التعلم التعاوني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يقصد بالتعلم التعاوني Cooperative Learning الاستخدام الموجه للفصل المدرسي في شكل جماعات صغيرة، بطريقة تجعل الطلاب يعملون معًا ليضاعفوا من تعلم كل منهم. وذلك بأن ينظم المعلم الطلاب في جماعات صغيرة ليعمل الطلاب معًا، بعد تلقيهم توجيهًا من معلمهم، حيث يعكف الطلاب على أداء المهام المسندة إليهم إلى الدرجة التي يفهم عندها جميع الطلاب المهام، ومن ثم يكون بمقدورهم إتمامها. ويتمثل الجهد التعاوني في اجتهاد المشاركين من الطلاب في تحقيق نفع متبادل إلى الحد الذي يستفيد فيه كل منهم من جهد الآخر (نجاحك ينفعني، ونجاحي ينفعك)، مدركين أن المصير مصير الكل، وأن أداء المهام متبادل بينهم. وأن السبب في إنجازها من يؤديها ومن يشاركه في أدائها. فالكل يرى أنه لا يمكن له الأداء دون الآخر، ولسان حالهم يقول (بدونك ما نسوى شيئًا) ومشاعر الفخر والاحتفاء بالمهمة المنجزة مشتركة بينهم (فالكل منهم يفخر ويهنئ الآخر على ما أنجز).

ومن خصائص التعلم التعاوني أنه يقوم على الاعتماد المتبادل بين أعضاء المجاميع الطلابية لبلوغ الأهداف التربوية للمقررات المدرسية. فالطلاب يدركون أن بلوغهم الهدف من تعلمهم لا يتحقق إلا ببلوغ الآخرين أيضًا أهدافهم، خلافًا للتعلم الفردي القائم على المصلحة الذاتية والنجاح الشخصي وتجاهل نجاح الآخرين أو إخفاقهم.

 

عناصر التعلم التعاوني:

تتمثل المكونات الجوهرية لأي تعلم تعاوني، كما وردت عند رائدي هذا النوع من التعلم (الأخوين جونسون وجونسون، 1990م-1998م) في العناصر التالية:

* الاعتمادية الإيجابية المتبادلة:

يعتبر الاعتماد الإيجابي المتبادل أهم عنصر لبناء التعلم التعاوني. إذ يرى الطلاب أنهم مرتبطون ببعض، بطريقة لا يمكن أن ينجح فيها عضو دون أن ينجح الآخر (نجاحه مرهون بنجاح زميله). لذا، يلزم تصميم أهداف ومهام الجماعة، وأن توصل إليهم بطريقة تجعلهم يعتقدون أنهم قد ينجحون معًا أو يفشلون معًا. وهذا يعني:

(أ) أن جهد كل عضو مطلب لنجاح الجماعة.

(ب) مسؤولية كل عضو في أن يسهم منفردًا في الجهد الجماعي: (مصادر، وأدوار، وأداء). ليبعث هذا على التزام العضو لنجاح الجماعة ونجاحه.

 

* التفاعل الإيجابي المحفز:

يحتاج الطلاب إلى أن يؤدوا العمل معًا بشكل فيه تحفيز لنجاح كل منهم، ذلك من خلال المشاركة في المصادر والمساعدة والتشجيع وتقدير جهد الآخر في النجاح. وهنالك أنشطة معرفية ديناميكية ما بين الطلاب، تظهر عند تحفيز الطلاب بعضهم بعضًا على التعلم. ويشمل هذا:

(أ) التفسير اللفظي لكيفية حل المشكلات.

(ب) تعليم كل منهم الآخر بما تعلم والتأكد من مدى فهمه له.

(ج) مناقشة المفاهيم التي تم تعلمها.

(د) الربط بين ما تم تعلمه في الحاضر بما تم تعلمه في الماضي.

ويمكن توجيه كل من هذه الأنشطة عند عرض المعلم لإرشادات الأداء وإجراءات تنفيذه. والعمل بهذه الطريقة يساعد على ضمان أن تكون جماعات التعلم التعاوني مصدرًا من مصادر المساندة المدرسية، وفي الوقت نفسه مصدرًا من مصادر المساندة الشخصية.

 

* المحاسبة الفردية والمحاسبة الجماعية:

يقدر أعضاء جماعة الفصل التعاوني مساهمة كل منهم، فالمساهمة محسوبة لكل طرف. على أن هناك مستويين من المحاسبة يجب الحفاظ عليهما، ليحقق التعلم التعاوني أهدافه: فالجماعة مسؤولة عن إنجاز الأهداف، وكل عضو في الجماعة مسؤول عن أداء الجماعة، حيث المحاسبة على كل مساهمة. وتتأتى محاسبة العضو في شكل تقويم أداء كل طالب، وموافاة الجماعة والطالب بذلك، للتأكد من مدى إنجازه وحاجته إلى المساعدة والمساندة والتشجيع على التعلم. إذ الهدف من التعلم التعاوني أن يتعلم الطلاب معًا، وأن يبلغ كل منهم الغاية من تعلمه. وكنتيجة لذلك يحقق الكل مستوى عاليًا من الكفاءة في التحصيل والإنجاز.

 

* تعليم المهارات الجماعية والاجتماعية:

يعتبر التعلم التعاوني أكثر تعقيدًا من التعلم الفرديº لأن الطلاب يجمعون بين أداء المهام (تعلم المواد المدرسية) وعمل الفريق (العمل بفاعلية كجماعة). ولاتظهر المهارات الاجتماعية بطريقة سحرية في مجاميع التعلم التعاوني. إذ لابد من تدريب الطلاب عليها والمستوى نفسه من تعليم المادة المدرسية. ومهارات مثل مهارة القيادة، واتخاذ القرارات وبناء الثقة، والكفاءة في الاتصال، وإدارة الصراع تمكّن الطلاب من بلوغ الغاية من العمل في فريق وإتمام المهام بنجاح.

 

* العمليات الجماعية:

تظهر عملية الجماعة عند مناقشة أعضاء الجماعة لمدى نجاحهم في إنجاز أهدافهم، ومدى محافظتهم على علاقات عمل فاعلة. لذا لابد أن تحدد الجماعة أي تصرفات الأعضاء كانت مساعدة لها، وأي تلك التصرفات معطلة لأدائها. وعليها أن تقرر ما الذي تستمر فيه منها، وما الذي عليها أن تتخلى عنه. ويتحقق التحسين المتواصل لعمليات التعلم التعاوني من خلال التحليل الدقيق لكيفية عمل أعضاء الجماعة معًا وكيفية تعزيز فاعليته.

مخرجات التعلم التعاوني:

انتهى البحث في مجال التعلم التعاوني إلى أن من أبرزالمخرجات التي تميز هذا النوع من التعلم عن غيره من أنواع التعلم ما يلي:

* مستوى عال من الإنجازات والجودة في الأداء بين الطلاب.

* اهتمام أكبر من قبل الطلاب بالذات وبالآخر، مصحوبة بمساندة ودرجة التزام عالية.

* مستوى مميز من الصحة النفسية.

* كفاءة اجتماعية لدى الطلاب تتمثل في اكتساب الطلاب مهارات الاتصال والتوكيد والتعاطف، تفضي إلى علاقات إيجابية مع الآخرين.

* زيادة في معدل تقدير الذات عند الطلاب ذي التأثير الإيجابي على نوعية التحصيل والإنجاز ومدى الرضا عنه.

وباختصار، يتمثل التعلم التعاوني في أن ينتظم الطلاب على شكل جماعات صغيرة بعد تلقيهم التوجيه من المعلم. يتم لهم من خلالها تعلم المهمة المسندة إليهم معًا إلى أن يتمكن كل عضو منهم من فهمها وإتمامها. ويكون من نتيجة ذلك، أن المشاركين يسعون بجد لمنفعة متبادلة إلى الحد الذي يستفيد كل منهم فيه من جهد الآخر. وما يجب الإشارة إليه هو أن مثل هذه الطريقة قد لاتصلح لكل مجالات التعلم. ولعل التطبيق والممارسة كفيلان في الكشف عن مدى جدواها. وتبقى حقيقة وهي إلى متى نظل في منأى عن المناهج والطرق المستحدثة في التعليم والتربية؟!

  

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply