل وعلا - أهله بأنهم يخادعون الله وهو خادعهم، وتوعدهم بأن منزلهم الدرك الأسفل من النار.

 

فحري بكل عاقل أن يسلك سبيل النجاة فيحاسب نفسه ويجاهدها لتحقيق الإخلاص لله في ضوء ما بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يتجاوز المسلم وضوح العمل وظهوره عليه رغبة في تحقيق الإخلاص وخوفاً من الرياء الذي حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه أمته ووصفه وصفاً دقيقاً بأنه أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وقال عنه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي أن الله - جل وعلا - قال: (من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).

 

لهذا فإن المسلم يحرص على إخفاء عمله الصالح إذا كان صدقه أو معروفاً أو صلاة أو تلاوة للقرآن أو نحوها رغبة في أن تكون خالصاً لله وخوفاً أن يتحدث به أو يطلع عليه غيره فيدخل في نفسه العجب أو الرياء.

 

وقد يحرص المسلم الذي يقع في المعصية مع عدم إظهارهاº خوفاً من أن يأثم بالمجاهرة بها، أو أن يقتدي به غيره بفعلها فيعظم عليه وزرها، أو رغبة في أن يسترها الله عليه في الدنيا لعله أن يغفرها له في الآخرة، فهذان الوجهان وما يندرج في إطارهما من مخالفة الظاهر عن الباطن أوجه محمودة أما إذا غلب في إخفاء الوجه السيئ الخوف من الرقابة البشرية أو خشية الناس أو غلب على إظهار محاسن العمل وإيجابياته رغبة ثناء الناس وارتفاع المنزلة عندهم فإن هذا نذير سوء يجب على المسلم أن يجاهد نفسه لتخليصها منه، كما يجب على من يعلم ذلك أن يناصح من ابتلي بذلك، وأن بثنيه عما وقع منه من الإثمº عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فإن كان ظالماً فإن نصرته بمنعه من الظلم، وإن كان مظلوماً فبمساعدته على در مظلمته.

 

وإن من أسباب انتشار هذا الخلق الذميم الظن بالآخرين وحمل أعمالهم على الاحتمال الأسوأ، وقد أمر الله بالتثبت قبل الحكم فقال - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَإٍ, فَتَبَيَّنُوا).

 

وحذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بقوله: (إياكم والظن، فإن الظن اكذب الحديث).

 

وإن من المروءة التماس العذر للآخرينº فلعل له عذر وأنت تلوم، وإن كان ذلك صحيحاً فإن الإصلاح في مناصحة من ظهرت عليه مخالفة ظاهره لباطنه فإن هذا ينهي- بإذن الله - كثيراً من الأمور السيئة، وينهي جانباً كبيراً من الغيبة التي وصفها الله - جل وعلا - بأبشع صورة فقال - تعالى -: (أَيُحِبٌّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتاً فَكَرِهتُمُوهُ).

 

إن البعد عن الغيبة، واجتناب أسبابها، وسلوك طريق المكاشفة، والنصح لإنهاء هذا الخلق السيئ عند من وقع فيهº فإما أن يتبين أن ذلك لا حقيقة له فيتوقف الناس عن تداوله، وإما أن يكون هذا الخطأ قد وقع به هذا الإنسان فعلاً فيعلم أن الناس قد علموا به وقد انكشف أمره، وأنه لن يتحقق له الأمل الذي يزينه الشيطان له فينتهي عنه كل ذلك من أسباب سلامة الصدر، والتلازم بين ظاهر المسلم وباطنه.

 

وقد ضرب لنا سلفنا الصالح أروع الأمثلة في تطبيق هذا التوجيه الشرعي فعندما وقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أثناء خلافته- خطيباً وعليه ثوبان، وأمر بالسمع والطاعة - وقف أحد الحاضرين، وقال: لا سمع ولا طاعة، فقال له عمر ولماذا؟ فقال: قد أصاب كل واحد منا ثوباً واحداً وأنت تصعد المنبر بثوبين.

 

فقال لابنه عبد الله بن عمر: تكلم يا عبد الله فقال عبد الله: إنني أعطيت ثوبي أمير المؤمنين، فقال: الآن السمع والطاعة.

 

فالوضوح أمر شرعي ومطلب اجتماعي به يتحقق الهدف الشرعي بإصلاح الفرد المجتمع- بإذن الله - نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين المخلصين، وأن يأخذ بأيدينا لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا الإخلاص بالقول والعمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply