الدكتور عويس : أمّتنا قادرة على المواجهة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أكد د. عبد الحليم عويس الأكاديمي والمثقف العربيّ المعروف في حوارٍ, له مع \"الإسلام اليوم\" أنّ الوضع الثقافيّ العربيّ يمرّ اليوم بحالة من الانهيار والضّعفº مثله مثل الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة في عالمنا العربيّ، وأن المسيطرين على السّاحة الثقافيّة في بلادنا أغلبهم من بقايا الشّيوعيينº الذين لا همّ لهم إلا هدمُ ثوابت الأمّة.

وتابع د. عويس أن الفراغ الثّقافي العربيّ قد أعطى الفرصة لجهات مشبوهة لملء هذا الفراغ، وهي تستغلّ الوضع أسوأ استغلال لتذويب هُوِيّتنا والقضاء على ذاتيّتنا الثقافيّة.. مشيرًا إلى أنه مطمئن إلى فشل الطّروح الحاليّة من عولمة وتغريب في قهر أمتناº لأننا نمتلك المضادّات الحيويّة والخمائر والإمكانيّات التي تسمح لنا بإفشال مساعيها.. حول تلك القضايا وغيرها كان لنا هذا الحوار مع الدكتور عبد الحليم عويس.

 

·في البداية نريد من سيادتكم أن تلقي لنا الضّوء على تقييمكم للوضع الثقافيّ العربيّ!

 الوضع الثقافيّ في العالم العربيّ انعكاس للوضع السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، والثقافة الآن- في العالم العربيّ تابعة وليست متبوعة، ومنقادة وليست قائدة، وهذا ما يجعلها ثقافة متشرذمة لا تقف على ثوابتَ واحدة، ولا تنطلق إلى أهداف واحدة، والفارق الآن- بين بعض الجماعات الثقافيّة كالفارق بين أصحاب الأديان المختلفةº بل إن أتباع الأديان قد يكونون عقلاء ومنتمين للوطن أو القوميّة، فينطلقون من ثوابت وأهداف محددة، وذلك على العكس من الجماعات الثقافيّة المتشرذمة الآنº فمثلاً بقايا الشيوعيين يزعمون أنهم اجتهدوا وغيّروا موقفهم، وأصبحوا ليبراليّين، والحق أن ذلك لم يحدثº فهم لم يجتهدوا ولكنهم ثابتون على أمرَينº الأول: العداء الدائم للإسلام، والثاني: الثّبات على المصلحة الشخصيّة.. بعيدًا عن سفينة الوطن وسفينة العروبة وسفينة الإسلام.

 

حصار المساجد:

 لكنك لم تتحدث عن الدور الرسميّ لوزارات الثقافة العربية في هذا التردي؟

 وزارات الثقافة في معظم العالم العربيّ لم تعد تمثل ثقافة الأمة، وخصوصًا في مصر التي أصبحت فيها أداةً للتغريب بعيدًا عن الموروث الثقافيّ العربيّ والإسلاميّº بل ومتنكّرة له في الغالب الأعمّ.

 

ألا يُظهر هذا الانهيار الثقافيّ مخاوف شديدة على هُوِيّة أمتنا العربيّة والإسلاميّة من غُول العولمة وعالم المعلوماتيّة؟

 دائما أرى أنّ أيّ غولٍ, خارجيّ لا ينبغي الخوف منهº فنحن على ما نحن فيه من تعاسة وبؤس إلا أننا لم نعدم سبل مواجهة التحدّيات التي نواجهها، وهذا الأمر يتم بتحريك الأمّة وتغيير أوضاعها وشعور كل فرد بمسؤوليته، وقيامه بإضاءة عدد من الشموعº لأن عولمة المعلوماتيّة والموجات الفكريّة الوافدة لا تقوم على ركائز حقيقيةº فهي كأيّ عمل شيطانيّ مصيره الانهيار، وتعجبني في هذا الموقف رؤية الأستاذ العقاد - رحمه الله - عندما كتب سنة عام 1957 والشّيوعيّة في تألقها ومنافستها لأمريكا وأوروبا وفي إخضاعها لمصر واليمن وسوريا والعراق وعدد من البلدان لأيدلوجيّتهاº ففضلاً عن الجبروت الفكريّ الذي كانت تتظاهر به، ومع ذلك وقف العقّاد يتنبأ بسقوطها بالقول: \"مضى من عمرها أربعون عامًا، ولها أربعون عامًا باقية فقط وتنتهي\" والعجيب أن ذلك تحقق ولم تمر الأربعون عامًا إلا وأصبحت الشيوعية هباء منثورًا: تنظيرًا، ودولة، وواقعًا. لقد سقطت على يد الصمود الإسلاميّ الفكريّ وعلى يد إخواننا الأفغان الذين نسأل الله أن ينصرهم هم وإخوانهم في العراق على تتار العصر الحديث، مع أن أسلحتنا الفكريّة لمواجهة هذا الغول وأسلحة الأفغان والعراقيين التي يواجهون بها أمريكا ليست في مجال للمقارنة، ولكنّ هذا يجب ألا يجعلنا نيأس، ولنا فيما فعله الأفغان بالسّوفييت مثال طيّب.

 

أصالتنا الحضاريّة:

ولكنك لم تضع لنا وَصفة لمواجهة غُول العولمة والتّغريب هذا!

 ما يطلق عليه \"عولمة وتغريب\" هي مفردات للظاهرة العولميّة الصهيونيّة الماسونيّة الزاحفة وهي مجرد تيارات فكريّة بشريّة ليس لها رصيد من الوحي الهادئ، ولا من العقل الحكيمº بل تعتمد على القوّة والصّخب الإعلاميّ، وتزوير الحقائق لدرجة أنني أستطيع القول إن بوش يمكن أن يفوز بلقب أكبر كذاب في العالم، والكذب دائما لا يقف على أقدام ثابتة، وسيتداعى إن شاء الله، ولكن هذا الأمر يتطلب من المسلمين والعرب أن يتمسكوا بالتالي:

أولاً: بعدم اليأس وبالثّقة بأصالتنا الذاتيّة والحضاريّة وعروبتنا الإسلاميّة والإسلام كحضارة وعروبة أيضًا.

وثانيًا: بدلاً من أن نلعن الظلام فعلينا أن يُضيء.. كلُّ منا شمعة في موقعه إن كان عضوا في نقابة، أو اتّحاد، أو كان إعلاميا، أو أستاذًا جامعيًّا، فنحن مطالبون بالتكاتف لعبور هذا الامتحان التاريخيّ.

وثالثًا: لا بد من الاتّحاد على ثوابتَ موحّدة فنحن أمّة مسلمة.. لنا حضارتنا الشرقيّة وقيمنا الأصيلة فيما يخص الأسرة والمرأةº فنحن مطالبون بأن نلتقي حول ثوابتَ مستقاة من ديننا وحضارتنا وعروبتنا، وأن تلعب هذه النقاط الثلاث دورًا مهمًّا في حياتنا، وأن نلفظ كل من يُساوم على هذه الثوابت، وكذلك تقدير اللّغة العربيّة حقّ قدرها، وعدم المساومة على مقدساتنا في فلسطين، وعدم قبول أيّ تدخل في مناهجنا ومقرراتنا، وكذلك العمل على الخروج من هذا السّقوط الإعلاميّ الذي نعيشه الآنº أصبحت وسائل إعلامنا المسموعة منها والمرئيّة، الأرضيّة والفضائيّة مرهونة للصّهاينة ولا تعبّر عن ذاتنا الإسلاميّة والعربيّة.

 

حديثك عن رفض التدخّل الغربي في مناهجنا ومقرراتنا يفتح الباب أمام حديث شَجَن!

 لم أنته بعد من وسائل مواجهة غول العولمة، ومنها أنّ علينا أن نتفق على العناصر المشتركة التي تحفظ لنا هُوِِِِِِِِِِِيّتنا في عالم لا بقاء فيه إلا لمن له هُوِيّة، وهو يعمل بذلك على طمس هُوِيّتنا وهُوِيّة العالم كله تحت اسم العولمةº أما الأمر الهامّ في معركتنا هذه فهو أن تبقى ثوابتنا ثوابتَ، وأصولنا أصولاً، ولا نحوّل الفرع إلى أصل أبدًا، مع إبقاء مساحة الرأي والخّلاف مفتوحة في حدود المصلحة العامة والوسائل الكريمةº فاتّفاق البشر على رأي واحد مستحيل.

 

الأُخدود الإفريقيّ العظيم:

تحدثت تقارير صحفيّة عن تبني الصّهيونية العالميّة لمشروع الأخدود الإفريقيّ العظيم للسيطرة على المنطقة وتذويب هُوِيّتها.. ما تعليقُكم؟

 نجاح إسرائيل السّياسيّ أكبر من نجاحها الثّقافي، لكننا نستطيع أن نقول: إن أقلامًا كثيرة ومثقفين عربًا أكثر قد باعوا أنفسهم للشّيطان، لكنّ أمتنا واعية لكل ما يحاك ضدّهاº فأنا أجزم أن ما وقع للشيوعيّة سيقع لقردة الصّهيونيّة الصّليبيّة الجديدة، ومع ذلك أناشد الأمة كلها رجالاً ونساءً.. شبابًا وشيوخًا أن يقفوا ضد الغزو الثقافيّ الفكريّ في الإعلام والفكر والمطاعم والمشروبات، في نظم الأفراح وفي كل العادات والتّقاليد، وأن نحتفظ بأصالتنا ومنظومتنا القيميّة والحياتيّةº لأن الثّقافة ليست أدبًا وفكرًا فقط، ولكنّها نظام حياتيّ، والصّهاينة يحاولون العبث بهذا النّظام بحيث لا يكون هناك مكان للدين والأخلاق، ونصبح بهائم سائحة يفعلون بنا ما يريدون!

 

استراتيجيّة ماسونيّة:

لقد طرحت واشنطن مشروعًا للإصلاح والتحديث في عالمنا العربي، وهو ما عدّه الكثيرون مخططًا لأحكام السيطرة على المنطقة فما رأيكم؟

 أمريكا تعلم أنّها مكروهة في المنطقة بنسبة 99% وتعلم أنّ هناك انفجارًا وشيكًا لعملائها الذين يحكمون المنطقة من أجلها وهذا وضع يخيفهاº لذا فهي تريد أن تتقرّب إلى كل القوى والشّعوب وفق معادلة عجيبة تضمن لها أن تستأصل هذه الشّعوب بالتّدريج، وعليهم أن يصبروا على هذا الاستئصال التّدريجيّ واثقين من أنها تريد لهم الخير والنّماء وهي استراتيجيّة ماسونيّة تعمل على تنفيذ مخطط جهنميّ لإزالة الإسلام من الطريقº لأنه الحصن الوحيد الباقي ضد محاولة هيمنتها على المنطقة، كما أنّ الإسلام هو الوقود الذي يشعل ضدّها الحرب في فلسطين والعراق.. لذا فأعتقد أن الهدف الأهمّ لهذا المشروع والذي يلتقي معه الشّيوعيون والأمريكان هو تفريع المنطقة، وعزلها عن هويتها الإسلاميّة، وهدم الأديان والشّرائع السماوية فيها.

 

نعود إلى قضية العبث بمناهجنا ومقرراتنا الدّراسية وخطورة ذلك على هويتنا!

إنّ ما يُقال عن تعديل المناهج والتّدخل فيها أمر خطير، ولكن تستطيع مواجهة هذا العبث الأسرةُ المسلمةُ التي تلعب دورًا مهمًّا في التّصدي له، فمثلاً اليهود تعرضوا لمحاولات مسخ عديدة ومع ذلك كانوا في (الجيتو) يعلمون الأولاد باللّغة العبريّة، ويثقّفونهم الثّقافة الصّهيونيّة، وكذلك عمل الشّيوعيون في الاتحاد السوفييتيّ الهالك على إزالة الإسلام ولكنهم لم ينجحواºلأن الأُسَرَ المسلمة في بلدان آسيا الوسطى الإسلاميّة عملت كمصدّات لهذا الهدف، وكانت تمدّ أولادها بالثّقافة الإسلاميّة وشعائرها وعباداتها، وأفشلت مخطّط الشّّيوعيين. والأمريكان لن يستطيعوا الوصول إلى ما وصل إليه الشّيوعيونº لأنّهم يدّعون العمل بالدّيمقراطيّة، لذا فآثار ما يعملون على تطبيقه ستكون محددة مهما فعلوا، بشرط أن يتحول كلٌّ بيت إلى مدرسة لمواجهة هذا الفكر الوافد، و حقن أبنائنا بمضّادات حيويّة لهذه الأفكار، وأرى أن السّاحة- حاليًا- مهيَّأة لمواجهة هذا التّدخل عبر وجود صحوة فكريّة وثقافيّة تقوم بها بعض الفضائيّات الملتزمة لمواجهة الغزوة الثقافيّة الأمريكيّة.

 

ننتقل إلى محور آخر من اهتماماتكم ألا وهو الأدب الإسلاميّ.. برأيكم هل استطاع الأدب الإسلاميّ تفعيل دوره لمواجهة التّحديات التي تواجه أمّتنا؟

 نحن في رابطة الأدب الإسلاميّ في بداية مشوارنا.

لقد بيّنا الإلحاد والانحلال وفضحناهما، وقدّمنا البديل الإسلاميّ لهما عبر إنتاج وفير وإبداعات لا بأس بها، وإن كانت دون طموحاتناº إلا في مجال الشّعر الذي بلغ مستوى رفيعًا، لكنّنا ما زلنا مقصرين في مجال القصّة والمسرح وقد نجحنا.. كذلك في فضح أدونيس ومدرسة الإلحاد الصهيونيّ، وقمنا بتعريتها أمام الجماهير وكشفنا عن عمالتها للمخابرات الأمريكيّة، وصرحنا بذلك في كل مكان ولعل الكتاب الذي طبعه المجلس الأعلى للثقافة المصريّة على نفقته الذي يدور حول \"الحرب الباردة الثقافيّة\" قد كفانا هذا الجهد وأثبت ما اتّهمناهم به.

وكذلك أصبح لرابطة الأدب الإسلاميّ سبع مجلات تغطّي نشاطه في مختلف أنحاء العالم بلغات عديدة، أهمّها: العربيّة والأُرديّة والبنغاليّة والتّركيّة، ولنا مؤتمراتنا النّاجحة، وهناك أكثر من اثني عشر مقرًّا إقليميًّا آخرها افتتح في السّودان، وقد ركّزنا خلال أعمالنا على ضرورة تبني التّحديات التي تواجه أمتنا، وكان إنتاجنا الأدبيّ يدور في فلك تمجيد قيم الشّهادة والمقاومة والجهاد بأسلوب أدبيّ غير مباشرº لأنّ هذه القيم ضروريّة جدًا لأمتنا في ظلّ المصاعب التي نعانيها.

 

تجفيف منابع الإبداع:

لكن هناك أمرًا شديد الخطورة ويتمثل في نضوب المواهب خصوصًا في أوساط الشعراء والأدباء الإسلاميين.

 نضوب الموهبة ليس عندنا فقط، فمنذ وقت طويل وإبّان عصر العقّاد والمنفلوطي والزّيات والرّافعي وغيرهم، والمواهب شبه معدومة بسبب مناخ الدكتاتوريّة، وغياب الفكر الديمقراطيّ الذي عمل على تجفيف منابع الإبداع، وساد فكر الموظّفين وسط المثقفين والمبدعين، ولم يعد إبداعهم يتجاوز الاعتداء على الدين وثوابت الأمّة وأخلاقها ليؤكّدوا بهذا السّلوك فقرهم وإفلاسهم الفكريّ والإبداعيّ، ولهذا فالأمّة ترفضهم وهم يكلّمون أنفسهم.. فقديما كانت مقالات العقّاد والمنفلوطي تنزل السّوق فتتلقفها الأمّة فتحدث دويًّا كما كانت تفعل قصائد شوقي وحافظ إبراهيم، ومع ذلك فنحن نعترف بالتّقصير في الجانب الإبداعيّº لأنّ الموهبة لا تنشأ بقرار، ولكنّنا نبذل جهودًا كبيرة في هذا المجال، وننتظر ظهور المبدعين في فنون الأدب الإسلاميّ، وسيولدون قريبًا إن شاء الله.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply