أسيرة طلب العلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

به عرفت أن للحياة هدفاً أسمى، يسعى الإنسان من أجله، أيام وليالي تمر عليَّ هي والله غنائم بالعلم، إذا انقضى يوم منها لم أستفد فيه من فنونه هو ليس من أيامي.. ليس من عمري.. نعم لقد علمني تدراسه كيف هي الحياة وأنسها.. أنسها بالله - تعالى -.. وتدارس قال الله.. قال رسوله - صلى الله عليه وسلم -..

أنس الحياة: قال أحمد.. رجَّح ابن تيميه - رحمه الله -.. صوّب الشيخ ابن باز.. رجح الشيخ محمد - رحمهم الله - تعالى -.. أنس الحياة: في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم..

لذة الحياة وبهجتها: حدثنا فلان عن فلان.. كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل كذا.. رأيت رسول الله - عليه الصلاة والسلام - يفعل مثله..

لذة الأوقات وبهجتها.. بعد صلاة الفجر وأنا أترنّم مراجعة لبعض المتون التي حفظتها.. فتارة مع منظومة السعدي في القواعد الفقهية:

الحمد لله العليِّ الأرفقِِ  * * *  وجامع الأشياء والمفرّقِ

ثم أنتقل إلى رحيق المصطلح.. عبر منظومة البيقوني:

أبدأ بالحمد مصلياً على  * * * محمد خير نبي أرسلا

فأقفز في ذهني إلى المنظومة الرحبية في الفرائض المرددة:

أول ما تستفتح المقالَ * * *  بذكر حمد ربنا - تعالى -

وهذه ورقات تشتمل على أصول من أصول الفقه.. وهكذا دواليك.. حتى طلوع الشمس.. لا إله إلا الله.. كيف يجد رجل أو شاب ممن هُم من أهل الصلاح أنس الحياة بغيرها.. وقد هُيئت لهم الأسباب.. ولولا أن الله - تعالى -قال: (وَلاَ تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ,)، \" النساء: 32 \".

كم تمنيت أن أكون شاباً لأجالس أهل العلم وآنس بصحبتهم.. لا أكتمكم سراً إذا قلت لكم أنه ينتابني في كثير من الأحيان أثناء مُدارستي لبعض الفنون كأن روحي ترفرف إلى السماء.. أي والله وبلا مبالغة.. ولا أدري لماذا..

حتى ربطت ذلك يوما بقوله - صلى الله عليه وسلم - \" إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع \".. فقلت في نفسي هل أكون كأهل العلم.. هل أكون كأهل العلم وطلبته في ذلك.. لعل ذلك يكون ولو بمحبة العلم والرغبة في تحصيله وإن لم أبلغ مدهم ولا نصيبهم..

والله إن لي ما يقارب خمسة أشهر أو تزيد وأنا أشتهي الخروج مع أهلي للنزهة الأسبوعية للمزرعة أو البر، فأنا أحب تأمل الأشجار والثمار ومياه السواقي.. ولكن لأن ذلك اليوم يتوافق مع وقت درس علمي أحضره لم أستطع ذلك بل لم أوثر على هذا الدرس شيئا..

ومع أن أهلي قد يخرجون مرة أخرى في اليوم الذي يليه لكن لا أستطيع الخروج لإنهاء بعض الأعمال حتى لا يؤثر تركها على مراجعة العلم وكتابته في بقية الأسبوع.

لقد كنت أقرأ قصة ذلك الرجل الذي يقول: بقيت سنين أشتهي الهريسة ولا أقدر عليها لأن وقت بيعها في وقت سماع الدرس.. لقد كنت أقرأ هذه العبارة مجردة حتى تحقق لي ذلك على أرض الواقع بمنة من الله وفضل..

بل والله لقد فقدت يوماً مجلدا من المجلدات وقد نفدت هذه النسخة من المكتبات.. فاغتممت لذلك غما كثيرا.. حتى أشفقت علي أخواتي.. لما أصابني فأخذن يبحثن معي عنه فلم أستفد في ذلك اليوم.. فلما وجدته بحمد الله سجدت لله - تعالى -مباشرة..

إنني لا أستطيع مفارقة الكتب المجلدة .. لا في حضر ولا في سفر.. فكنا إذا أردنا سفراً سألني الأهل عن حقيبتي.. لأنها تحتاج إلى مكان أوسع.. فكل المتاع بعدها أهون كما يقول أهلي ذلك! وكنت بحمد الله - تعالى -لا أحمل فيها شي من حطام الدنيا إلا ما ندر ولكنها لكتبي التي لا أستطيع أن أفارقها..

وذات يوم أراد الأهل الخروج.. فدخل علي أخي بعد أن أحسَّ أن في البيت أحداً من أفراد العائلة.. فمرَّ على مكتبتي كالعادة؟! فوجدني جالسة قد آنست الكتب وحشتي.. فقال: فلانة ألن تخرجي معنا كالعادة.. فقلت نعم..

فقال وهو يقلب نظره في مكتبتي يمنة ويسرة فقال لي فلانة.. قلت نعم.. قال: أنتِ تعيشين في عالم آخر.. فقلت أجل.. أجل.. أخي إن العلم أنيس في وحشة.. وصديق في الغربة.. وفوق ذلك فيه رضا الرحمن وهو طريق دخول الجنان..

أجل.. سعادتي في مكتبتي ومع كتبي.. والله إن هذه السعادة تضيق إذا فارقتهما حتى أرجع إليها.. لست والله مبالغة لكنها الحقيقة.. أكتب لكم ذلك لعل في قصتي تكون العظة والعبرة لمن ضيعوا أوقاتهم وأقبلوا على قراءة كل شي إلا قراءة كتب أهل العلم.. أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة..

تعليق: هل سمعتم بأسيرة للعلم كهذه.. لقد ذكرتني والله هذه الفتاة بإقبالها على العلم بأسماء بنت أسد الفرات.. ورابعة بنت محمود الأصفهانية.. وزليخة بنت إسماعيل الشافعي.. وغيرهن مما يضيق المقام عن حصرهن..

إنها رسالة لتلك الفتاة التي عكفت على قراءة القصص الهابطة.. والمجلات الفاسدة.. فشتان بين من تعكف على قال الله وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن تعكف على قال الشيطان وأعوانه وجنوده! نسأل الله السلامة والعافية..

للشيخ:خالد بن إبراهيم الصقعبي..

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply