هل نعرف حقا من نحن ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 إن العقل البشري لهو من أعجب خلق الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}, ومن عجائب هذه الخليقة التي تُسمى الدماغ خصيصة كشفها لنا تقدم علم الطب, ففي إحدى الدراسات تم تحديد التفاعلات التي تحدث في الدماغ أثناء مشاهدة منظر أو حدث, وذلك باستخدام أجهزة تكشف مناطق الدماغ التي استحثت أثناء المشاهدة, فطلب من الأشخاص المشاركين في الدراسة أن يركزوا كل قواهم العقلية في النظر إلى صورة من صور الطبيعة, وفي أثناء ذلك يتم تحديد التفاعلات التي حدثت في الدماغ أثناء النظر إلى هذه الصورة وهي خلاصة التفاعلات الكيميائية الدماغية, وفي اليوم التالي طلب من الأشخاص المشاركين في الدراسة إغماض أعينهم وتذكر الصورة التي شاهدوها بالأمس (تماما كما رأوها) والتركيز على ذلك فقط, هنا حدثت المفاجأة, إن مجرد تذكر الصورة ذاتها أدى إلى إحداث تفاعلات مطابقة تماما للتفاعلات التي حدثت من جراء النظر إلى الصورة الحقيقية بعينها, أي بمعنى آخر فإن الدماغ البشري لا يستطيع التمييز بين ما يرى كحقيقة واقعة أمام العين وما يرسمه صاحب هذا العقل والدماغ من صورة في الدماغ, وبناء على هذه الصورة والتفاعلات المصاحبة يفرز الدماغ عشرات المواد الكيميائية والهرمونات مثل (الدوبامين) والتي من شأنها أن تغير فسيولوجية الإنسان من غم وهم إلى فرح وانشراح, ومن إحساس بالضعف والهوان إلى إحساس بالقوة والنشاط, ومن الإحساس بالذل والضعة إلى الإحساس بالعزة والرفعة.

 

ولذلك جاء القرآن الكريم ليعمل في العقل البشري هذا (السحر) -إن صح التعبير- فكان معظم القرآن الكريم صوراً حية لجنة ونار كأنك تراهما رأي العين, ولأمم قد خلت وقصص مليئة بالعبر كأنك تعيش مع أصحابها, وعاش صحابة رسول الله والتابعون من بعده مع القرآن الكريم فكانوا قرآنا يدب على الأرض, وعمل القرآن في كل ذرة من ذرات مكوناتهم أعمالاً فلم يروا أنفسهم بواقعهم المقيت الذي كان يعيش فيه العرب آنذاك من تمزق وهوان وضلال, إنما رأوا أنفسهم عمالقة بحملهم آخر الرسالات السماوية للبشرية جمعاء فكانوا كما وصفهم القرآن خير أمة أخرجت للناس, وسادوا الأرض وعمروها في كل مجالات الحياة, ونبغوا في كل جزئية من جزئياتها, وكيف لا يكون ذلك وهم إذا خلوا لأنفسهم وأغمضوا أعينهم لا يرون إلا دواعي العزة والجنة عن يمينهم والنار عن يسارهم والله مقصدهم, وقد حملوا الأمانة وساروا بها يسمعون كلام الله ويسمعونه لأهل الأرض وينظرون إلى الله في كل أعمالهم ليروا البشرية ما أراهم الله.

وهذا ما يسمى في علم النفس (صورة النفس) سمٌن ةٍ,ٍ,فهم أو الكيفية التي يرى بها الشخص نفسه, وتؤكد الدراسات النفسية بدون أدنى شك أن نجاح الشخص ينطلق من هذه النقطة (كيف يرى الإنسان نفسه?).

 

وهذا هو السؤال الذي يجب أن نسأل أنفسنا إياه خاصة في هذه الأيام العصيبة على الأمة, كيف نرى أنفسنا?

 

إن صورة المسلم قد مُسخت وحُرفت من قبل أعداء الإسلام, وأخطاء بعض المسلمين وأصبح الهدف الأول للإعلام العالمي هو تشويه صورة الإسلام من خلال صورة المسلم, وللإعلام قوة عجيبة في رسم أي صورة وتحريفها بل وإلباسها ثوبا يتعارض تماماً مع كل محتويات الصورة ومعانيها.

 

وهناك مئات الأمثلة أذكر اثنين منها: استُفتي آلاف الأشخاص في دراسة وكان السؤال ما هو أكثر الحيوانات بغضا? فوجد أن الجرذ (الفأر) هو أمقتها دون منازع, فكيف إذن استطاع (ديزني) يََّم? أن يحول في أذهان البشر أمقت الحيوانات إلى أحبها وأشهرها عالمياً لكل شعوب الأرض في صورة الشخصية المعروفة في الرسوم المتحركة (ميكي ماوس).

 

وكيف استطاع الإعلام الأمريكي أن يجعل العالم يرى أصحاب أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) مجرمين وقتلة, وهم أصحاب الأرض وهم الذين وقع عليهم الاستعمار والإبادة والاحتلال, وقد كنا صغاراً نشاهد أفلام رعاة البقر وقلوبنا ومشاعرنا مع راعي البقر وهو يحصد العشرات من الهنود الحمر, وهناك صور أخرى كثيرة.

 

إننا اليوم أُلبسنا ثوباً لا يعكس صورة الإسلام العظيمة وإنما يعكس حقد أعداء الإسلام وتضخيم أخطاء أقلية من المسلمين.وجل همنا لابد أن يصب في سؤال واحد: هل نعرف حقاً من نحن? وعندما ننظر إلى المرآة هل نرى أنفسنا بالثوب الذي أُلبسناه من قبل أعداء الإسلام أم الثوب الذي لبسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضوان الله عليهم.

 

أهدى حكيم بن حزام رسول الله ثوباً كان لملك اليمن (ذي يزن) وكان ثوباً بالغ الجمال, فلبسه رسول الله                  - صلى الله عليه وسلم - يوما فكان جميلاً لبسه الجميل صلوات الله وسلامه عليه, وفي اليوم التالي بينما كان حكيم بن حزام يسير في المدينة ولم يكن قد أسلم رأى أسامة بن زيد يلبس الثوب فتعجب وأوقفه قائلاً له: أو تلبس ما كان يلبس ملك اليمن?, ولم يكن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - جميل الشكل, وإن كان - رضي الله عنه - جميلاً في كل شيء عدا ذلك.أجابه أسامة قائلا: والله إني خير من ذي يزن, وأمي خير من أمه, وأبي خير من أبيه, فإنا نقول لا إله إلا الله ولم يقولوها.

 

إننا مطالبون ومأمورون كأفراد وكأمة بالعمل (وقل اعملوا..) ولن تبدأ رحلتنا في عمارة الأرض وتحرير البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وربط السماء بالأرض إلا عندما تتحرر عقولنا من الصور المقيتة التي رسمت لنا ومن الثوب الذي ألبسناه, وعندما ننظر إلى المرآة نرى أنفسنا جزءاً من سلسلة أولها آدم عليه السلاة وحلقاتها الأنبياء من بعده إلى قيام الساعة, ونرى مسؤولياتنا تجاه الأرض التي تئن والسماء التي تنظر.وإن لم نر هذه الصورة فإننا قد خنا أمانة السماء التي أبت الجبال أن تحملها وحملها الإنسان, وسنفتقد العزيمة والنشاط والقوة لتغيير الواقع المهزوم الذي نعيشه, وسنوكل إلى أنفسنا وسنستعبد من غيرنا.

{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply