إلى طلبة البعثات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 مقدمة...

 

إليك أخي الطالب..

يا من جابه أمواج الغربة بعزيمة ثابتة، وإرادة قوية وصبر مترع بالأمل..

وجرت عليه المقادير أن يقضي سنيناً من عمره في بلاد الكفر والإلحاد..

ولسان حاله يقول:

 طال اغترابي وما بيني بمنقضب     والدهر قد جد في حربي وفي طلبي

والشوق في أضلعي نار تذوبني       ما أفتك الشوق في أضلاع مغترب

كم ذا أحن إلى أهلي إلى بلدي      إلى صحابي وعهد الجد واللعب

إلى المساجد قد هام الفؤاد بها       إلى الأذان كلحن الخلد منسكب

إليك أخي..

أزف رسالتي هذه وقد لبست من أصالة الإسلام أروع حلة، وجرى على منطقها من العربية أجزل لغة، فلعلها مع تباعد الأقطار تنقل لك \" وصية الأب.. ومشاعر الأم.. ونصائح الأخ الصدوق \"

فأرجو منك أن تستمع لحديثها، وتقبل نصحها، وتحفظ وصيتها..

(زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت).

ومن أحسن منك قولاً:

أخي المغترب..

اعلم أن انتسابك للإسلام، وتمسكك بتعاليمه هو عين العزة والكرامة. وطريقك للاستعلاء هو توحيدك لرب السماء - جل وعلا -، تلك العقيدة التي تبعث في روح المؤمن الطمأنينة والراحة، فهي الدعوة التي أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، وحررت النفوس من عبودية البشر والأحجار والأوثان إلى عبودية الواحد الديان

قال - تعالى -: \" يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً \" وهي المنهج الرباني الذي طهر العباد من الدنايا وسمى بهم إلى مكارم الأخلاق والصفات.

وهي الدواء الشافي لأمراض الحيرة والضلالة، قال - تعالى - \" وكذلك أوحينا اليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم.. صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور \".

أما غير المسلم فهو في شك وضيق وضلال، قال - تعالى - \" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء \" ولقد عبر أحدهم عن عمق هذا الضلال فقال:

(جئت من أين لا أدري ولكني أتيت، ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت.. إلى قوله أتراني قبل ما أصبحت إنساناً سوياً كنت محواً أو محالاً أم تراني كنت شيا.. ألهذا اللغز حل أم سيبقى أبديا، لست أدري! ولماذا لست أدري! لست أدري!! ).

فلئن جهلوا من أين جاءوا فلقد علم المسلم ذلك وآمن به، قال - تعالى - \" يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر.. \" وقال - تعالى - \" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلنه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين \".

ولئن غفلوا عن علة إيجادهم فلقد أدركها المسلم وقام بها قال - عز وجل - \" وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون \"ولئن حارت عقولهم وتشتت أذهانهم وجهلوا مصيرهم بعد مفارقة دنياهم فصاروا كالأنعام بل هم أضل فلقد أيقن المسلم أن مصيره الرجوع إلى خالقه قال - تعالى - \" وإن إلى ربك المنتهى \" وقال - تعالى - \" الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون \".. فحري بك أيها المسلم أن تعتز بهذه العقيدة وتنشر هذا النور وتنقذ الغرقى وترشد الحيارى من حولك.

إن هذا العصر ليل فأنر                       أيها المسلم ليل الحائرين

وسفين الحق في لج الهوى              لا يرى غيرك ربان السفين

فإن فعلت نلت الخيرية وبلغت كمالا وحسنا لا يدانيك فيه أحد من أهل الأرض أبداً فمن أحسن منك قولاً ومن أسعد منك قلباً ومن أجل منك سعياً، يقول الله- تعالى - \" ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين \". قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره للآية (ومن أحسن قولاً... هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولاً أي: كلاماً وطريقة وحالة.. ) (1).

 

إرادة وانطلاقة:

أخي الكريم..

جميل من المسلم أن يعيش في هذه الدنيا ليس لذاته فحسب بل ولغيره أيضاً، فتبدو الحياة أمامه طويلة عميقة لا سيما إذا أخلص لله في بذله وعطائه يحتسب الأجر منه - تعالى - في سعيه وكده فيستحيل ذلك الكد والتعب حسنات له يوم القيامة، وكأني بك يا أخي تقول: أو يكتب الله لي الأجر وأنا أدرس الطب والكيمياء واللغة

الأجنبية والهندسة وغيرها من أمور الدنيا؟؟!! أقول نعم إذا أخلصت نيتك لنفع الأمة الإسلامية وسد ثغراتها، بل قد عد بعض أهل العلم ما تقوم به (فرض كفاية). قال سماحة الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - (كتاب العلم/198): \".. ولهذا أنبه الأخوان الذين يدرسون مثل هذه الأمور أن يكون قصدهم بتعلم هذه الأمور نفع إخوانهم المسلمين ورفع أمتهم الإسلامية، الأمة الإسلامية الآن ملايين لو أنها استغلت مثل هذه الأمور فيما ينفع المسلمين لكان في ذلك خير كثير ولا ما احتجنا إلى الكفار في تحصيل كمالياتنا بل وفي ضرورياتنا أحياناً فهذه الأمور إذا قصد بها الإنسان القيام بمصالح العباد صارت مما يقرب إلى الله لا لذاتها وإنما لما قصد فيها \". فيا أخي وقد رحلت عن الديار ولاقيت المتاعب والآلام أخلص لله في ذلك تنال الثواب منه - سبحانه -..

 

(سفرك).. مسألة شرعية:

أخي الحبيب..

مما لا يخفى عليك خطورة إقامة المسلم في بلاد الكفار، ولقد شاهدنا كثيرا من ضعاف القلوب والإيمان ممن أقاموا هناك ثم رجعوا قد انحرفوا في جانب السلوك والآداب، بل قد يكون انحرافهم فيما هو أدهى من ذلك وهو الانحراف في العقيدة، فيأتي أحدهم وقد تشرب قلبه بأفكار الملحدين والكفار فيطلق للسانه العنان في الاستهزاء بالدين وسب المتمسكين به، لذا فقد اشترط العلماء - رحمهم الله - شروطاً لمجرد الإقامة هناك وكذلك شروطاً أخرى تزيد عليها لمن أقام لغرض الدراسة..

نذكر أولاً شرطي الإقامة وهما:

(1) أن يأمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمراً لعداوة الكافرين وبغضهم مبتعداً عن موالاتهم ومحبتهم حيث يقول - تعالى - \" لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه.. \". وقال - تعالى - \" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين \".

ومحبتهم من أخطر الأمور حيث تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم وقد قال - عليه الصلاة والسلام - \" من أحب قوماً فهو منهم \".

(2) أن يتمكن المسلم من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والرغبة في الحج وصلاة الجمعة وغيرها من الشعائر دون موانع قال- تعالى: - \" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فألئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا \".

أخي الكريم..

ولأن إقامة المسلم لأجل الدراسة أشد خطراً لكونه طالباً قد يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه فيؤدي ذلك لاقتناعه بأفكارهم المسمومة وتشرب آرائهم المنحرفة، بل وتقليدهم في سلوكهم وتصرفاتهم، بالإضافة إلى أنه قد يتودد إليهم ويداهنهم على ما هم عليه من الانحراف والضلالº لأجل ذلك اشترط العلماء مع الشرطين

الأساسيين شروطاً أخرى تتلخص فيما يلي:

3- أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين الضار والنافع أما بعث الأحداث \" صغار السن \" فهو كتقديم الفريسة للكلاب الضارية.

4- أن يكون لدى الطالب من العلم الشرعي ما يميز به بين الحق والباطل لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل، أو يلتبس عليه ويعجز عن دفعه فيبقى حيران في ذلك.

.5- أن يكون عنده دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق،حيث إن أسبابها هنالك كثيرة ومتنوعة وقوية فإذا صادفت محلاً ضعيف المقاومة عملت عملها..

6- أن تدعو الحاجة لتحصيل ذلك العلم ولا يوجد له نظير في البلاد الإسلامية.

 

احفظ الله تجده تجاهك:

أخي في الله..

هذه وصية ثمينة تحتاج منها الكثير.. تتحقق لمن أدرك قدر عبوديته لله فآثر الله على نفس،وآثر الله على رغباته وشهواته،وآثر الله على كل شيء.

إذا أمر الله قال \" سمعنا وأطعنا \" وإذا نهى الله قال \" انتهينا \" تصدق لمن راقب الله في سره وعلانيته في حركاته وسكناته فنال بذلك معية الله - تعالى -التي تقتضي نصرة عبده،فلو كادت له السموات والأرض لجعل الله له من بينهن مخرجا، معية تقتضي حفظه وتوفيقه، ألم تقرأ قوله - تعالى - \" إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون \" وما ظنك بمن كان الله معه؟!!

فيا أخي الكريم..

احفظ الله في نفسك،واحفظ الله في أهلك،واحفظ الله في سرك وعلانيتك، أحرص أن لا يراك في مكان يكره أن يراك فيه،واستشعر مراقبته لك في أحوالك كلها، قال- تعالى - \" ألم تعلم أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا.. \"

 

إذا خلوت الدهر يوما فلا تقل              خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة               ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

 فإذا حفظت الله - تعالى - بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (وجدته تجاهك) فما أحوجنا إلى حفظ الله وتوفيق الله ونصرة الله وما أحوجنا إلى معية الله في هذه الحياة التي كثرت فيها المصاعب والعقبات.

 

وقتك.. حياتك:

أخي الطالب..

اعلم أن وقتك حياتك فإذا ضيعته فكأنما تقتل نفسك وهو رأس مالك، فإذا فرطت فيه فقد خسرت وغبنت وما أنت إلا أيام مجموعة محدودة تملك أن تجعل منها حياة كسل وخمول وضياع أو حياة ملؤها جلائل الأعمال والعطاء..

قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله: - \" ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما يعجز عنه البدن من العمل \" (1).

فيا ندامة من أضاع وقته فقتل نفسه وصار ميتاً بين الأحياء!!

وهاهو الإمام الشوكاني - رحمه الله - يصور حسرة ذلك المسكين فيقول \" فإن من أرسل عنان شبابه في البطالات وحل رباط نفسه فأجراها في ميادين اللذات أدرك من اللذة الجسمانية من ذلك بحيث ما يتفق له منها ولا سيما إذا كان ذا مال وجمال، ولكنها تنقضي عنه اللذة وتفارقه هذه الحلاوة إذا تكامل عقله ورجح فهمه

وقوي فكره، فإنه لا يدري عند ذلك ما يدهمه من المرارات التي منها الندامة، على ما اقترفه من معاصي الله ثم الحسرة على ما فوته من العمر في غير طائل ثم على ما أنفقه من المال في غير حله ولم يفز من الجميع بشيء ولا ظفر من الكل بطائل.

وتزداد حسرته، وتتعاظم كربته إذا قاس نفسه بنفس من اشتغل بالمعالي من أترابه في مقتبل شبابه، فإنه لا يزال عند موازنة ذاته بذاته، وصفاته بصفاته في حسرات متجددة، وزفرات متصاعدة، ولا سيما إذا كان بيته في العلم طويل الدعائم، وسلفه من المتأهلين لمعالي المكارم، فإنه حينئذ تذهب عنه سكرة البطالة، وتنقشع عنه عماية الجهالة بكروب طويلة وهموم ثقيلة.. \"

ولا يعني ذلك أن يكون الإنسان دوماً على عمل جاد دؤوب، بل لابد له من وقت فراغ وراحة إلا إن العاقل الحازم يصرفه فيما يفيده في الدنيا أو الآخرة ويجعله اقدر على العمل، وأنشط للأداء كما لو قضى وقت فراغه في لعب وحركة للجسم تفيده في صحته أو فيما هو أكثر فائدة كقراءة، أو كتابة بخلاف من تتجه نفسه إلى مجالس

اللغو والقيل والقال، أو يصرف وقته في لعب الورق والتسكع في المقاهي والطرقات.

قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -:

لو أن عيناً ساعدت لتو كفت          سحائبها بالدمع ديماً وهطلا

ولكنها عن قسوة القلب قحطها      فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا

فاحرص يا أخي على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ومجالات البذل والعطاء أمامك تملأ الدنيا، فسجل اسمك في صفحاتها، واضرب في كل خير بسهم وات بجديد..

فما المرء إلا حيث يجعل نفسه    ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل

اخترت لك:

أخي الكريم..

اخترت من التاريخ صفحة طالما أدهشت العقول وأذهلت الألباب..

 

صفحة تري قارئها كيف يكون الإيمان بالله إذ يجعل من الرجل غير الرجل، ومن المرء غير المرء حتى صار به رعاة الغنم قادة للأمم ونبغ به من خمول الأمية جهابذة العلم والحكمة..

تعرض له صدقة التضحية ومعاني الرجولة، ودماء الشهامة حينما تجري في العروق في أصدق صور يعجز عقله عن إدارك منتهاها..

إنها صفحة تحكي حياة \" رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه \" حياة من اصطفاهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال الله - تعالى - في وصفهم \" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع لغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما \".

وحيث إن القلم يعجز عن تسطير مواقفهم الجليلة التي أضاءت تاريخ البشرية، اكتفي هنا بلمحة سريعة لبعض بطولاتهم لعلها تحرك المتثاقلين إلى الأرض اللاهثين وراء زخارف الدنيا، فتبرز لهم أعظم قدوة يحتذون بها في زمن صار فيه أرذال الناس أئمة يقتدى بهم..

 

موقف للمهاجرين:

لما بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار - رضي الله عنهم - على النصرة له ولمن تبعه وأوى إليه من المسلمين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بالخروج إلى المدينة، وقال: \" إن الله - عز وجل - قد جعل لكم إخوانا وداراً تأمنون بها فخرجوا أرسالاً يتبع بعضهم بعضا.. \"

وتركوا الأهل والعشيرة والوطن، والأموال وآثروا الحياة الآخرة.

فيا لله كيف بلغ بهم الإيمان حتى استطاعوا ذلك؟!!

 

موقف للأنصار. (غزوة بدر / 2هـ):

لما أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - خبر قريش ومسيرهم إليه استشار الناس واخبرهم عن قريش فقام أبو بكر فقال وأحسن، وقام عمر فقال وأحسن، وقام المقداد فقال وأحسن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" أشيروا على أيها الناس \"!!

- وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إناء براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبنائنا ونسائنا - فقال سعد بن معاذ: \" لكأنك يا رسول الله تريدنا؟ \" قال \" أجل \" قال سعد - رضي الله عنه - \" فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوا غدا إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر عينك فسر على بركة الله.. \"

فتأمل أخي كيف هان في نظر الأنصار كل شيء من أجل الله ورسوله ونصرة دينه؟!!

 

موقف لصديق الأمة - رضي الله عنه -:

لقد ضرب الصديق أعظم مثال في ثبات القلب وقوته، فثبت يوم بدر وهو يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم : \" يا رسول الله كفاك بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك \" ،وثبت يوم أحد، والخندق، وحنين عندما فر الناس بل كفاك به ثباتا حين حروب الردة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، قال السيد العفاني - حفظه الله - \"وكان عزمه في قتال من ارتد لو فرق على قلوب الجبناء من أهل الأرض لشجعهم إلى أن قام بمهمة قناة الإسلام بعد اعوجاجها، وجرت الملة الشهباء على سننها ومنهاجها، وأذن مؤذن الإيمان \" آلا إن حزب الله هم الغالبون \" وتولى حزب الشيطان وهم خاسرون.

 

فتلك لعمر الله الشجاعة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمة التي تنازلت لها أعالي الهمم.. \".

 

موقف للفاروق - رضي الله عنه: -

لا يزال التاريخ يذكر بطولات أبى حفص - رضي الله عنه - ففي عهده سقطت دول بني ساسان، وزال ملك المجوس، وانهارت إمبراطورية كسرى حتى قال رستم - أحد قادتهم:- \" أكل عمر كبدي أحرق الله كبده وإنما هو عمر الذي يكلم الكلاب فيعلمهم العقل علم هؤلاء حتى تعلموا \".

يا من يرى عمراً تكسوه بردته                                الزيت أدم له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقا                               من خوفه وملوك الروم تخشاه

فهل تساءلت أخي بما بلغ عمر - رضي الله عنه - تلك المنزلة العظيمة؟!

قال - تعالى -: \" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.. \".

 

موقف لجعفر بن أبي طالب:

قال رجل من بني مرة بن عوف: لكأني أنظر إلى جعفر يوم \" مؤتة \" حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل..

وكان رضي الله عنه يقول بعدما عقرها:

يا حبذا الجنة واقترابها                               طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها                           علي إن لاقيتها ضرابها

فانظر أخي كيف تكون المبادئ أعلى من الروح؟!

 

أخي رعاك الله: -

المواقف التي سجلها سلفك فأشرق بها التاريخ كثيرة تغص بها الكتب، ولك أن تقتطع مـــن وقتك \" سويعات \" تقرأ فيها ما قدمه وبذله أولئك الأشاوس الأبطال - رضي الله عنهم - للإسلام.. ويا ليت شعري كيف غفل شبابنا - إلا من رحم الله - عن ذلك المجد التليد، وانسلخوا من هويتهم فأصبح الواحد منهم إمعة يقلد من غير وعي، ويمشي على غير هدى قد تشرب حثالة الأفكار الغربية وجرى خلف سواقطها.

 

متى تعود؟!

أخي المغترب..

كلما طال في غربتك الزمان.. وهبت على قلبك ريح الذكريات فأثارت الأشجان، وشاطرتك في فراشك الهموم والأحزان، وتساءلت.. \" متى أعود \"؟؟

فتذكر أن الدنيا ليست مقراً بل كلنا فيها على جناح سفر وقد قيل:

وما هذه الأيام إلا مراحل يحث بها داع إلى الموت قاصد، وأعجب شيء لو تأملت أنها منازل تطوى والمسافر قاعد،

فهي قصيرة فلا يزيدها همك قصراً.. وهي ضيقة فلا يزيدها حزنك ضيقاً.. بل حلق فيها بالأمل والرضا، فيفهما جناحا السعادة.

قال الضغرائي في لاميته:

أعلل النفس بالآمال أرقبها                      ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

وتذكر أن أمر المؤمن فيها كله خير، وليس ذلك إلا له كما قال - عليه الصلاة والسلام - \" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ،وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن.. \".

وتسلح بالصبر فإنه عدة الكرام وبه ينال الهدف وتتحقق الأمنيات..

وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة             فعند اللقا ذا الكد يصبح زائلا

وما هي إلا ساعة ثم تنقضي                     ويصبح ذا الأحزان فرحان جاذلا

 

وصايا قبل الوداع:-

داوم على ذكر الله والزم قراءة القرآن..

واشدد يديك بحبل الله معتصماً                   فإنه الركن إن خانتك أركان

إذا تبدلت الدنيا وتكدرت لك أيامها فقد خلى بينك وبين المحراب فافزع إلى الصلاة وأكثر الدعاء، كما قال - تعالى - (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقومون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين).

فلرب نازلة يضيق بها الفتى                     ذرعاً وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها                 فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 

إذا أهمك الغد، وأقلقك المستقبل ففوض أمرك إلى من بيده ملكوت كل شيء..

قال – تعالى: - \" ومن يتوكل على الله فهو حسبه \"

قال الإمام الشافعي - رحمه الله -:

سهرت أعين ونامت عيون                    في أمور تكون أو لا تكون

فادرأ الهم ما استطعت عن                  النفس فحملانك الهموم جنون

إن ربا كفاك بالأمس ما كان                  يكفيك في غد ما يكون

إذا كثرت ذنوبك وضاقت عليك الأرض بما رحبت فالجأ إلى التوبة والاستغفار.. فـ \" إن ربك واسع المغفرة \" وهو القائل في كتابه الكريم \" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً \".

إذا أحسست بالغربة، وهاجمتك الوحشة فلك من سيرة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - خير جليس، ففي حياته المصابرة والجهاد وثبات العزيمة ما يبعث الهمة ويجلو الأحزان.. فاقرأ سيرته تأنس.

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - (فإذا جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله وتلون الأحوال عليه من سلم وخوف، وغنى وفقر، وأمن وإقامة، في وطنه وظعن وتركه لله، وقتل أصحابه بين يديه وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله، فلم يؤذ بي ما أوذي، ولم يحتمل في الله ما احتمله ولم يعط نبي ما أعطيه فرفع الله ذكره وقرن اسمه باسمه وجعله سيد الناس كلهم ،وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة، وأعظمهم عنده جاها، وأسمعهم عنده شفاعة، وكانت تلك المحن والابتلاءات عين كرامته، وهي مما

زاده الله بها شرفاً وفضلا، وساقه بها إلى أعلى المقامات).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply