الدورات العلمية ... تأصيل أم تثقيف ؟ (1- 2 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

حتى عصر السرعة لم يتجاوز المسيرة العلميّة دون أن يترك عليها أثراً.. (المدرسة العلميّة السريعة) أو ما يسمى الآن بالدّورات العلميّة المكثّفة جاءت مواكبة لروح العصر السريع ـ كما يقول أحد ضيوفنا في هذا التحقيق ـ الأمر الذي أهّلها لأن تحتل مساحة كبيرة من الوسائل العلميّة، وأن يكون ارتداد صداها وأثرها واسعاً في صفوف طلبة العلم.

فلقد كانت الدّورات العلميّة المكثّفة خلال موسم الصّيف محصورة في مسجد أو مسجدين، أما الآن فبدأنا نرى لها انتشاراً واسعاً، وإقبالاً ضخماً من كافة شرائح المجتمع، وبدأ كثير من أئمة المساجد والمؤسّسات يحذون حذو الدّورات العلميّة في أنشطتهم الصّيفية وبلمسات إبداعيّة جديدة، مما ساعد أيضاً على انتشارها في القرى والهِجَر. بل وانتقالها إلى أماكن بعيدة خارج المملكة، سواء في الدول العربية أو الأوربيّة والأمريكيّة.

 

الدّورات العلميّة المكثّفة:

دروس تُقام في الإجازة الصّيفيّة من كل عام، لمدة أسبوعين أو أكثر بمعدل أربعة إلى ستة دروس يومياً، يشارك فيها نخبة من العلماء وطلبة العلم، يتوافد إليها الطلاب من داخل المملكة وخارجها حيث يُهَيَّأ لهم سكن خاص يوفر لهم ثلاث وجبات بالإضافة إلى وسيلة نقل من وإلى الجامع، إلى غير ذلك من متطلبات الإقامة. ويختلف ذلك بحسب المِنطقة التي تُقام فيها الدّورة.

وفي هذا التحقيق نناقش على وجه الخصوص الدّورات العلميّة بحسبها أداة بناء جديدة، وجامعات تخرج لنا من محاضنها أجيالاً، الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن المُخرَجات والنتائج التي تقدّمها لنا الدّورات العلميّة. فهل يمكن لهذه الدّورات العلميّة أن تقدّم لطالب اكتفى بها مادة شرعيّة كافية؟ وهل هذه الدّورات تسهم في بناء تأصيل شرعيّ متكامل لدى المتلقي؟ بحيث تخرج لنا شخصيّة علميّة متكاملة؟ أم أنّها تقدّم تثقيفاً شرعياً مكثّفاً؟ أم أنّنا نخطئ الفهم إذا تعاملنا مع الدّورات العلميّة على هذا الأساس؟ وما هي الطريقة المثلى للاستفادة من هذه الدّورات؟ وما هي الشريحة التي تستهدفها؟ وكيف تتمّ عمليّة اختيار المتون؟ وماذا عن إشكاليّة عدم استيفاء الشرح لجميع المتن أو شرح أوائله فقط؟ وكيف يتجاوزها المُلقي والمتلّقي؟ وكيف نطوّر الدّورات العلميّة لتخرج من كونها عملاً روتينياً أو (ظاهرة صيفيّة) إلى نشاط يزداد توهّجاً وتألقاً ومرونة؟ وماذا عن دور الطالب بعد انتهاء الدّورة؟

أسئلة مهمة يشاركنا في الإجابة عنها في هذا التّحقيق نخبة من المشرفين والمختصين في الدّورات العلميّة، وهم: الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين، والشيخ عبد الكريم الخضير، والشيخ محمد بن إبراهيم الحمد، والأستاذ الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان، والدكتور ناصر الحنيني، والشيخ فهد العيبان، والشيخ خالد الزريقي.

 

* في البدء:

ابتدأ فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (أحد المشاركين في دورة علي بن المديني) حديثه عن الدّورات العلميّة بالأثر الفعّال الذي رسمته هذه الدّورة على الساحة العلميّة، فيقول: إنّ لهذه الدّورات العلميّة أثراً فعالاً في طلاب العلم الحريصين على الاستفادة، ومن ذلك ما يشاهد من كثرة الطلاب وإقبال الكثيرين عليها، وقد ظهر أثر هذه الدّورات على الطلاب، ووجد الكثير من الذين حملوا العلم و أفادوا واستفادوا وأصبحوا من أثر هذه الدّورات وما أشبهها مشاعل نور ومصابيح مضيئة تشع لمن أراد العلم النافع والعمل الصالح.

ويقول فضيلة الشيخ / عبد الكريم بن عبد الله الخضير (عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين، وأحد المشاركين في دورة علي بن المديني): الآن ولله الحمد تعددت سبل تحصيل العلم ودراسته، من الدروس العلميّة والكليّات الشّرعيّة النظاميّة، ومن ذلك الدّورات العلميّة التي نفع الله بها نفعاً عظيماً، وإن كانت بحاجة إلى غربلة وترتيب وتنظيم للطلاب أنفسهم وما يُقرَأ عليهم.

أمّا الأستاذ الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان ـ عميد كليّة الشّريعة بالرياض سابقاً ـ فقال لِ (الإسلام اليوم): إنّ الدّورات العلميّة المكثّفة والتي انتشرت في الآونة الأخيرة في مجتمعنا أراها ظاهرة طيّبة، وتبشّر بمستقبل واعد للأجيال القادمة إن شاء الله- إن طوّرت مناهجها وأسلوب أدائها، وهي بداية جهد مشكور لإحياء الحلق العلميّة على المشايخ والعلماء.

ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ـ المشرف على موقع (دعوة الإسلام): من أعظم نعم الله علينا في هذه الأزمان قيام كثير من الدّورات العلميّة في شتّى الفنون سواء في العقيدة أو الفقه، أو الحديث، أو التفسير أو الأصول، أو العربيّة، أو ما جرى مجرى ذلك. ولقد نفع الله بتلك الدّورات، وصار الإقبال عليها يتزايد عاماً بعد عام.

ويعقبه الشيخ خالد بن محمد الزريقي ـ المشرف العام على الدّورات العلميّة بمسجد علي بن المديني ـ بقوله: إنّ مما يثلج صدر المؤمن انتشار مثل هذه الدّورات المباركة، وإقبال الناس عليها، والسؤال عنها قبل بدايتها بعدّة أشهر، وهذا يدلّ على أنّ حاجة الناس إلى العلم الشّرعيّ أشدّ أحياناً من حاجتهم إلى الطعام والشراب، والعلم الشّرعيّ لا يعدله شيء، به يرفع الإنسان نفسه من الجهل، وبه يتعلّم الإنسان الحلال والحرام، والخير من الشرّ. ويضيف: إنّنا -ولله الحمد- بدأنا نرى كثيراً من أئمة المساجد بدؤوا ينظّمون مثل هذه الدّورات وهذا دليل على بركتها ونفعها.

ويرى فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن يحيى الحنيني ـ الدكتور بقسم العقيدة المذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين، والمشرف العام على الدّورات العلميّة بجامع التقوى، وإمام وخطيب الجامع ـ أنّ هذه الدّورات جاءت مواكبة لروح العصر بكل ما يحمله من تعقيدات، ووسائل مشغلة، لتوفّر الجهد والوقت في تحصيل مادة علميّة جيّدة في وقت يسير، قد لا يحصلها في سنة كاملة، فهي طريقة لكسب أكثر علم في أقلّ وقت وجهد، وهذا ما يفسّر لنا الإقبال المتزايد-بحمد الله- في الآونة الأخيرة على الدّورات العلميّة.

 

* نظرة تاريخيّة:

وفي الرياض ابتدأ جامع شيخ الإسلام ابن تيمية دورته العلميّة في صيف 1414هـ وكان من مشايخها، الشيخ محمد الفراج، والشيخ سعد الحميد، والشيخ محمد الفاضل، وغيرهم من المشايخ.

ويتحدث الشيخ خالد الزريقي عن دورة علي بن المديني ويقول: إنّها بدأت في صيف 1415هـ وكانت هي الدّورة الأولى، واستمرت سنوياً حتى هذه السنة 1425هـ وهذا بفضل الله - عز وجل -.

ويقول الدكتور ناصر الحنيني: إنّ هذه الفكرة ظهرت مؤخراً قبل عشر أو خمس عشرة سنة، وزادت وكثرت في ثلاث السنوات الأخيرة، ونحن نرى في كل فترة مزيداً من الابتكار والتجديد في هذه الدّورات العلميّة.

ويرى الدكتور ناصر أنّ الدّورات العلميّة في بداية أمرها لم تكن مرتبة لأنّ الهدف لم يكن واضحاً، وكانت الدّورات عشوائيّة في بدايتها، فتطرح كتباً ثم لا تكمل، أو تطرح كتباً غيرها أولى منها، لكن مع مرور الزمن، اكتسب القائمون على هذه الدّورات خبرة وحنكة، حتى وصلت الدّورات إلى هذا المستوى.

ويرجع الدكتور سعود الفنيسان إلى الماضي مستشهداً بطريقة السلف في طلب العلم مقارناً ذلك بالطرق الحديثة والحاضرة، حيث يقول: كان تدريس كافّة العلوم يتمّ في المسجد، وليس العلوم الشّرعيّة وحسب بل كلّ العلوم والمعارف من الطب والفلك والترجمة والمنطق والجبر والهندسة والحساب فضلاً عن علوم اللغة والتاريخ.. فلماذا تقتصر حلقات العلم ودوراتـه على العلوم الشّرعيّة فقط أو بعضها؟ ولماذا لا تعقد في المسجد دروس وحلقات في علم الاقتصاد، وأخرى في علم النفس، وأخرى في علم الاجتماع؟ أعتقد أنّ السبب في ذلك لا يعود إلى عدم الرغبة من الأستاذ أو الطالب بقدر ما يعود إلى الطريقة التقليديّة المتصوّرة عن شموليّة التعليم في الماضي والنظرة التجزيئيّة للعلوم في الحاضر، وتهميش أكثر العلوم وحتى بعض العلوم الدينيّة، فضلاً عن العلوم المدنيّة إنسانيّة كانت أو تجريبيّة.

ويمضي الدكتور في وصف المنهج التقليدي مشيراً إلى أنّه أغرق في التخصّص إلى حدّ أنّ الشيخ أو الأستاذ إذا كان متخصصًا في علم كالفقه أو التفسير أو الحديث لا يُقبل منه أو يُسمع إذا حاضر، أو كتب أو ألّف في فن آخر، مع أنّ سلفنا الصالح تجد الواحد منهم مشاركًا في كل الفنون تقريبًاº فتجد للفقيه تأليفًا في التاريخ واللغة والأدب والجدل والخط والرسم والفلسفة والطب.. الخ، كالرازي وابن رشد، وابن حزم، وابن الجوزي، وابن تيمية، والذهبي، والسيوطي، وغيرهم.

ويرى الدكتور سعود أنّ علماء السلف في تدريسهم وتعليمهم يركزون على حلّ مشكلات ونوازل عصرهم أكثر من اعتمادهم على فتاوى واجتهادات ومشكلات من سبقهم، وإن أخذوها أخذوها استئناسًا لا غير، ولذلك يقرر الدكتور أنّه من واجب علماء عصرنا أن يركّزوا على المستجدات والنوازل العقديّة والفقهيّة والاجتماعيّة، ويجلوا وجه الحق فيها، كتشريع القوانين الوضعيّة والتحاكم إليها، وعلاج مشاكل الفقر والبطالة والعنوسة وتكفير المجتمع.

ويضيف: لقد كان سلفنا في تعليمهم يربطون الدنيا بالدين والعقيدة بالشريعة، ويوجهون التلاميذ إلى الجمع بين الأمرينº ففي عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما كثر الناس عنده يدرسون ويتفقهون في الدين أمر بعضهم أن يشتغل بالليل ويطلب العلم بالنهار، كما أمر آخرين أن يعملوا ويتكسبوا بالليل ويطلبوا العلم بالنهار، حتى صارت دنياهم دينًا ودينهم حياة وعملا، فهل من المشايخ اليوم من يُعنى بأحوال طلابه، ويتعرّف على ظروفهم وأحوالهم الماديّة ويوجههم لما يقضي على البطالة في دنياهم. إنّ الجمود والتقليد وإهمال جانب الحياة في التعليم أنتج الضّعف والشّلل في حياة المجتمع اليوم.

لقد حطم أجدادنا بالأمس أوثان الحجر والشجر، وعبدوا الله في الأرض، فلماذا لا يحطم الأبناء والأحفاد ا ليوم أصنام الكفر والإلحاد ويعبدون الله كما عبدوه؟

 

ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا *** وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

 

* الشريحة المستهدفة:

يرى الزريقي أنّ دورة علي بن المديني تخاطب جميع شرائح المجتمع، من طلاب وطالبات العلم المبتدئين، أو المتوسّطين أو المتقدّمين، وأيضاً عوام الناس من الرجال والنساء.

ويضيف الزريقي: المسجد الذي يقيم دورات متتالية لابد أن تكون عنده النظرة التي يسعى من خلالها لتحقيق رغبات الفئات الثلاث: المبتدئ والمتوسط والمنتهي، ومن الخطأ أن يكرر المسجد الواحد متون علمية سبق وأن تم شرحها والانتهاء منها، ومن المفترض أن يُلتفت إلى متون علميّة لم تشرح حتى يستفيد منها طلاب العلم المنتهون حتى لو لم ينتهِ شرح المتن إلا بعد خمس سنوات، ولو لم يكن ثمرة هذا الإنجاز خلال خمس سنوات إلا تعويد طلاب العلم على الصبر وعدم العجلة في تعلمهم لكان في ذلك درس مفيد في الصبر والتحمل!!

وثمة أمرٌ آخر: هو أنّ بعض منسقي الدّورات لا يهتمّون إلا بالمتون الصغيرة التي سبق وأن شُرحت عدة مرات، وتجد الطالب المنتهي يحب أن يحضر درساً أو درسين فلا يجد ما يناسبه، فلو وضع في الدّورة درس واحد أو درسين حتى يكون للمتقدم فيها نصيب لكان في ذلك خير عام للجميع.

ويرى الشيخ عبد الكريم الخضير أن يُقسّم الطلاب إلى ثلاث فئات: مبتدئين ومتوسّطين ومنتهين، لكل فئة كتب مخصصة، حينها يُستفاد الفائدة المرجوّة من هذه الدّورات، أما التخبّط في دورة يقرّر فيها كتاب المفترض أنّه للمبتدئين ثم يحضره كبار، أساتذة وأحياناً قُضاة، مما يسبب إرباكاً لدى الشيخ.

 

* اختيار المتون المشروحة:

يرى فضيلة الشيخ ابن جبرين أنّ المتن ينبغي أن يُراعى فيه أمور منها: أهميّة المتن وشدّة الحاجة إليه في تلك الدّورة، وذلك أنّ المتون تختلف باختلاف المؤلّفين، وزمن التأليف، وقدرة الكاتب وعقيدته، وجودة تعبيره وقوّة أسلوبه، واستيفائه ما يحتاج إليه في ذلك الموضوع من عقيدة وفقه وأصول ونحو ذلك، ويُراعى حاجة الطلاب الذين يتواجدون في الدّورة ومستواهم وما يميلون إليه، مع مراعاة ترغيبهم فيما ينقصهم من العلوم لتقوى رغبتهم فيما له أهميّة من المتون العلميّة.

ويجعل الشيخ عبد الكريم اختيار المتون مبنياً على حاجة الطالب إلى المتن، وحاجته أيضاً إلى تعدّد الفنون.. ويضيف الشيخ بملاحظة على شموليّة المتون فيقول: التفسير نصابه قليل، وعلوم القرآن أقل، والقراءات لا تكاد توجد، المقصود أن تكون المتون شاملة لعلوم القرآن والسنة. ويقرر الشيخ عبد الكريم: أنّه لا مانع من تكرار المتن الذي شرح سابقاً، لأنّ الذي سيحضر في المرة الثانية في شرح هذا الكتاب غير الذين انصرفوا، فلا مانع من تكراره أكثر من مرة نظراً لأنّه لبنة وأساس لهذا العلم، فلماذا أترك هذا الكتاب وهو عمدة عند أهل العلم إلى كتاب لم يسبق شرحه إلا أنه مفضول بالنسبة لهذا الكتاب، وهذه المشكلة التي نعاني منها يمكن تلافيها بالشروح السابقة المسجلة في أشرطة.

ويبين الزريقي بأنّ عمليّة اختيار المتون تتمّ عن طريق أحد ثلاثة أمور: إمّا عن طريق استشارة بعض طلاب العلم، أو أنّ الشيخ الملقي هو الذي يحدّد المتن، وأحياناً عن طريق تلمّس واقع الناس، وما يحتاجونه من المتون.

ويحدّد أكثر الدكتور الحنيني: بأنّ ذلك يعود إلى حسب الشريحة المستهدفة من هذه الدّورة، فإن كانت الدّورة تستهدف المبتدئين من طلبة العلم، توضع متون معتمدة في كل فن، وتكون مختصرة وغير طويلة، حتى تستوعبها فترة الدّورة القصيرة.

ويواصل الدكتور الحنيني حديثه: بأنّه ينبغي أن يكون الشرح شاملا لمقدّمات العلوم، والعلوم نفسها، فمقدّمات العلوم كالنحو، والأصول، والمصطلح، وأيضاً العلوم كالفقه، والحديث، والعقيدة.

وينبغي أن تكون المتون مخدومة، وليست بغريبة على طلبة العلم، وأيضاً الاعتناء بالمتون الهامّة التي لم يسبق أن شرحت.

 

* أوائل المتون للشّرح فقط:

هناك ظاهرة بدت واضحة في مسيرة الدّورات العلميّة، تزعج كثيراً من الطلبة المتلقين، وهي عدم استيفاء الشرح لجميع المتن، أو الاكتفاء بشرح أوائل المتن. فهل فعلاً هذه الظاهرة مشكلة؟ وكيف يتجاوزها الملقي والمتلقي؟

حول هذا السؤال يجيب الشيخ ابن جبرين فيقول: يحرص الشارح على استيفاء المتن المقرّر، إذا كان الطلاب يكفيهم البيان ولا يحتاجون إلى التوسّع في الإيضاح، لكن قد يطول الشرح ولا يتمكن من إكماله في تلك الدّورة فيحتاج إلى قسمه في دورتين أو أكثر إذا كان هناك رغبة في التوسّع، وإن كان ذلك قد يفوّت على بعض الطلاب سماع أول الشرح أو آخره لكنّ الحاجة داعية إلى التوسّع، والمقرر طويل لا يتمكن من إكماله في المدّة المقرّرة فيؤخّر بعضه إلى دورة قادمة.

ويقرر الشيخ عبد الكريم أنّ هذه مشكلة موجودة في الدّورات العلميّة، وفي الدروس الثابتة أيضاً، نظراً لطول المتن وغموضه أحياناً مما يزيد في المدّة، وهذا يمكن أن يُقضى عليه بأن يُطرح في أكثر من دورة. ويضيف: بأن هذا يختلف من شيخ إلى آخر، فبعضهم يحصر شرحه في الكتاب المشروح، فهذا ينجز، وآخر يرى أنّ الطلاب بحاجة فيسهب في التوضيح والبيان، ولكي نتجاوز هذه المشكلة يوضع للذي يسهب في شرحه مدّة أطول حتى يتمكن من الانتهاء.

ويرى الزريقي أنّ ذلك يختلف من متن علميّ إلى آخر، فالمتون القصيرة يمكن الانتهاء منها خلال أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، ولو أنّ الإنسان انتهى منها خلال هذه الفترة الوجيزة فستمرّ عليه سنوات قادمة يحتاج إلى متن علميّ أكبر منه فيحتاج إلى ثلاثة أمور تقريباً:

أولاً: إمّا أن يختصر الشارح المتن العلمّ اختصاراً شديداً بحيث تصبح الفائدة من هذا المتن استعراض ما فيه من فوائد عارضة، وقد تكون هناك فوائد لم يذكرها.

ثانياً: وإمّا سيقسّم المتن العلميّ إلى قسمين بحيث يُؤخذ القسم الأول منه في السنة الأولى، والقسم الآخر في السنة الثانية مع استعراض المتن كاملاً واحتواء كثير من الفوائد والشوارد العلميّة.

ثالثاً: وإمّا أن يُزاد في وقت الدّورة بحيث تصبح شهراً كاملاً ونصف، وأظنّ أنّ هذا محرج للشارح وللطالب، وخاصة أنّ الناس عندهم من الأشغال والارتباطات الشيء الكثير.

ويعزو الدكتور الحنيني سبب المشكلة إلى الخُطّة التي يضعها منسقو الدّورة، فيقول: يعود ذلك إلى الخُطّة التي يرسمها منسقو الدّورة، فلا يصلح أن يُؤتى بمتن طويل لا يمكن إكماله. ويضيف: إذا كنت سأعطي الشيخ متناً طويلاً فعلى أقلّ تقدير أنسّق معه بحيث ينهي باباً من أبوب هذا المتن، مثلاً: أنسّق مع الملقي أن ينهي كتاب الزكاة من متن \"زاد المستقنع\" كاملاً في هذه الدّورة. حتى تكون هناك وحدة موضوعيّة للطالب فلا يتشتت.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply