كلمات في الالتزام 2/5


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القدوة السيئة:

قد يرى البعض شبابًا يلبسون لبس الالتزام، وينسبون إلى أهله، ومع ذلك يقعون في الظلم والجفاء، أو لا يتورعون عن الاحتيال والمماطلة وإخلاف الوعدº فتكون هذه الصور السوداء عائقًا عن التفكير الجاد في الالتزام بالدين.

ويجاب على هؤلاء بأمور:

 

* من قال لكم أن هؤلاء من الملتزمين؟

*إن وقع من الشاب الملتزم هفوة، أو ظلم فذلك خطأ يتحمله هو لا يرمى به الالتزام بالدين، ومثله كمثل رجل من قبيلة معروفة اختلس أموالاً، فهل يعقل أن ترمى القبيلة كلها بأنهم قطاع طرق؟

* إن الله أمرنا بطاعته، ومن طاعته اتباع رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وسلوك سبيل المؤمنين، فالمؤمن يسمع ويطيع، ويأمر وينهى بما جاء به الشرع، ويكون قدوة حسنة، ولا يضره بعد ذلك أن يقع أولئك فيما وقعوا فيه، أما من ترك طاعة الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واعتذر بين يدي الله بأن فلانًا فعل، وآخر ظلمº فذاك لا ينفعه.

 

الخوف من سخرية الآخرين:

حكى الله عن المجرمين سخريتهم بالمؤمنين، فقال - تعالى -:} إِنَّ الَّذِينَ أَجرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يَضحَكُونَ[29]وَإِذَا مَرٌّوا بِهِم يَتَغَامَزُونَ[30]وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ[31]وَإِذَا رَأَوهُم قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالٌّونَ[32]وَمَا أُرسِلُوا عَلَيهِم حَافِظِينَ[33]{[سورة المطففين].

 ويقال لمن خاف من الاستهزاء به: ما الذي يمنعك من الرد على المستهزئين؟ ألست على هدى وهم على ضلالة، فلماذا الضعف والخور؟ فهذا نبي الله نوح - عليه الصلاة والسلام - الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يقابل بالسخرية والاستهزاء، فقومه يضحكون به، ويسخرون منه حين رأوه يصنع السفينة، قال الله - تعالى -:} وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِرُوا مِنهُ... [38] {[سورة هود]. فهل استسلم لهم نوح - عليه السلام -؟ كلا بل قال لهم بكل عزة:}... قَالَ إِن تَسخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسخَرُ مِنكُم كَمَا تَسخَرُونَ[38]فَسَوفَ تَعلَمُونَ مَن يَأتِيهِ عَذَابٌ يُخزِيهِ وَيَحِلٌّ عَلَيهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ[39]{[سورة هود].

 

التسويف وتأجيل التوبة.

حب التفلت والانطلاق

الاعتذار بالقدر.

الثقافة المسمومة: فإن من الكتب والمجلات ما يتسبب في وضع الحواجز، وصنع الأوهام في عقول القراء تجاه الالتزام بالدين، فتصور هذه الثقافة المسمومة أن ما عليه الناس من ظلم لأنفسهم وضع صحيح لا غبار عليه. وأن الصحوة هي نوع تطرف ناتج عن ضغوط اقتصادية، أو أمراض نفسية، ونحو ذلك من شبهات وأغاليط، وبهذا يقطعون الطريق على المذنبين في أن يخطوا بخطوات جادة لتصحيح أوضاعهم بتوبة صادقة والتزام بشرع الله.

 

 

الفتاوى الخاطئة:

فإن هذه الفتاوى التي تبيح الغناء، والتكشف، والاختلاط، وأكل الربا..إلخ تضل الناس ضلالاً بعيدًا، وكيف يلتزم هؤلاء بترك هذه المحرمات وهم يجدون من يفتي لهم بأنها حلال في بعض الصفحات الدينية- كما يسمونها- أو في حوارات القنوات الفضائية، والتي تشكك في كل شئ!

 

 لماذا التزم بديني؟

نلتزم بدينناº لأن الله أمرنا بالمداومة على التمسك بشرعه:

* قال - تعالى -:} يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلمِ كَافَّةً [208]{[سورة البقرة]. قال ابن كثير: \'يقول الله - تعالى - آمرًا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره، ما استطاعوا من ذلك\'

 

* وقال - تعالى -:} فَاستَمسِك بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيكَ...[43]{[سورة الزخرف].

 

* وقال - تعالى -:} وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا...[103] {[سورة آل عمران]. \'والاعتصام: هو لزوم الشيء والتمسك به، وحبل الله - تعالى -: هو السبب الذي يوصل إلى رضاه وثوابه وجنته ودار كرامته\'.

 

* وقال - تعالى -:} فَاستَقِم كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ[112]{[سورة هود].

 

* وقال - تعالى -:} فَاستَقِيمُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ...[6]{[سورة فصلت]. قال الحسن: \'استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته\'

 

* وقال - تعالى -:} يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوا عَنهُ وَأَنتُم تَسمَعُونَ[20]{[سورة الأنفال].

نلتزم بدينناº لأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أوجب علينا التمسك بالشرع:

 

* عَن سُفيَانَ بنِ عَبدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُل لِي فِي الإِسلَامِ قَولًا لَا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا غَيرَكَ قَالَ:[قُل آمَنتُ بِاللَّهِ فَاستَقِم] رواه مسلم.

 

*عَن ثَوبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -:[استَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُم الصَّلَاةَ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤمِنٌ] رواه ابن ماجة وأحمد والدارمي.

 

* وفي حديث العِربَاضَ بنَ سَارِيَةَ - رضي الله عنه -، وفيه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال:[أُوصِيكُم بِتَقوَى اللَّهِ وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِن عَبدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم بَعدِي فَسَيَرَى اختِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضٌّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ, بِدعَةٌ وَكُلَّ بِدعَةٍ, ضَلَالَةٌ] رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد والدارمي.

 

* ومن خلال ما ذكر من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية يتبين للمتأمل أن الالتزام بالدين مطلب شرعي، وشرع رباني، قال ابن القيم - رحمه الله -: \'والمطلوب من العبد الاستقامة، وهي السداد، فإن لم يقدر عليها فالمقاربة، فإن نزل عنها فالتفريط والإضاعة\'.

نلتزم بديننا.. لأنه لا سبيل إلى الدرجات العلي في الجنة إلا بالاستمساك بما شرع الله ورسوله، فالجنة غالية غالية:

 

* قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -:[...أَلَا إِنَّ سِلعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ] رواه الترمذي.

 

* قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -:[حُفَّت الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ...] رواه مسلم والترمذي والدارمي وأحمد.

 

 وصاغ ابن القيم هذا المعنى في نونيته المشهورة، فقال:

يا سلعة الرحمن لست رخيصة ***  بل أنت غالية على الكسلان

 

يا سلعة الرحمن ليس ينالها ***  في الألف إلا واحد لا اثنان

 

* وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:[كُلٌّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى] قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَن يَأبَى قَالَ:[مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَن عَصَانِي فَقَد أَبَى]رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر:\'والمراد بالاباء هنا هو الامتناع عن التزام سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعصيان أمره\'.

 

 نلتزم بدينناº لأن الله فطرنا على الالتزام بشرائعه:

* قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -:[كُلٌّ مَولُودٍ, يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ أَو يُمَجِّسَانِهِ...] رواه البخاري ومسلم. وفي رواية:[يُولَدُ عَلَى المِلَّةِ] وفي أخرى:[عَلَى هَذِهِ المِلَّةِ].

 

* وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يرويه عن ربه - عز وجل -:[...وَإِنِّي خَلَقتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُم وَإِنَّهُم أَتَتهُم الشَّيَاطِينُ فَاجتَالَتهُم عَن دِينِهِم...] رواه مسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: \'فالصواب أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها وهي فطرة الإسلام، وهي الفطرة التي يفطرهم عليها يوم قال:} أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى[172]{[سورة الأعراف]. \'وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة...\'.

 

 إذاً، نحن نلتزم بالدين لأن الله فطرنا على الالتزام بالدين، والتمسك بشرائعهº فانحرفت بنا الأهواء والسبل واجتالتنا الشياطين من كل جانب، فلما صحونا من سباتنا العميق، رجعنا إلى ما خلقنا الله عليه، وعدنا إلى أصلنا الأصيل نلتزم به كما التزمت به الأجيال السابقة من لدن نوح - عليه السلام -.

 

 نلتزم بدينناº لأننا إن لم نستمسك بشرائعه تكاثرت علينا السبل، وتقاذفتنا الفتن، والأباطيل والبدع:

 

* فعن ابن مسعود - رضي الله عنه -قال:\'خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ:[هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُستَقِيمًا ثُمَّ خَطَّ عَن يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ] ثُمَّ قَالَ:[هَذِهِ السٌّبُلُ وَلَيسَ مِنهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيهِ شَيطَانٌ يَدعُو إِلَيهِ] ثُمَّ قَرَأَ:} وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السٌّبُلَ[153]{[سورة الأنعام]. رواه ابن ماجة وأحمد.

 

نلتزم بدينناº لأننا بغيره نعيش بغير أهداف سامية: إن المتأمل في واقع الأمة ليجد أفواجًا من المسلمين يعيشون من أجل شهواتهم وملذاتهم، وآخرين منهم لا يخرجون عن دائرة أهوائهم وشرور أنفسهم، وهؤلاء لا تحصيهم الأرقام لكثرتهم. أما الذين بذلوا أنفسهم للدين، وتحملوا مشقة الدعوة إلى الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وصبروا على طاعة الله، وصابروا عن معصية الله، فهؤلاء صنف قليل.

والمسلم حينما يلتزم بدينه ويدعو إليه، يرتقي في مقامات العبودية، ويصبح ذو همة عالية، وأهداف سامية، وعقيدة حية صادقة، وقوم هذه صفاتهم يصدق عليهم أنهم \'أمة عقيدة\'.

 

ماذا بعد الالتزام؟

حين يلتزم الشاب على طاعة الله، فهو يخلف وراءه واقعًا يحمل ركاماً هائلاً من التصورات، والمفاهيم، والسلوكيات الشاذة، وإزالة هذا الركام لا يمكن أن تتم بمجرد توبة الشاب وإقلاعه عن ماضيه السيء فقط، بل هي تحتاج لجهد تربوي يمحو كل ما ران على الفطرة السليمة، وهو يحتاج للتربية العميقة لتتأصل في نفسه معاني الإيمان حقًا، وليقتبس من العلم الشرعي ما ينير له الطريق ويضئ له الحجة\'.

 

* ويمكن الإجابة على \'ماذا بعد الالتزام؟\' بأن يقال: ينبغي على الملتزم المبتدئ أن يهتم بجانبين مهمين في حياته، وقد قيل: \'حسن البداية سبب لحسن النهاية\'، وهذان الجانبان هما:

الأول: التخلص من شوائب النفس وأسباب المعاصي.

 

الثاني: الاهتمام بتربية النفس وتزكيتها.. ومن أجل تبين ذلك في أوضح صورة يحسن الوقوف عند هذين الجانبين بمزيد من البسط والإيضاح..

 

الجانب الأول: التخلص من شوائب النفس وأسباب المعاصي:

 

فمن شوائب النفس التي ينبغي التخلص منها، ما يلي:

إساءة الظن بالآخرين.

 

الفوضوية وعدم الانضباط:

والفوضوية في الحياة تعنى أن الشاب الملتزم ستختلط بين يديه الأوراق وينعدم عنده الموازنة بين محافظته على عباداته اليومية، وبره لوالديه، ومعاشرته للصالحين، والتأصيل الشرعي، والقيام بالواجبات الدراسية، أو الوظيفية...إلخ.

  

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply