خرافات أم عبادات؟!!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 في إحدى السنوات تراءى الناس الهلال – هلال رمضان – فلم يروه، فجاء رجل إلى قاضي البلد يقول له: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المنام، و أخبرني أن الليلة من رمضان و أمرني والمسلمين بالصيام!

 

فقال له القاضي: إن الذي تزعم أنك رأيته في المنام … قد رآه الناس في اليقظة جهارا نهارا، وقال لهم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..! فلا حاجة بنا إلى رؤياك!

 

شاع في أوساط الفتيات قبل فترة وجيزة رؤيا خلاصتها أن فتاة رأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المنام وقال لها: إن الساعة سوف تقوم قريبا، وعلامة ذلك أن تفتحي مصحفا قديما فتجدي فيه شعرة أو ورقة ممسوحة!… و كان أثر الرؤيا المختلقة أبلغ عند الجهلة من قوله – تعالى-:\"وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا\".

وبعدها تحدثت في إحدى الكليات، فبعثت إحدى الأخوات بورقة مرفقة مكتوب فيها القصة التالية:

 

\"مرضت فتاة مرضا شديدا أعيى الأطباء وفي ذات ليلة بكت حتى جاءها النوم وهي على تلك الحال، فرأت أم المؤمنين زينب! فوضعت في فمها شيئا من القطران، وطلبت منها أن تكتب هذه الرواية (13) مرة، وتطلب من الناس أن يكتبوها، فلما استيقظت الفتاة وجدت نفسها قد شفيت من المرض تماما، وقامت بكتابة الورقة ثلاث عشرة مرة ووزعتها، فحدث التالي:

 

أول ورقة وقعت في يد رجل فقير فكتبها ثلاث عشرة مرة ووزعها فجاءته أموال طائلة بعد ثلاثة عشر يوما.

 

والورقة الثانية وقعت في يد غني فمزقها فذهبت أمواله كلها بعد ثلاثة عشر يوما!!

 

و الورقة الثالثة وقعت في يد رجل على رأس عمل كبير فسخر منها ففصل من العمل بعد ثلاثة عشر يوما!.

 

تقول الرواية: فعليك أخي المسلم أختي المسلمة أن تقوموا بكتابة هذه الورقة وتوزيعها لتنالوا من الله كل ما تحبون في إرادته.

و ذكرتني هذه الخرافة السخيفة بخرافة {وصية الشيخ أحمد} التي تعاود الظهور مرة بعد مرة أخرى بصورة تؤكد أن وراء الأمر شيئا!

 

كما ذكرتني بمقال كنت قرأته في بعض مجلاتنا – مع الأسف – عن {لعنة الفراعنة} والتي يزعمون أنها تلاحق كل من ينال من الفراعنة ومقابرهم بسوء.

فهذا ركل جمجمة أحدهم فانكسرت رجله، والذي اكتشف إحدى المقابر سقطت به الطائرة، وفي الليلة التي اكتشفت فيها المقبرة انطفأ التيار الكهربائي عن القاهرة … إلخ!!

إنه نوع من\"الإرهاب الفكري\"المدمر.

 

لا تستخدم عقلك ولا تناقش لئلا يصيبك ما أصاب هؤلاء و احذر أن تمزق تلك الورقة \"الأسطورة\" لئلا تفقد عملك أو تفقد مالك … وربما تفقد دينك – هكذا يزعمون.

 

إن الوحي قد انتهى فلا يتنـزل على أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- و مع ذلك فإن من المسلمين من يشرعون تشريعات جديدة لم ترد في الوحي ويحذرون من يخالفها بالعقاب والعذاب، ويبشرون من يفعلها بالتوفيق.. فكيف تنطلي هذه الألاعيب السخيفة على مسلم قرأ في التنـزيل\"اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا\" إننا نعلم يقينا أن الإنسان قد يترك أعظم شعائر الدين العملية – وهي الصلاة – و مع ذلك يظل مرزوقا معافى في دنياه، لأن الدنيا ليست دار جزاء ولا حساب، والأصل أن الجزاء والحساب في الآخرة، بل نجد قوما كفارا لا يؤمنون بالله ولا يؤمنون باليوم الآخر ومع ذلك وسع الله عليهم في الرزق، و أعطاهم من العلم المادي والحضارة المادية ما لم يعطه غيرهم.. فالدنيا دار بلاء وليس دار جزاء.

 

فكيف يأتي من يستخف بعقول بعضنا و يزعم أن من لم يفعل كذا أصابه بعد أيام معدودة ما يكره، ومن فعله لقي ما يحب.

 

و هذا الفعل المطلوب ليس واجبا ولا مستحبا … بل ولا مباحا، إنما هو بدعة منكرة و خرافة غليظة. ثم لنتساءل: هل هذه الكتابة\"عبادة\"أم أنها عمل دنيوي محض؟

 

فإذا كانت عبادة فهي مردودة لأن الإنسان أراد بها الدنيا و حفظ المال و الوظيفة والصحة، والله – تعالى- يقول:\"من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون\".. فهو عمل حابط باطل جزاؤه النار.

 

و إذا كانت عملا دنيويا فهي أيضا مرفوضة، لأنها ليست من الأسباب المادية، والذي يريد المحافظة على الوظيفة عليه ألا يتأخر عن وقت الدوام، وأن يؤدي مسؤولياته، و أن يحسن استقبال المراجعين، ويبني علاقته مع رؤسائه على أساس صحيح.

 

و هكذا حفظ المال والصحة و غيرها له أسبابه المادية المعروفة، وليس هذا العمل منها بحال.

 

ثم لماذا رقم (13)؟

 

إن لم أخطئ فإن الإنجليز يتشاءمون من هذا الرقم: فهل لهذه الرواية المختلقة الموضوعة علاقة بذلك؟ لقد جاء في الشرع: الذكر مرة واحدة وثلاث مرات، وسبع مرات وعشر مرات، و مائة مرة، أما ثلاث عشرة مرة فليس لذلك نظير في الشرع مطلقا.

 

و أخيرا: من الذي يروي هذه الأكذوبة الملفقة المخترعة؟

 

فتاة مريضة؟ ومن هي؟ ومن يقول بأنها صادقة؟ ومن يروي عن هذه الفتاة؟ إنها رواية مسلسلة بالمجهولين و الكذابين و الأفاكين، وهؤلاء لا تقبل شهادتهم على بصلة فما دونها فكيف تقبل روايتهم في أمر كهذا؟

 

وحتى لو كان الرواة من أساطين الثقات فإنهم إذا حدثوا بمثل هذا الكذب البواح سقطت عدالتهم، وذهبت الثقة بهم، وتُركوا، ووجب ردعهم وتعزيرهم، ومنعهم من التغرير بعقول السذج و البله، والله المستعان، و أنى لأساطين الثقات أن يحدثوا بمثل هذا؟

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply