تأملات في ظاهرة كتابة الأسماء المستعارة باللغة الإنجليزية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه الشرفاء.

وبعد:

فمما لا ريب فيه أن لله - تعالى - آيات كثيرة لا تحصى، وكيف تحصى وقد أحاطت بنا بين السماء والأرض وقد قال ربنا: (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون).

وهنا نتوقف عند قوله - سبحانه -: (وفي أنفسكم) فمن آيات الأنفس ما أشار الله إليها بقوله: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) فاختلاف الألسن وهي اللغات (كالعربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والفارسية... الخ) آية من آيات الله - تعالى - في خلقه جديرة بالتأمل والتفكر، قال السعدي - رحمه الله - : (على كثرتكم وتباينكم مع أن الأصل واحد ومخارج الحروف واحدة ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كل وجه ولا لونين متشابهين من كل وجه، إلا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز).

فهذا المعنى لا يختلف عليه المسلمون.

ولكن ما قصدت بالمشاركة هو ما لاحظته من كتابة بعض أحبتنا الأعضاء أسماءهم المستعارة بحروف لاتينية (إنجليزية) ونحن هنا لسنا بصدد التحدث عن النوايا لأن ذلك علمه عند الله - تعالى - ولا نظن بأحبابنا الأعضاء إلا الخير فلهم منا التحية والتقدير والشكر على جهدهم الملحوظ في المنتدى.

ولكن دعونا نناقش هذه الظاهرة من الجهة الشرعية:

هل هي حرام؟!

أم هي مكروهة؟!

أم هي جائزة؟!

أم هي مستحبة؟!

يمكن للجميع أن يشارك بما وقف عليه من علم في هذا الباب حتى يظهر الحق للجميع.

فأقول وبالله - تعالى - التوفيق:

هذه المسألة (أعني حكم التكلم والكتابة باللغة الأجنبية) لمن هو قادر على الكلام والكتابة باللغة العربية تكلم فيها أهل العلم قديما وحديثا وقد فصلوا فيها القول خير تفصيل، ولكن مع تفاعل الأحداث الأخيرة في أفغانستان، واشتعال الحرب الصليبية والصهيونية ضد المسلمين في كل مكان نجد ضرورة عودة هذه المسألة إلى السطح لإعادة النظر في نمط تفكيرنا الذي سيطر على جزء كبير منه الغزو الثقافي والحضاري من قبل الصليبية الغربية.

إذا البحث في هذه المسألة ليس مجرد أسماء مستعارة بل الأمر أكبر من ذلك وهو قد يكون مدخلا لظاهرة غزو اللغات الغربية إلى بلاد مسلمين هذه الظاهرة التي كادت تفقدنا أصالتنا وهويتنا.

ويحضرني في ذلك أن بعض الأسر لا شغل لها ولا شاغل إلا حرصهم الشديد على تعليم أبناءهم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية ولو على حساب تعلم القرآن والعقيدة والفقه، وتجدهم في بعض الدول العربية يتفاخرون بين جيرانهم وأقاربهم بأن أولادهم ينهلون العلم من المدارس الأجنبية والتي هي في حقيقة الأمر إرساليات تنصيرية كمدارس (نوتردام ديسيون) المنتشرة في عدد من البلاد الإسلامية وهي مدارس تنصيرية تابعة لكنيسة (نوتردام ديسون) الكاثوليكية الفرنسية، ومدارس (سان مارك) الألمانية... الخ وتجد مديرة المدرسة راهبة تلقب بـ (مامير) وحولها راهبات معلمات يلقبن بـ (السيرهات) وأنا أعرف شخصيا بعض أولاد المسلمين التحقوا بمثل هذه المدارس التنصيرية في صغرهم وكم كان أثرها على نفوس البعض حتى استهوى لبس الصليب والعياذ بالله.

وتجد بعض الشباب يتعلم عدة كلمات إنجليزية فيزهو بهن بين أقرانه فتجده يتكلم كلمة عربية وكلمة إنجليزية لا لشيء إلا افتخارا بلغة الحضارة كما يظن، وإذا سألته عن نواقض الوضوء تجده لا يعرف منها إلا ما خرج من السبيلين!!

حقيقة المسألة جديرة بالتأمل والتفكر لأن لهذا الفكر خطره الشديد على إيمان الإنسان.

ولكون شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - من أحب الشخصيات للصحوة الإسلامية وتطيب نفوس الأكثرية بأقواله وتحقيقاته رأيت أن أنقل ما ذكره في هذا الخصوص:

فقال - رحمه الله - (اقتضاء الصراط المستقيم) ص203: (وأما الخطاب بها ـ أي باللغة الأجنبية ـ من غير حاجة في أسماء الناس والشهور كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب. وأما مع العلم به: فكلام أحمد بيّن في كراهته أيضا. فإنه كره \"آذرماه\" ونحوه ومعناه \"ليس محرما\".

فأنت كما ترى أن كراه التلفظ بلغة العجم (كالإنجليزية والفرنسية والألمانية... الخ) من غير ضرورة، والضرورة هنا تقدر بقدرها كمن يخاطب أجنبي لا يحسن العربية فهو يخاطبه بلغته لإفهامه، أو كمن يعلم اللغة للآخرين، أو من يتعلم هو نفسه هذه اللغة.

أما مجرد إقحامها هكذا بلا ضرورة فهذا مكروه.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كراهة إقحام بعض الألفاظ الأجنبية بين الكلام فقال: (كراهة أن يتعود الرجل النطق بغير العربية. فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون).

وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قوله: (ما تعلم الرجل الفارسية إلا خبّ ولا خب رجل إلا نقصت مروءته) وخب أي خدع وغش.

وقال عطاء: (لا تعلموا رطانة الأعاجم... فإن السخط ينزل عليهم).

ومحمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال: (ما بال المجوسية بعد الحنفية) وحق لنا أن نقول نحن أيضا: ما بال الإنجليزية بعد الحنفية؟

أما ما نقل عن السلف في تلفظهم ببعض الكلمات الأجنبية فقد أجاب عنه شيخ الإسلام بقوله: (وأكثر ما كانوا يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجميا أو قد اعتاد العجمية يريدون تقريب الأفهام عليه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ـ وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها ـ فكساها النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصا وقال: (يا أم خالد هذا سنه) والسنه بلغة الحبشة: الحسن) رواه البخاري.

وقال شيخ الإسلام  - رحمه الله - : (وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق... فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم...

إذا مسألة التمسك الشديد باللغة العربية والإعراض عن الأسماء الإنجليزية والتكلم بها تعد ضرورة ملحة لأمور:

1 ـ إبراز شعار الإسلام وأهله كما تقدم.

2 ـ التأسي بسيرة سلفنا الصالح في هذا الخصوص.

3 ـ ترويد النفس على التمسك بالهوية والأصالة مما يورث سجية في النفس تكون حرزا منيعا من الغزو الثقافي الصليبي.

4 ـ إحياء معنى الولاء والبراء الذي هو من شروط الإيمان.

5 ـ مكافحة آفة التشبه بالكفار التي استشرت بين أبناء المسلمين.

6 ـ الحفاظ على العقل والخلق والدين.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا. ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.

وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب. فإن فهم الكتاب والسنة فرض. ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

 

هذه نصيحتي أضعها بين أيدي أحبتي راجيا من الله - تعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن تلقى القبول لدى إخواني.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply