في ظلال الستين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

سـتون قد مرَّت مـرورَ السحاب * * * مـرَّت وأرجـو اليوم حُسنَ المآب

 

ستون من عمري انقضت وانتهى * * *- حين انتهت- عهدُ الصِّبا والشباب

 

وقـد وهَـى العزمُ وكم صنتُه- * * * لـكنَّ طـولَ المكث يَفري الإهاب

 

لـم أدر كيف اجتزتُ ذاك المدى * * * وكـيف جاوزتُ جميعَ الصعاب!؟

 

وكـيف أصـبحتُ على شـاطئ * * * الـركبُ فيه كلٌّهم في اضطراب!؟

 

وكـلٌّ فـردٍ, خـائـفٌ واجـفٌ * * * مـن أن يُـنادَى بـغـتةً للحساب

 

مـا كـان ظني أن أرى عارضي * * * وشـعرَ رأسي يـكتسي بالخضاب

 

وها هـو اليـوم عـلا مَفـرقي * * * فـهل أُواري مَفرقـي بالحجاب!؟

 

كـنتُ أرى الـستين مـن عاشها * * * كـأنما جـاوزَ عـمرَ العُـقـاب

 

لـكنني الـيوم وقـد عـشتُـها * * * لـم أر فيـهـا أيّ شـيء عُجاب

 

اليـومَ كـالأمس الذي قد مـضى * * * والغـدُ مـثلُ اليوم دون ارتياب

 

والـشهـرُ مـا غـادر إلا أتـى * * * والـعامُ مـا سـافـر إلا وآب

 

والـمرءُ يـعدو ثـم يـعدو فـلا * * * يـحصدُ بـعد الجهد إلا السراب

 

أمـضي إلـى مـا أبتغي جاهداً * * * والـظنٌّ أني فـي طريق الذهاب

 

لكـنـني قـبـل بـلوغ المـنى * * * أبـصرُ أنـي فـي طريق الإياب

 

بـالأمـس فارقتُ رياضي وكم * * * سعـدتُ فـيها بالجنى المستطاب

 

فـارقتُـها والقلب فـي غـصة * * * مـما سألقى مـن جوىً واغتراب

 

فـارقـتها والـقـلب ثـاوٍ, بـها * * * يـرسلُ لـي فـي كل حينٍ, كتاب

 

حـاولـتُ أن أسـلوَ كـي أتّقي * * * غـصّات قلبي والجوى والعتاب

 

لـكنها صـارت حـديثي فـلا * * * أنـطق إلا واسـمها في خطاب

 

ولا أداري غـيـرَ شـوقي لها * * * ولا أنـاجي غـيرها مـن رواب

 

ألمـح بـالعيـنين أطـيارهـا * * * أشـم رغـم البـعد نفحَ التراب

 

والبـلبلُ الغِـرِّيـدُ أرنـو لـه * * * يـطوف مـا بين الرٌّبى والشعاب

 

يـبوحُ بـالشوق لأزهـارهـا * * * يُبـدي بـه فـي لوعةٍ, وارتقاب

 

كم سرتُ في الأرض وكم أشرقت * * * نـفسي بتحقيق الأمـاني العِذاب

 

وكـم تـشوَّقـتُ لـما أشـتهي * * * مـن مطعم أو مـلبس أو شراب

 

وكـم بـذلت الجهد كي ينجلي * * * هـمٌّ حـزينٍ, أو مريضٍ, مصاب

 

وكـم تـشوّقتُ لـنشر الـهدَى * * * كي ينتهي في الأرض شرعُ الذئاب

 

وكـم تحـرَّقتُ وقـد أبصرت * * * عـيناي ظـلماً فـاضحاً وانتهاب

 

وسـرتُ أدعـو راغـباً راجياً * * * أن يـنعمَ الـناسُ بـنور الكتاب

 

فـلا أرى الجَـورَ ولا أهـلَه * * * ولا أرى اسـتعـلاءَ ظُـفرٍ, وناب

 

وكـم تـحملتُ صنوفَ الأذى * * * وكـم تـجشّمتُ طـريق العذاب

 

وكـم حُـرمتُ الـخيرَ لكنني * * * صـبرتُ حـتى جاءني بانسكاب

 

وكم شحذت العزمَ حتى وهت * * * كـفّي فـلم أفلح- وماد الركاب

 

وكـم سهرتُ الليلَ مستـلهماً * * * مـن بدره فـيما أصـوغُ اللٌّباب

 

وكم رأيتُ الشمسَ فـي مهدها * * * وكـم شهدتُ الشمسَ عند الغياب

 

وكـم ركبـت البـحر مستأنساً * * * بـألطف الأنـسام وسـط العُباب

 

والقـلبَ كم أمسكتُ خوفاً وقـد * * * جـاوزتُ في الجوِّ رُكامَ السحاب

 

وكـلٌّ مـا مـرَّ ومـا شاقـني * * * أو سـاءنـي أو جـرَّني للتباب

 

راح كـطيفٍ, لاح ثـم أمَّـحى * * * أو كـنسيمٍ, مـرَّ فـوق الهضاب

 

وطـالت الأيـامُ فـي ناظري * * * وضاق من حولي فسيحُ الرحاب

 

ولـم يـعد زادي كما أشـتهي * * * حـتى لَـوَ انّ الزاد شهدٌ مُذاب

 

وأصـبح الجـسمُ ثقيلَ الخطا * * * إن سار بعضَ الخطو جَفَّ اللعاب

 

وكـاد ظـهري يـنحني عوده * * * مـن طولِ ما عاناه قلبي ولاب

 

والـيوم فـي الستين لي وقفةٌ * * * أنـثرُ فـيها كلّ ما في الوطاب

 

وأنـتقي الـزهر وأمـشي به * * * وأنـشر الخـيرَ وعِطرَ الملاب

 

وأتـركُ الأشـواكَ ما لي بها * * * أمـا كـفاني وخـزُها كالحراب

 

هـذا طـريقي لا أرى غـيره * * * يُنـقذُني مـن كـل دربٍ, يباب

 

وسـوف أمـضي فيه لا أنثني * * * حـتى أُوارى فـي ثنايا التراب

 

هـذا الـذي أرجـوه لـكنني * * * راضٍ, بـما قُـدّرّ لي في الكتاب

 

أنـيـب للِـه وأعـنـو لــه * * * والله يعـطي فـضلَه من أناب

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply