تنمية التفكير الناقد لدى الطلبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تمثل معظم المواقف التي نواجهها يوميا مشكلات تتطلب حلولا، إذ أن الحياة ليست ذات طبيعة ثابتة وإنما دائمة التغير، وليس للأفراد أدوار ثابتة محددة يؤدونها طيلة حياتهم. من هنا فإن تعلم مهارات التفكير الناقد أمر بالغ الأهمية من أجل تنمية القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة تجاه المواقف التي تواجه الفرد. لذا تنوعت البرامج والبحوث التي وضعت بهدف تعليم الأفراد بعامة والطلبة بخاصة مهارات التفكير بأنواعه.

 ومما يفسر تدني مستويات التفكير لدى الطلبة وبالتالي ضعف التحصيل غياب استراتيجيات التعليم المتمركزة حول الطالب Student - centred learning. فالمعلمون إذن مطالبون بتشجيع الطلبة على بناء المعرفة والتفكير بطرح أسئلة مفتوحة النهاية ومناسبة للمحتوى، وتوفير فرص تقود إلى التمكن من ربط المعلومات السابقة مع الحالية وطرح أنشطة تتحدى التفكير.

 والتعلم القائم على المشكلات موجود على مر العصورº ففي العصر الحجري تعلم الناس المهارات والوسائل لحل المشكلات من أجل العيش، وكل الأبحاث والدراسات هي محاولات حل للمشكلات وإن لم نَدعُها بذلك.

 ويرى جون ديوي أن الإنسان يتعلم عن طريق حل المشكلة، ويواجه الفرد في حياته كثيرا من المشكلات يتعين عليه أن يبحث عن حل لها، فيقوم بعدة محاولات لاكتشاف الحل إلى أن يهتدي إليه.

 واستراتيجية حل المشكلات هي إيجاد بيئة تعليمية يكون لها الدور الأكبر في عملية التعلم، إذ تقدم المشكلة للطلبة قبل تعلم المعرفة، فيكتشفون حاجتهم للتعلم حتى يكونوا قادرين على التوصل للحل، كما تهدف هذه الاستراتيجية إلى إفساح المجال للطلبة للتفكير بحرية، ويعطيهم زمام المبادرة لاتخاذ القرارات المتعلقة بحل المشكلة. وامتلاك الطالب لهذه المهارة في المدرسة يسهل عليه التمكن من اتخاذ القرارات في حياته العملية. ودور المعلم الذي يطبق استراتيجية حل المشكلات يختلف عن دور المعلم التقليديº فهو مستشار وخبير يزجي النصائح ويقدم المساعدة اللازمة في الوقت المناسب الذي تتشابك فيه وجهات نظر الطلبة حول موضوع معين، ويستفيد من المواقف ويغتنم الفرصة ليشرح ويفسر ويوجه ويرشد، ولا يجوز له أن يعتبر أن الحوار والمناقشة واختلاف الآراء صعوبات ينبغي تجاوزها والعمل على تجنبها وعدم ظهورها، كذلك فدور الطالب مختلف أيضاºفهو يمتلك قدرا من الاستقلالية والاعتماد على الذات.

واستراتيجية حل المشكلات تمكن الطلاب من تعلم المفاهيم العلمية وتتحدى أبنيتهم المعرفية السابقة، وتتحدى الأطر المرجعية المعتادة من خلال عرض المشكلة الجديدة في موقف تعليمي تعلمي يجبر الطلبة على التفكير ومراجعة مفاهيمهم السابقة. ويختلف نوع المشكلة وطريقة عرضها وأسلوب حلها باختلاف الهدف التعليمي النهائيºفبعضها تهدف لتنمية روح الابتكار والإبداع، وأخرى تهدف إلى تنمية الثقة بالنفس، وثالثة لتنمية القدرة على تطبيق أفكار ومهارات محددة وتقويم درجة أدائها في مواقف معينة، ورابعة تعلم مبادئ علمية معينة وتزيد فهم الطلبة لها.

ولاستخدام استراتيجية حل المشكلات في الغرفة الصفية الكثير من المزايا، ومنها أن الطالب يصبح محور العملية التعليمية بدلا من المعلم، وتساهم في بناء مفهوم الذات وتنميته لدى الطالب، وتزيد من مستويات توقع النجاح والتميز لديه، وتساهم في تنشيط وحفز قدراته العقلية، في مقابل الطرق التقليدية التي تكرسه متلقيا للمعرفة فقط، بالإضافة لكونها تتيح الوقت للطالب ليتمثل المعلومة ويتمكن منها.

 ولحل المشكلات أهمية كبيرة في حياة المتعلم، وزيادة مستوى تحصيله العلمي، وجعله منظم التفكير والعمل، وقادرا على تحديد المشكلات وتحليلها إلى عناصرها الرئيسة واتجاهات البحث فيها لجمع المعلومات وتمحيصها، واقتراح الفرضيات واختبارها، ثم إقرار الحل الصحيح، والانتهاء إلى أحكام عامة ترتبط بحل المشكلات المبحوثة، وتعميم الحلول على مواقف تعليمية أخرى في المدرسة أو الحياة.

 ومما يجدر ذكره أن هناك تداخلا بين طريقة حل المشكلات في العلوم مع طريقة التقصي والاكتشاف، لدرجة أن كثيرا من المختصين في التربية العلمية يعتبرونها جزءا لا يتجزأ من طريقة التقصي والاكتشاف، أو أنها امتداد لها، وبالتالي يصعب التفريق بينهما، وبخاصة إذا ما علمنا أن طريقة التقصي والاكتشاف تتطلب موقفا مشكلا أو سؤالا يثير تفكير الطالب ويتحدى عقله بحيث يجره ليبحث ويتقصى ويتساءل ويجمع المعلومات، ويفسر، ويستنتج، ويجرب للوصول إلى حل للمشكلة.

 ويكمن دور المعلم في التعلم المبني على حل المشكلات في توجيه مبادرات الطلبة، والتحقق منها، وتعزيزها والابتعاد عن المحاضرة أو التلقين أو إعطاء المعلومات. ويحدد المعلم المدى الذي يكون فيه صف التعلم موجها من قبل الطلبة مقابل توجيهه من قبل المعلم. ويعتمد التحديد على حجم الصف، ووعي الطلبة، وأهداف المادة التعليمية. وعندما يستخدم المعلم استراتيجية حل المشكلات، فهو يمنح الطالب فرصة الاعتماد على النفس، وأخذ المبادرة، وتحمل المسؤولية في عملية التعلم.

 والمعلم في هذا النوع من التعلم يكون خبيرا في المادة وموجها للمصادر ومستشارا لمجموعات النقاش، مما يوفر تفاعلا بين الطلبة والمجموعات وليس انتقالا للمعلومات من المعلم إلى الطلبة.

وهناك اتجاهان لتحديد مشكلات الدروسº يتمثل أولهما في تحديد المشكلات التي ترتبط بالمجتمع أو بحاجات التلاميذ، وثانيهما في تحديد المشكلات التي ترتبط بالعلم نفسه، أي التي تنبع من مسار العلم والتي واجهها العلماء أثناء بحثهم، وذكر الشروط التي يجب مراعاتها عند صياغة مشكلة ما، والتي من أهمها إحساس الطلبة بأهمية المشكلة، وكون المشكلة ضمن مستوياتهم العمرية، وارتباطها بأهداف الدرس، ورسم كذلك خطة للسير في حل المشكلة، وطرح مزايا وعيوب استخدام طريقة حل المشكلات.

 وتاريخيا فقد اتخذت البرامج التي صممت لتعليم مهارات التفكير الناقد صورتين:

- برامج تعليم مهارات التفكير الناقد دون محتوى (أي بصورة مباشرة بغض النظر عن المادة الدراسية).

- برامج تعليم مهارات التفكير الناقد عن طريق إدماج هذه المهارات والعمليات ضمن محتوى المادة الدراسية وكجزء من خطط الدروس التي يحضرها المعلمون كل حسب تخصصه.

 ولعل أكثر برامج تعليم التفكير التي تبنت الطريقة المباشرة برنامج دي بونو De Buno المعروف باسم CORT، وهي الأحرف الأولى من اسم المؤسسة المعنية بنشر البرنامج Cognitive Research Trust. وقد تكون هذا البرنامج من ست وحدات تعليمية تتألف كل منها من عشرة دروس يعطى كل درس خلال حصة صفية واحدة. وقد تم تطبيقه على الطلبة بين ست إلى عشرين سنة. وقسمت مهارات التفكير في برنامج دي بونو إلى وحدات هي توسيع الإدراك، والتنظيم، والتفاعل، والإبداع، والمعلومات، والمشاعر، والعمل.

 وهناك بعض البرامج التي اختصت بتعليم التفكير بأنواعه بمعزل عن المحتوى، ومنها البرنامج الإثرائي لفيورنشتاين Fuerenstein الذي يرتكز إلى تعليم الطلبة طرق تفسير البيانات وحل المشكلات، و برنامج سومرست Sumrist لمهارات التفكير والذي يهتم بمهارات التفكير ككل، وهو أقرب إلى الواقعية، وأبعد عن المصطلحات المجردة التي وردت في برنامج فيورنشتاين. كذلك برنامج التسريع المعرفي من خلال التربية العلمية، وهو بالإضافة إلى كونه يستند إلى الاستقراء، فإنه يشجع الطفل على التنقل من أمثلة مجردة إلى تعميمات. وأخيرا برنامج الفلسفة للأطفال الذي طوره فيشر Fischer في المملكة المتحدة في النصف الأول من التسعينات، وفيه ينمذج المعلمون الحوار ويصممون النشاطات الصفية بطرق تحفز تطورها، ويستخدمون الروايات لتوضيح طرق حل المشكلات.

 أما على مستوى الأردن فإن النظام التربوي الأردني كان محور اهتمام الحكومات المتعاقبة، وتمخض ذلك عن تغييرات جوهرية في المناهج بهدف تحسين نتاج التعلم في المباحث بعامة والعلوم بخاصة، ووضعت الخطط للانتقال بالتعلم من كونه متمحورا حول المعلم إلى متمحور حول الطالب، وكذلك فعلت الكثير من الدول التي تتطلع إلى ازدياد في تحصيل الطالب ومكتسباته من التعلم. وقد انبثق عن سلسلة المؤتمرات واللقاءات التربوية التي بدئ بها بعد منتصف الثمانينيات منهاج جديد في العلوم ظهر بشكل كتب دراسية في العام الدراسي 1996 / 1997، وكانت الأهداف الرئيسة لهذا المنهاج تطوير مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات والتعلم التعاوني لدى الطلبة، وبناء اتجاهات إيجابية نحو العلوم لدى الطلبة وتشجيع الاستقلالية، وعقدت لذلك دورات التدريب المختلفة التي تمكن المعلمين من التنفيذ الأمثل للمنهاج.

 وقد دخل خبراء المناهج في المملكة مرحلة جديدة من التطوير، حيث طرحت هذا العام مناهج جديدة لجميع المباحث للصفوف الأول والرابع والثامن والعاشر، وهي بحق نقلة نوعية يحق للمهتمين بأمور التربية في الأردن مباهاة الدول المجاورة بها، فهي تهتم بجميع مجالات التعلم المعرفية والوجدانية والنفسحركية، وتطرح المحتوى المقصود بأسلوب وإخراج على درجات عالية من التميز.

 كما نصت الفقرة (ي) من القانون المؤقت للتربية والتعليم الذي صدر عام 1988 وتم إقراره عام 1994 على أن أهداف التربية في المملكة الأردنية الهاشمية تتمثل في تكوين المواطن المؤمن بربه، المنتمي لوطنه، المتحلي بالفضائل الإنسانية، النامي في مختلف جوانبه الشخصية الجسمية والعقلية والروحية والوجدانية والاجتماعية، بحيث يصبح الطالب في نهاية مرحلة التعليم مواطنا قادرا على التفكير النقدي الموضوعي، واتباع الأسلوب العلمي في البحث وحل المشكلات.

 لهذا فقد اهتمت وزارة التربية والتعليم بتنمية هذا النوع من التفكير لدى المعلمين، وتطوير قدرتهم على نقله إلى طلبتهم، فأعدت لذلك خطة لتدريب المعلمين نفذت بين العامين 1991-1998. وكان على رأس أهداف هذه الخطة توجيه التدريس لتنمية التفكير الناقد لدى الطلبة، وما فتئت تعقد الدورات المختلفة كلما شعرت بالحاجة لذلك.

 إن الشغل الشاغل للمعنيين بأمور التربية في الأردن هو التغيير في الصورة النمطية للحصة الصفية التي دأبت المدارس عليها لفترة طويلة من الزمن. وقد تم التعبير عن هذه التوجهات من خلال مؤتمرات التطوير التربوي التي تعقد بين الحين والآخر، والتي كان نتاجها تطورا ملحوظا في المناهج على شتى المحاور، من خلال التركيز على تعليم الطلبة مهارات التفكير بأنواعه من خلال التنوع في أساليب التدريس واستراتيجياته.

 لكل ما سبق فإن المعلمين مطالبون بتجنب التلقين وحشو أدمغة الطلبة بالمعلومات، حتى تتوفر لطلبتنا فرص تعلم مهارات التفكير وخاصة الناقد منه، مما يرفعنا من مجرد مستهلكين لنتائج الأبحاث والاختراعات والاكتشافات التي تقدمها الأمم الأخرى إلى درجة المشاركين فيها، ويدعم انطلاق طلبتنا نحو مصادر المعرفة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply