الكورسات الصيفية.. التكرار والتبليد!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تكنولوجيا التكرار، والتبليد المتعمّد:

قد يكون هذا العنوان قاسياً بعض الشيء، لكنه لن يكون المناسب بالطبعº لأنه كان الخيار الأكثر حياداً بين عدة عناوين أخرى ترددت في اختيار أحدها.. فمثلاً هل يناسب وصف الكورسات الصيفية بأنها تعيد إنتاج الأزمة، أم بأنها تحالف بين الأسرة والمدرسة ضد (الطالب المسكين)؟!.. إنها بلا شك تستحق كل تلك الأوصاف مجتمعة.. ولا عجب!!.

وقد تكون الأسباب التي تدفع المدارس أو المراكز إلى إقامة تلك الكورسات مفهومة إلى حدٍّ, ما وإن لم تكن مقبولة.. فمعلوم أن المدارس تقيم الكورسات بصفة عامةº لا يهمّها غير الكسب المادي، (والتحصيل) من (الطلبة) الذين تدفع بهم أسرهم إليها.. أما ما يهم الطالب من مستوى استيعاب، ومهارات، وغيرها فلا شأن للكورس الصيفي بهº بالرغم من اشتراط الوزارة إقامة أنشطة مصاحبة للكورس الصيفي.. لكنني لا أدري ما هي طبيعة تلك الأنشطة؟، وما هي آليات الإدارات التعليمية لمتابعتها، وتقييمها؟!..

والكورسات الصيفية - في جانبها الأكاديمي - تعتمد أساساً على تدريس المقررات بصورة كاملة أو جزئية، وهذه الطريقة لا تقدم شيئاً سوى (تركيز البلادة)، والفهم الخاطئ لدى الطالب.. وإن جاز لنا أن نصنّف الطلبة إلى صنفين: ضعيفي المستوى، ومتقدمين فإن الكورسات الصيفية بطريقتها هذه لن تفيد أيّاً من الصنفين..

فالطالب (الضعيف) لن تقدم له الكورسات ما يعالج ضعفه الأكاديمي بطريقة منطقية فاعلة تهيّأه للعام الدراسي الجديد.. والطالب المتقدم لن يستفيد شيئاً جديداً من الكورس الصيفي ما دام أنه سيدرس كل تلك المقررات في العام الدراسي الجديدº بل ستقلل من كفاءته في التلقّي والاستيعاب باعتباره متقدماًº لأن التكرار إنما يسبب المللº وبالتالي عدم الرغبةº الأمر الذي قد يتطور إلى درجة عدم انتظام الطالب خلال العام الدراسي بحجة دراسته لجميع المواد، أو بعضها في الكورس الصيفي.

أما من ناحية الأسرة فلم يعد مقبولاً - إلى اليوم - التحجج بأن الأطفال، أو الطلبة إذا لم ينشغلوا بالكورسات (والقراية) فإنهم سينصرفون إلى اللعب، والمشاكل، والإزعاجº الأمر الذي يحتم إرسالهم إلى تلك الكورسات ليستريح منهم (أهل الحي)، ولو لبعض الوقت!!.

ولا أدري لماذا لا نواجه مشكلاتنا الصغيرة بجرأة، ومعالجات منطقية بدلاً من إعادة إنتاج أزمة جديدة أعظم من المشكلة؟!.. وهل عجزت الأسر التي تتبنى ذلك التبرير عن توفير بديل مناسبة لأبنائها غير الكورسات الصيفية التي لم ولن تجدي ما دامت بهذا الشكل؟!.

ومما يدل على عدم جدوى تلك الكورسات عدم رغبة الطلاب - على العموم - في الالتحاق بها لولا إصرار الأسر على ذلك بالترغيب والترهيب.. وربما اعتبرت الكورسات الصيفية مظهراً اجتماعياًº لا يجوز التخلّف عن ركابه!!.

بناءًا على ما تقدم فإنني أعتبر الكورسات الصيفية - ما دامت بشكلها الحالي - تحالفا بين الإدارات التعليمية والمدارس والأسرº لم تراع فيه أي مصلحة للتلميذ، والطالبº لا من ناحية حقّه التربوي في الإجازة، وتجديد النشاط، ولا من حيث معالجة ضعفه الأكاديمي إن وجد، ولا حتى من ناحية حقّه في اللعب مع أقرانه، وممارسة هواياته لبعض الوقتº بدلاً من الذهاب إلى المدرسة طوال العام.

أما الإدارات التعليمية، ووزارة التربية والتعليم إن كانت حريصة على مخرجات التعليم العام (الأساس والثانوي) فلماذا لا تُقنن هذه الكورسات بطريقة تؤدي فعلا إلى تطوير مستويات التلاميذ والطلاب بدلا من (تركيز البلادة) عن طريق التكرار الذي تعتمد عليه الكورساتº علما بأن الجامعات تعزي ضعف خريجيها إلى (الضعف الوراثي) المتنقّل إليها من المرحلة الثانوية، والأخيرة بدورها تنتقد (الأساس).

 

فما هو دور الوزارة المعنية بهذا الأمر؟، وما هي مقترحاتها للإصلاح؟..

أما المدارس بإداراتها، ومعلّميها فإنها - برأيي - الجهة التي تقدم إليها (الضحايا) تحت سمع وبصر الإدارات التعليمية، وموافقة أولياء الأمورº الأمر الذي شجعها على الكورسات الصيفية، والترويج لها بمختلف الوسائلº بل والتنافس بينها للحصول على أكبر (عدد من الضحايا)º لتحقيق (الربط المقدّر)!!.. ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة!!..

وقد تبرر المدارس والأسر الدراسة الصيفية - مهما كانت - بأنها تزيد من نسبة تحصيل الطالب في امتحان الشهادة (الصغرى أو الكبرى).. أقول: إن هذا الأمر صحيح (ميّه ميّه) إذا كان الهدف من العملية التعليمية كلها هو التفوق في امتحان الشهادة!!.. وسيكون هذا تبريراً إذا كانت الشهادة السودانية هي (نهاية العالم)!!.. لكن ما دامت المراحل الدراسية ممتدة، والطالب ما زال في مرحلة تكوين ميوله واتجاهه - ما دام الأمر كذلك - ألم يكن من الأسلم أن نعمل على تطوير مهاراته، ومعارفه، وإكسابه مهارات التعلّم.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تقريبه إلى الأسرة، والاقتراب منه لتفهّم مشاكله، والاستفادة من رؤاه لحلّهاº بدلاً من إرساله إلى المدرسة الصيفية (للتخلٌّص منه).

أما عزيزنا الطالب فالرسالة موجّهة إليه ابتداءًº فهو محل العملية التعليمية، والهدف منها في آن واحدº ولا يعني ما سبق ذكره دفع الطالب إلى إهمال الدروس، والكورسات المفيدة الجادة إن وجدت..لكن عليه أن يعلم أن النجاح، والتفوق لا يكون بالتكرار (الذي يعلّم الشطّار)، وإنما بمعالجة (مواطن الضعف) بطريقة منطقيةº حتى يكون الأساس متيناً، ثم تنمية، وتطوير (مراكز القوة)º بالاجتهاد، وزيادة كفاءة التلقّي، والاسترجاع عن طريق الاطّلاع، والتشبّع بالمعرفةº لا بالتكرار!!.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply