في وداع رمضان ..


 بسم الله الرحمن الرحيم

لا يا أمير الشعراء

نظمتُ هذه القصيدة معارضة لقصيدة أحمد شوقي التي يقول فيها:

 

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق

 

رمضانُ ودَّع وهو في الآماق *** يا ليته قد دام دون فراقِ(1)

 

ما كان أقصَرَه على أُلاَّفِه *** وأحبَّه في طاعةِ الخلاق

 

زرع النفوسَ هدايةً ومحبة *** فأتى الثمارَ أطايبَ الأخلاق

 

«اقرأ» به نزلت، ففاض سناؤُها *** عطرًا على الهضبات والآفاق

 

ولِليلةِ القدر العظيمةِ فضلُها *** عن ألفِ شهر بالهدى الدفَّاق

 

فيها الملائكُ والأمينُ تنزَّلوا *** حتى مطالعِ فجرِها الألاق

 

فى العامِ يأتي مرةً..لكنّه.. *** فاق الشهورَ به على الإطلاق

 

شهرُ العبادةِ والتلاوةِ والتٌّقَى *** شهرُ الزكاةِ، وطيبِ الإنفاق

* * *

لا يا أمير الشِّعر ما ولَّى الذى *** آثاره في أعمقِ الأعماق

 

نورٌ من اللهِ الكريمِ وحكمةٌ *** علويةُ الإيقاعِ والإشراق

 

فالنفسُ بالصوم الزكي تطهرت *** من مأثم ومَجانةٍ, وشقاقِ

 

لا يا «أميرَ الشعر» ليس بمسلمٍ, *** مَن صامَ في رمضانَ صومَ نفاقِ

 

فإذا انتهت أيامُه بصيامِها *** نادى وصفَّق (هاتها يا ساقي)

 

(الله غفار الذنوب جميعها *** إن كان ثَمّ من الذنوبِ بواقي)(2)

 

عجبًا!! أيَضلَع في المعاصِي آثمٌ *** لينالَ مغفرةً.. بلا استحقاقِ؟

 

أنسيتَ يومَ الهولِ يومَ حسابِه *** حينَ التفاف الساقِ فوقَ الساقِ؟

 

وترى المنافقَ في ثيابِ مهانةٍ, *** ويُساقُ للنيرانِ شرَّ مساقِ

 

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي *** رمضانُه في زُمرة الفسَّاق

 

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي *** منع الطعام، وهمه في الساقي

 

من كان يهوى الخمرَ عاش أسيرَها *** وكأنه عبدٌ بلا.. إعتاق

 

الصومُ تربيةٌ تدومُ مع التٌّقَى *** ليكونَ للأدواءِ أنجعَ راقى(3)

 

هو جُنةٌ للنفس من شيطانِها *** ومن الصغائرِ والكبائرِ واقي(4)

 

الصومُ - يا شوقي إذا لم تدرِه - *** نورٌ وتقوى وانبعاثٌ راقي(5)

 

واسمع - أيا من أمَّروهُ بشعره - *** ليس الأميرُ بمفسدِ الأذواق

 

إن الإمارةَ قدوةٌ وفضيلةٌ *** ونسيجُها من أكرمِ الأخلاق

 

والشعرُ نبضُ القلبِ في إشراقِه *** لا دعوةٌ للفسقِ.. والفسَّاق

 

والشعر من روح الحقيقة ناهلٌ *** ومعبِّرٌ عن طاهرِ الأشواقِ

 

فإذا بَغَى الباغي بدت كلماتُه *** كالساعِرِ المتضرِم.. الحرَّاق

 

وإذا دعته إلى الجمال بواعثٌ *** أزرى على زريابَ أو إسحاقِ(6)

 

لكنه يبقى عفيفًا.. طاهرًا.. *** كالشّهدِ يحلو عند كلِّ مذاق

 

رمضانُ - يا شوقي - ربيعُ قلوبنا *** فيها يُشيعُ أطايبَ الأعباق(7)

 

إن يمضِ عشنا أوفياءَ لذكِره *** ويظلٌّ فينا طيّبَ الأعراق

 

------------------------

(1) الآماق: العيون.

(2) ما بين القوسين من قصيدة شوقي.

(3) راقي «من الرقية» أى معالج.

(4) جنة (بضم الجيم) وقاية وحماية. وفي الحديث النبوي «الصوم جنة».

(5) راقي: سام رفيع.

(6) زرياب وإسحاق من أشهر موسيقيي العرب.

(7) الأعباق: جمع عَبق: وهو الرائحة الطيبة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply