جواهر الهداية ( الجوهرة الثامنة ) الموبقة الخفية


بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل سمعت بالسبع الموبقات.. ؟

أظن أن كل مسلم سمع بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكر فيه السبع الموبقات فعَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \" اجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقَاتِ \" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ:

\" الشِّركُ بِاللَّهِ وَالسِّحرُ وَقَتلُ النَّفسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَأَكلُ الرِّبَا وَأَكلُ مَالِ اليَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحفِ وَقَذفُ المُحصَنَاتِ المُؤمِنَاتِ الغَافِلَاتِ \" (متفق عليه)

 

وأظنك إن شاء الله قد اجتنبتهن جميعاً فإنك إن فعلت كفر الله عنك صغائر الذنوب وأدخلك الله الجنة {إِن تَجتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَنُدخِلكُم مٌّدخَلاً كَرِيماً}النساء31

 

لكن هل سمعت بالموبقة الخفية

الموبقة التي تُبقي الإنسان جاهلاً

الموبقة التي تحجر عقل الإنسان وفكره

الموبقة التي تدخل الإنسان في ظلمات من الغي والضلال

الموبقة التي تدخل الإنسان في ظلمات من الكبر والتعالي

الموبقة التي تدخل الإنسان في ظلمات من التعصب....

إنها..

بكل بساطة إنها عدم القراءة

ذلك أن الإنسان.. إذا لم يقرأ.. ولم يتعلم...

يسيطر عليه الجهل والتخلف.

 

فمنذ نزول الآيات الأولى في القرآن حثنا الإسلام على العلم والتعلم بوسائله المختلفة فقد كانت أول كلمة نزلت في القرآن الكريم {اقرأ} وأول كلمة كررت في القرآن الكريم هي {اقرأ} وأول أداة أنزلت في القرآن الكريم هي القلم وأول قسم في القرآن الكريم كان في سورة {نون} بالمحبرة والقلم وهي الرابعة نزولا بعد سورة{اقرأ}و {المزمل} و{المدثر}.

 

(اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الإِنسَانَ مِن عَلَقٍ,{2} اقرَأ وَرَبٌّكَ الأَكرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ{4} عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَم يَعلَم){5}العلق.

(ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسطُرُونَ){1}لقلم.

وكانت أوائل السور تسمى بظواهر علمية وفلكية وطبية وكلها في مضمونها حث على العلم والقراءة.

فهناك سورة العلق وسورة الشمس وسورة النجم وسورة القمر و هكذا وما أكثر أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تحثنا على العلم والتعلم وقد أفرد البخاري - رحمه الله تعالى -بابا سماه (بَاب فَضلِ العِلمِ وَقَولِ اللَّهِ - تعالى – (يَرفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ, وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ) وَقَولِهِ - عز وجل – (وَقُل رَبِّ زِدنِي عِلمًا)

وروى الترمذي قَالَ قَدِمَ رَجُلٌ مِن المَدينَةِ على أَبِي الدَّردَاءِ وهوَ بدمشق فَقَالَ مَا أَقدمَكَ يَا أَخِي فَقَال حَدِيث بَلَغنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَن رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أَمَا جِئتَ لِحَاجَةٍ, قَالَ لَا قَالَ أَمَا قَدِمتَ لِتِجَارَةٍ, قَالَ لَا قَالَ مَا جِئتُ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الحَدِيثِ قَالَ فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" يَقُولُ مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَبتَغِي فِيهِ عِلمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلمِ وَإِنَّ العَالِمَ لَيَستَغفِرُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ وَفَضلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ إِنَّ الأَنبِيَاءَ لَم يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلمَ فَمَن أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ, وَافِرٍ, \"(الترمذي /2606/).

 

إن الإسلام يحث على العلم بأشكاله المختلفة والتي أسها الأول وأساسها الأمثل القراءة لأنه كلما زادت معلومات الإنسان نضج فكره واتسع أفقه وكبرت أهدافه فزال اللبس من ذهنه.

 

وكلما قلة المعلومات صغرت الأهداف وتعملق الخلاف وجهل الإنسان في الأحكام ووقع في الأوهام وتسلطت عليه ذئاب الأفكار الهدامة وأفاعي المعلومات الخاطئة فإذا به ينافح عنها ويجادل لها فيضل عن الطريق المستقيم.

 

لذلك حث الإسلام على القراءة ليزيد الإنسان من معلوماته فيزيد من تطبيقها فتكبر أهدافه ويترفع عن سفاسف الأمور.

 

إن الأميّة شرف للنبي - صلى الله عليه وسلم - لكنها خزي لمن اتصف بها من أمته - عليه السلام - {فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقٌّ وَلَا تَعجَل بِالقُرآنِ مِن قَبلِ أَن يُقضَى إِلَيكَ وَحيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلماً}طه114.

 

{أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلبَابِ}الزمر9.

 

نحن بساطه نسمع الخطباء يقولون إن أمة اقرأ لا تقرأ..

فلماذا هذا الإحجام عن القراءة؟

لو أن كل إنسان قرأ في كل يوم نصف ساعة، نصف ساعة فقط، هل تعرف ماذا سيحصل... ؟

إنه سيقرأ في السنة.. حوالي /184/ ساعة..

وإذا علمت أن كتاباً بحجم 200 صفحة يحتاج إلى عشر ساعات من القراءة المتوسطة فإنك ستقرأ /18/ كتاباً في السنة.

رقم مهول.. بطريقة بسيطة..

 

حتى نتجنب هذه الموبقة الخفية يجب أن نتخذ بعضاً من الخطوات العملية

1 - شراء كتاب واحد في الشهر و من ثم صنع مكتبة في البيت.

2 - القراءة في اليوم نصف ساعة وهو برنامج القراءة اليومي لكل أفراد البيت لا تلفاز في هذا الوقت لا زيارات لا محادثات..

جرب ذلك وسترى كيف سيتحول بيتك إلى بيت قارئ.

3 - مناقشة ما قرأه الإنسان في كل يوم مع أهل بيته.

4 - حاول ألا تنام إلا والكتاب بين يديك.

5 - إشاعة ثقافة اقرأ بالوسائل المختلفة لاسيما في فترات الانتظار التي يقضيها الإنسان فعند الحلاق لا بد أن يوجد كتيبات يقرؤها الذي ينتظر دوره وعند الأطباء وفي أماكن وصالات الانتظار وطريق السفر.

 

إن عدم القراءة موبقة خفية تتسرب إلى الإنسان بسبب حبه للدعة والراحة فإذا به وهو يريح جسده يريح عقله فيتحجر فكره ويتقوقع على معلوماته فتقل عنده المحاكمة العقلية والمرونة الذهنية فإذا به كحجر الصوان ما إن يصطدم مع مخالف له حتى يستطير شررا لذلك هي بحق موبقة.. وأية موبقة..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply