غربة الإسلام - فضل عمل غربائه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده – سبحانه -، لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه واشكره على وافر بره ونعماه، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله - صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه -، وكل من تمسك بهديه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، فقد روى الإمام مسلم - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كم بدأº فطوبى للغرباء\". وفي رواية غير مسلم: \"الذين يُصلحون ما أفسد الناس\". وفي رواية:\"يصلحون ما أفسد الناس\".

 - عباد الله - لقد ساق - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث على وجه الإخبار عن الإسلام في أوائل مبعثه - صلوات الله وسلامه عليه -، بأنه ظل فترة من الزمن حاله كحال غريب مشرّد فيما تسكنه الأعداء والوحوش من بقاع الأرض، لا يجد حامياً يحميه، ولا مؤوياً يؤويه سوى مرارة الغربة، ووحشة الوحدة ظل هكذا يبكي لدوس تعاليمه، وضياع مُثُله، وندرة المستجيب له حيث لا يوجد آنذاك إلا في قلة ونزع من الناس، ولا زال كذلكم حتى أظهر الله دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، فألقى الإسلام رحله بكل طمأنينة وأمن في قلوب أمة محمد، وأخذ الصدارة الكاملة، والقيادة في كل الشؤون، وأقبل الناس على الدخول فيه أفواجاً. وفي هذا الإخبار الصادق، إن الناس كما دخلوا فيه أفواجاً فسيخرجون منه أفواجاً كما دخلوا فيه، عياذاً بالله.

 - عباد الله -: إن تأويل هذا الإخبار وحقيقته قد وقع، فلقد اشتدت غربة الإسلام في بلدان الإسلام وأضحت - وللأسف - رسالة الله النيرة تُطمس معالمها وتأخذ في التقلص والاغتراب، بل وتُطارَد أشد مطاردة وتحارب حتى في الصحاري وكهوف الفلاحين. فيا أبناء الإسلام، إن مفاد الإخبار بغربة الإسلام ومغزاه الذي يهدف إليه وسيق من أجله، والله أعلم، هو حثٌّنا معشر المسلمين وأمرنا بأن نتمسك بحبل الإسلام ولو أفلته الناس، ونُغلّيه ولو أرخصوه، وندافع عنه وإن نالنا أ أذى، أو سُخر منا، أو وصفنا بألقاب العصر، المفتراة على أهل الإسلام من تأخر أو جمود أو رجعية أو غير ذلك. فالتمسك بالإسلام والدفاع عنه هو معارج السمو ومراقي الخلود، هو التقدم الحقيقي والانطلاقة الصحيحة، لا أن ذلكم جمود أو تأخر كما هو مفهوم الأذواق المعكوسة، والمفاهيم المتحللة التي لم تذق طعم الإسلام، ولم تفهم ما أودع الله فيه من أسرار وحكم،، جعلته صالحاً لكل زمان ومكان. فصبراً وتمسكاً يا أبناء الإسلام، فلقد وُصف من هو أجل منكم بأكبر من ذلك وأوذوا وأُخرجوا من ديارهم وأموالهم، ولا ذنب لهم إلا أنهم قالوا: ربنا الله، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا. فاتقوا الله أيها المسلمون، وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة نبيكم، واثبتوا على إيمانكم فما - والله - اشتد بالمؤمنين الصادقين أمر، أو ضاق بهم ذرع إلا وأعقبه يسر وسعة، {فإن مع العسر يسراً}، {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} ولا تغتروا بكثرة الهالكين، ولا بالمدعين للإسلام {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} حتى تتجلى في أعمالهم المتابعة الصحيحة، وتوزن بمعيار\"ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة\"قيل من هم يا رسول الله؟ قال\"من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي\".

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يسوق لنا هذا الحديث وحديث: \"بدأ الإسلام غريباً\"، وحديث \"إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً فعليك بنفسك\". وأمثالها يريد منا قصر النفس عن متابعة الأهواء وإشباع الرغبات، يريد منا الصبر والتمسك والثبات على ما كان هو عليه وأصحابه الكرام، رضوان الله عليهم.

 

فاتقوا الله - أيها المسلمون - واصبروا، وتمسكوا بدينكم، على ما كان من أذى أو مضايقة، أو غير ذلكم، تلحقوا بالفرقة الناجية وبغرباء الإسلام الذين وُعدوا طوبى وحسن المآب. ولا تستوحشوا أو تستطيلوا الطريق، فهي طريق وفادة إلى الله ومهاجر إلى رسول الله. يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم:\"العبادة في الهرج كهجرة إليّ\"والهرج هو انتشار المعاصي وظهور فتن الشهوات. ويقول فيما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما:\"ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكرحتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثَرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام، الصبر فيهن كالقبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله\". قيل يا رسول الله منا أو منهم، قال:\"بل منكم\".

أقول قولي هذا، وأسأل الله - تعالى - أن يحيينا مسلمين ويتوفانا مسلمين، إنه غفور رحيم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply