اليسر في الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نحمد الله ونكرر الحمد على نعمة الإسلام في سماحته ويسره وجميع ما شرع الله للناس فيه، قال الله - تعالى -: \"الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157) (الأعراف)، كما قال - تعالى -: \"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185)، وقال رسول الله – صلى  - صلى الله عليه وسلم - : \"إنما بعثت بالحنيفية السمحة\"(1).

كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : \"يسِّروا ولا تعسِّروا وبشِّروا ولا تنفِّروا\"(2).

وورد الحديث الصحيح: \"ما خيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه\"(3).

ولا شك أن هذه المعاني الكريمة في ثبوتها وظهورها غير خافية على الناس، فهم يتحدثون بها ويستبشرون بفضائلها في كثير من المناسبات، ولكني أردت بهذا العرض المختصر أن أذكِّر بالضوابط الشرعية للفوز بنعمة التيسير والعصمة من الزلل في تجاوز الحدود التي شرعها الله في ميدان السماحة والتيسير.

1 وجدنا في الحديث المتقدم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : \"ما خيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط إلا أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثماً...\".ولكننا كثيراً ما نرى في أيامنا هذه إهمال هذا الشرط الضروري أو الغفلة عنه بدعوى التيسير، فيقع الناس في الإثم أو المكروه أو الزهد في الأفضل. والأكمل كل ذلك بدعوى التيسير، والأصل في أمور ديننا أن نلتزم بالنص كاملاً غير منقوص وأن نقدم أمر الآخرة على أمور الدنيا ضمن ما اشتمل عليه النص غير متشددين ولا مهملين.

2 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : \"الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراعٍ, يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله في أرضه محارمه\"(4)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : \"إن الله فرض فروضاً فلا تضيعوها وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها وحرَّم حُرُمات فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها...\".

ولكننا نجد في زماننا هذا أن كثيراً من الناس يقع في الشبهات جهلاً بدينه وبمعنى التيسير، وحينما تذكره بذلك وتنهاه عن الوقوع في الشبهات يقول لك: \"ديننا يسر\" وما هذا التشديد؟ فهو يخلط بين ما حرم الله وما أحل، وتلك مصيبة مضاعفة، فهي عدا مواقعة الحرام، رفض للنصيحة وإعراض عن سبيل الهدى.

3 يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : \"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه\"(5)، فإن كان هذا الإتقان كما قد يتبادر إلى الذهن وارداً في أمور الدنيا، فهو في أمور الآخرة أولى، وقد اختلط الأمر على كثير من الناس، أمر الإتقان وأمرُ التشدد المكروه، وشتان بين الأمرين، فأمر لم يأمرنا الله فيه بالتشدد فلا نتشدد فيه، وأمر أمرنا فيه بالإتقان فوجب أن نتقنه، التماساً للأفضل والأكمل والفوز برضوان الله - تعالى -.

وخلاصة القول فيما تقدم ما يلي:

1. أن نيسر ولا نعسِّر ما لم يكن إثماً. وننبه الناس إلى ذلك، فكثيراً ما يهمل هذا الشرط الضروري.

2. أن نشدد في موضع الشدة الشرعية إن كان الأمر يتعلق بالعقيدة أو أمور الحلال والحرام، ليس ابتغاء العُسر وإنما ابتغاء الصواب والتزام الثوابت، والحذر من المعصية.

3. أن نشجع الناس على التماس الأفضل والأكمل ولو كان يقتضي جهداً وصبراً، يقول الله - تعالى -: \"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب 10\" (الزمر).

4. أن نستفيد من اليسر بشروطه ومن الشدة في موضعها فتحصل الفائدة على الوجه الأكمل سليمة من الزلل.

5. أن نعرف الحق في الفتوى من مضمونها الشرعي لا من المفتي الذي أصدرها، فقد صُنف العلماء في زماننا بين متشدد لا يؤخذ بفتواه إن أصاب وإن أخطأ، وبين متساهل يؤخذ بفتواه إن أصاب وإن أخطأ، ولنعرف الرجال بالحق، لا أن نعرف الحق بالرجال، فالعبرة بالمضمون.

 

_________________________

الهوامش

(1) رواه الإمام أحمد بسند حسن وورد من طرق أخرى.

(2) متفق عليه.

(3) متفق عليه.

(4) متفق عليه.

(5) أبو يعلى والعسكري والطبراني (بسند صحيح).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply