ستكون فتن ثم تكون فتن


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة على النبي الآمين وبعد

أخواني يا من وحد الله وآمن به وبرسوله أننا في فتن عظيمة فهناك من أصاب ومن أخطأ ومن باع دينه بعرض من الدنيا وهي الفتن التي يصبح الرجل فيها مؤمن ويمسي كافر ويمسي مؤمن ويصبح كافر وقد ظلم الناس أنفسهم كثيرا وأسرفوا في ظلمهم فما تسمع إلا بهتان وإن أصاب فهي الغيبة وكلاهما محرم كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة قال {ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته}

فكم من عالم اغتابه الناس في هذه الفتنة وكم من جاهل أفتى بغير علم لا أطيل عليكم وأترككم مع كتاب الله وسنة نبيه ففيهما ما يغني عن كلامي:

 قال - تعالى -: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ} العنكبوت2

استفهام إنكار ومعناه أن الله - سبحانه وتعالى - لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح \"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء\" وهذه الآية كقوله: \"أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين\" ومثلها في سورة براءة وقال في البقرة \"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب\".

 

************

 

{وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتنَةٌ فَعَمُوا وَصَمٌّوا ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيهِم ثُمَّ عَمُوا وَصَمٌّوا كَثِيرٌ مِّنهُم وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعمَلُونَ} المائدة 71

يقول - تعالى - حاكما بتكفير فرق النصارى: من الملكية واليعقوبية والنسطورية ممن قال منهم بأن المسيح هو الله تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علوا كبيرا هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في المهد أن قال إني عبد الله ولم يقل إني أنا الله ولا ابن الله بل قال\" إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا\" إلى أن قال\" إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم\" وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمرا لهم بعبادة الله ربه وربهم وحده لا شريك له ولهذا قال – تعالى -:\" وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله\" أي فيعبد معه غيره\" فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار\" أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة كما قال – تعالى -: \" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء\" وقال – تعالى -:\" ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين\" وفى الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مناديا ينادي في الناس إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وفى لفظ مؤمنة وتقدم في أول سورة النساء عند قوله \"إن الله لا يغفر أن يشرك به\" حديث يزيد بن بابنوس عن عائشة: الدواوين ثلاثة فذكر منهم ديوانا لا يغفره الله وهو الشرك بالله قال الله – تعالى -: \" من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة\" والحديث في مسند أحمد ولهذا قال - تعالى -إخبارا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل \"إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار\" أي وماله عند الله ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه.

 

***************

 

{وَاتَّقُوا فِتنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَآصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}الأنفال 25

حذر - تعالى - عباده المؤمنين فتنة أي اختبارا ومحنة يعم بها المسيء وغيره لا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب بل يعمها لم تدفع وترفع كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا شداد بن سعيد حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف قال: قلنا للزبير يا أبا عبد الله ما جاء بكم! ضيعتم الخليفة الذي قتل ثم جئتم تطلبون دمه؟ فقال الزبير - رضي الله عنه -: إنا قرأنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - \"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة\" لم نكن نحسب أنَّا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت وقد رواه البزار من حديث مطرف عن الزبير وقال: لا نعرف مطرفا روي عن الزبير غير هذا الحديث وقد روى النسائي من حديث جرير بن حازم عن الحسن عن الزبير نحو هذا وقد روى ابن جرير حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن. قال: قال الزبير لقد خوفنا يعني قوله - تعالى -\"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة \"ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ظننا أنا خصصنا بها خاصة وكذا رواه حميد عن الحسن عن الزبير - رضي الله عنه - وقال داود بن أبي هند عن الحسن في هذه الآية قال نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير - رضي الله عنهم - وقال سفيان الثوري عن الصلت بن دينار عن عقبة بن صهبان سمعت الزبير يقول: لقد قرأت هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها \"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب\". وقد روي من غير وجه عن الزبير بن العوام وقال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله - تعالى -\"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة\" يعني أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة. وقال في رواية له عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب وهذا تفسير حسن جدا ولهذا قال مجاهد في قوله - تعالى -: \"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة\" هي أيضا لكم وكذا قال الضحاك ويزيد بن أبي حبيب وغير واحد وقال ابن مسعود ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة إن الله - تعالى - يقول \"إنما أموالكم وأولادكم فتنة\" فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن رواه ابن جرير والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم وإن كان الخطاب معهم هو الصحيح ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن ولذلك كتاب مستقل يوضح فيه إن شاء الله - تعالى - كما فعله الأئمة وأفردوه بالتصنيف ومن أخص ما يذكر ههنا ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا أحمد بن الحجاج أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك أنبأنا سيف بن أبي سليمان سمعت عدي بن عدي الكندي يقول: حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يعني عدي بن عميرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول \"إن الله - عز وجل - لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة\" فيه رجل متهم ولم يخرجوه في الكتب الستة ولا واحد منهم والله أعلم.

\"حديث أخر\" قال الإمام أحمد حدثنا سليمان الهاشمي حدثنا إسماعيل يعني ابن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهل عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال \"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم\". ورواه عن أبي سعيد عن إسماعيل بن جعفر وقال \"أو ليبعثن الله عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم\". وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا زر بن حبيب الجهني حدثني أبو الرقاد قال: خرجت مع مولاي فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصير منافقا وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتحاضن على الخير أو ليسحتكم الله جميعا بعذاب أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم.

\"حديث آخر\" قال الإمام أحمد أيضا: حدثنا يحيى بن سعيد عن زكريا حدثنا عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت النعمان بن بشير - رضي الله عنه - يخطب يقول - وأومأ بأصبعيه إلى أذنه يقول: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمداهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها و أوعرها وشرها وأصاب بعضهم أعلاها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا. انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم فرواه في الشركة والشهادات والترمذي في الفتن من غير وجه عن سليمان بن مهران الأعمش عن عامر بن شراحيل الشعبي به.

\"حديث آخر\" قال الإمام أحمد حدثنا حسين حدثنا خلف بن خليفة عن ليث عن علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول \"إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده\" فقلت يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال \"بلى\" قالت فكيف يصنع أولئك؟ قال \"يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان\".

\"حديث آخر\" قال الإمام أحمد حدثنا حجاج بن محمد حدثنا شريك عن أبي إسحق عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"ما من قوم يعملون بالمعاصي وفيهم رجل أعز منهم وأمنع لا يغيره إلا عمهم الله بعقاب أو أصابهم العقاب\". ورواه أبو داود عن مسدد عن أبي الأحوص عن أبي إسحق به.

وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا إسحق يحدث عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال \"ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعملون ثم لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب\". ثم رواه أيضا عن وكيع عن إسرائيل وعن عبد الرزاق عن معمر وعن أسود عن شريك ويونس كلهم عن أبي إسحق السبيعي به وأخرجه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع به وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثنا جامع بن أبي راشد عن منذر عن الحسن بن محمد عن امرأته عن عائشة تبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - \"إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأهل الأرض بأسه\" فقلت وفيهم أهل طاعة الله؟ قال \"نعم ثم يصيرون إلى رحمة الله\".

 

*************

 

{أَوَلاَ يَرَونَ أَنَّهُم يُفتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ, مَّرَّةً أَو مَرَّتَينِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُم يَذَّكَّرُونَ} التوبة 126

يقول - تعالى - أَوَ لا يرى هؤلاء المنافقون \" أنهم يفتنون \" أي يختبرون \" في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون \" أي لا يتوبون من ذنوبهم السالفة ولا هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم قال مجاهد: يختبرون بالسنة والجوع. وقال قتادة: بالغزو في السنة مرة أو مرتين. وقال شريك عن جابر عن الجعفي عن أبي الضحى عن حذيقة في قوله \" أو لا يرون أنكم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين \" قال كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين فيضل بها فئام من الناس كثير رواه ابن جرير. وفي الحديث عن أنس: لا يزداد الأمر إلا شدة ولا يزداد الناس إلا شحا وما من عام إلا والذي بعده شر منه. سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم -.

 

**************

 

{لِيَجعَلَ مَا يُلقِي الشَّيطَانُ فِتنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ, بَعِيد ٍ,} الحج 53

\" ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد \" فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم المسلمين واشتدوا عليهم وهذا أيضا مرسل وفي تفسير ابن جرير عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه دلائل النبوة فلم يجز به موسى بن عقبة ساقه من مغازيه بنحوه قال وقد رواه عن أبي إسحاق هذه القصة \" قلت \"وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا وكلها مرسلات ومنقطعات والله أعلم وقد ساقها البغوي في تفسره مجموعة من كلام ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما بنحو من ذلك ثم سأل هاهنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله - تعالى - لرسوله - صلاة الله وسلامه عليه - ثم حكى أجوبة عن الناس من ألطفها أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس كذلك في نفس الأمر بل. إنما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول الرحمن والله أعلم.

وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته وقد تعرض القاضي عياض - رحمه الله - في كتاب الشفاء لهذا وأجاب بما حاصله أنها كذلك لثبوتها وقوله \" إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته \" هذا فيه تسلية من الله لرسوله - صلوات الله وسلامه عليه - أي لا يهيدنك فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء قال البخاري قال ابن عباس \" في أمنيته \" إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان \" ثم يحكم الله آياته \" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس \" إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته \" يقول إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه وقال مجاهد \" إذا تمنى \" يعني إذا قال يقال أمنيته قراءته \" إلا أماني \" يقرءون ولا يكتبون قال البغوي وأكثر المفسرين قالوا معنى قوله \" تمنى \" أي تلا وقرأ كتاب الله \" ألقى الشيطان في أمنيته \" أي في تلاوته قال الشاعر في عثمان حين قتل:

تمنى كتاب الله أول ليلة *** وآخرها لاقى حمام المقادر

وقال الضحاك \" إذا تمنى \" إذا تلا قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام وقوله \" فينسخ الله ما يلقي الشيطان \" حقيقة النسخ لغة: الإزالة والرفع قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي فيبطل الله - سبحانه وتعالى - ما ألقى الشيطان وقال الضحاك نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته وقوله \" والله عليم \" أي بما يكون من الأمور والحوادث لا تخفى عليه خافية \" حكيم \" أي في تقديره وخلقه وأمره له الحكمة التامة والحجة البالغة ولهذا قال \" ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض \" أي شك وشرك وكفر ونفاق كالمشركين حين فرحوا بذلك واعتقدوا أنه صحيح من عند الله وإنما كان من الشيطان قال ابن جريج \" الذين في قلوبهم مرض \" هم المنافقون \" والقاسية قلوبهم \" هم المشركون وقال مقاتل بن حيان هم اليهود \" وإن الظالمين لفي شقاق بعيد \" أي في ضلال ومخالفة وعناد بعيد أي من الحق والصواب.

 

**********

 

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرفٍ, فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدٌّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ} الحج 11

قال مجاهد وقتادة وغيرهما \"على حرف\" على شك وقال غيرهم على طرف ومنه حرف الحبل أي طرفه أي دخل في الدين على طرف فإن وجد ما يحبه استقر وإلا انشمر وقال البخاري حدثنا إبراهيم بن الحارث حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إسرائيل عن أبي الحصين عن سعد بن جبير عن ابن عباس \" ومن الناس من يعبد الله على حرف \" قال كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلام ونتجت خيله قال هذا صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيسلمون فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا إن ديننا هذا لصالح تمسكوا به وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا ما في ديننا هذا خير فأنزل الله على نبيه \" ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به \" الآية وقال العوفي عن ابن عباس: كان أحدهم إذا قدم المدينة وهم أرض دونه فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما رضي به واطمأن إليه وقال ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا \" وإن أصابته فتنة \" والفتنة البلاء أي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرا وذلك الفتنة وهكذا ذر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الآية وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختيار أو ضيق ترك دينه ورجع إلى الكفر وقال مجاهد في قوله \" انقلب على وجهه \" أي ارتد كافرا وقوله \" خسر الدنيا والآخرة \" أي فلا هو حصل من الدنيا على شيء وأما الآخر فقد كفر بالله العظيم فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة ولهذا قال - تعالى -\" ذلك هو الخسران المبين \" أي هذه هي الخسارة العظيمة والصفقة الخاسرة.

 

*************

 

 المخرج من الفتن في القران

 {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ, فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ, فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ}الحجرات6

 

{َيا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغتَب بَّعضُكُم بَعضًا أَيُحِبٌّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتًا فَكَرِهتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات12

 

{إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقُولُونَ بِأَفوَاهِكُم مَّا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} النور 15

 

{رَبَّنَا لَا تَجعَلنَا فِتنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغفِر لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}الممتحنه 5

 

{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَم يَتُوبُوا فَلَهُم عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذَابُ} البروج

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply