نَقدُ الوَاقِعُ العِلميٌّ (2)


بسم الله الرحمن الرحيم 

الدورات العلمية

الثانية: عَدمُ المَنهَجية.

إن المنهجيةَ في الأمور ضمانٌ لنجاحها و فلاحها و صلاحها، و إهمالُ ذلك هُوةُ سقوط، و مَزِلَّةُ قدم.

و لقد اعترى (الدورات العلمية) شيءٌ من ذلك، و هو عائد إلى شيئين:

 

الأول: الشيخُ.

من أصولِ التعلٌّم التلقي عن الأشياخ، و مشافهتهم بالعلم، و ثَنيُ الرٌّكَبِ عندهم فقد (كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، و مفاتيحه بأيديهم).

و التحرِّي في الأخذ عنهم مهم جداً لأن (العلم دين، فليُنظر ممن يؤخذ الدين)، و ليس كلُّ متأهلٌ لأن يكون محلاًّ للأخذ،و مورِداً مَعيناً.

فـ (ينبغي للطالب أن يقدِّمَ النظرَ، و يستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، و يكتسب حسن الأخلاق و الآداب منه، و ليَكُن إن أمكن ممن كمُلَت أهليته، و تحققت شفقته، و ظهرت مروءته، و عُرفت عفته، و كان أحسن تعليماً و أجود تفهيماً)(1).

إذا تقرَّرَ هذا، فإن من الخلل الظاهر في جُملة اللقاءات العلمية أن يكون متخلِّفاً في الشيخ شيءٌ من موازين تأهيله للأخذ عنه، و حاصلها ثلاثةُ أشياء:

 

الأول: التأهل في العلمº بأن يكون على علمٍ, بما يطرحهُ مشهوداً له فيه، متقناً لمسائلِه، فـ (يعتمدُ في كلِّ فنٍّ, مَن هو أحسنُ تعليماً له، و أكثرُ تحقيقاً فيه و تحصيلاً منه، و أخبرهم بالكتاب الذي قرأه). أ،هـ [التذكرة: 169_170].

 

الثاني: أن يكون عالماً بسياسة العلم، و هي الأخذُ بالطالبِ في المراقي الصحاح في إعطائه العلم، يقولُ الإمامُ الغزَّالي  - رحمه الله -: و يبدأُ المعلم في تعليم المتعلم بأقربَ ما يفتقرُ إليه الطالبُ و أهم ما ينفعه في الدنيا و الآخرة، فإن التعلٌّمَ كتعميرِ البيت فإن الباني عمَّرَ البيتَ من أي جنبٍ, خَرب، و كذلك المعلم يعلم المتعلمين من أي فن جهِلَ. و لا يعلم العلم إلا لأهله. ا،هـ (2).

 

الثالث: أن يكون محلاًّ للاقتداء و التأسي به، فإن العالمَ مَحلٌّ أنظارِ قاصديه، و مَوطِنُ القدوة لهم، و لذا حضَّ أهلُ العلم الطالبَ _ نحوَ شيخه الذي يأخذُ منه العلمَ _ أن (يسلُك في السمت و الهدي مسلَكه، و يُراعي في العلم و الدين عادته، و يقتدي بحركاته و سكناته في عاداته و عباداته، و يتأدَّب بآدابه، و لا يدع الاقتداءَ به) (3)، و ما كان هذا التحريص منهم للطالب إلا لكون المعلِّم محلاً للاقتداء به قال العلامة المرعشي الشهير بساجقلي زاده: [المنقول من سيرهم، و المتبادر من كلماتهم في مؤلفاتهم أنهم تناولوا متون الفنون المعتبرة و هي مسائلها المشهورة] أهـ (انظر: ترتيب العلوم ص 80).

 

هذه قالاتٌ تُبِينُ عن أهمية الأخذ بالمتون المعتبرة المعتمدة عند أهلها، و الإعراضُ عن غيرها مما ليس بمقامها، إلا أنه يُستثنى من ذلك حالةٌ واحدة يؤخذُ فيها بالمتن غير المعتمد و هي: إذا كان في المتن غير المعتبر مزيةٌ زائدةٌ على غيره فيؤخذ للمزية ليس إلا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة _ لابن جماعة _ ص 133.

(2) منهاجُ المتعلم، للغزَّالي ص 76. [انظر: التراث التربوي الإسلامي، د. هشام نشَّابة].

(3) تذكرة السامع و المتكلم ص 140.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply