مرحبا بصفر الخير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي هدى فكفى، وأعطى فأغنى، وأمات وأحيى، فله الحمد في الآخرة والأولى، وفي السراء والضراء، - سبحانه - لا يحمد على مكروه سواه، وصلّى الله وسلم على محمد الرسول المجتبى، والنبي المصطفى، وعلى آله وصحابته خير الورى، ومن تبعهم بإحسان.

 

وبعد..

 

فإن التشاؤم والتطير من الصفات الذميمة، والأخلاق اللئيمة، ولا يصدر إلا من النفوس المستكينة، لمنافاة ذلك للتوكل واليقين، فهو من سمات الكسالى والبطالين، ولهذا نهى الإسلام أتباعه عن التشاؤم والتطير، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب التفاؤل لما يبعثه في النفس من الأمل والاطمئنان، ويكره التشاؤم لما يحدثه في النفس من الاستكانة، والضعف، والعجز، والهوان.

 

بمناسبة حلول صفر الخير، أحببت أن أحذر إخواني المسلمين من صنيع الجاهليين، واعتقاد المشعوذين، وأوهام المنجمين والدجالين، وادعاءات الكذابين، وأذكرهم بسلوك المؤمنين، الموحدين، الموقنين بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، عملاً بقول الناصح الأمين والرسول الكريم، ومن قبل قال ربنا - سبحانه وتعالى-: \"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا\"، وقال في الحديث القدسي: \"واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك\"، أو كما قال.

 

الأدلة على النهي عن التطير والتشاؤم بصفر وبغيره:

الأدلة على النهي والتحذير عن التطير والتشاؤم، والأمر بالتفاؤل، والحث على الإقدام بعد العزم، والتحذير من التباطؤ والعجز بسبب الأوهام، كثيرة جداً، وسنذكر منها ما يسره الله:

 

1. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد\". [1]

 

2. وعنه - رضي الله عنه - قال: \"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"لا عدوى، ولا صفر، ولا هامةº فقال أعرابي: يا رسول الله! فما بال إبلي تكون في الرمال كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ قال: فمن أعدى الأول؟ \". [2]

 

3. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"لا عدوى، ولا طيرةº والشؤم في ثلاث: في المرأة، والدار، والدابة\". [3]

 

4. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" لا طيرة، وخيرها الفألº قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم\". [4]

 

5. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر\". [5]

 

6. وعن جابر يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" لا عدوى، ولا صفر، ولا غول\". [6]

 

7. وعن ابن مسعود يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"الطيرة شرك، وما منا إلا يتطير، ولكن الله يذهبه بالتوكل\". [7]

 

8. وعن إسماعيل بن أبي أمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والظن، والحسدº فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننتَ فلا تحقق\". [8]

 

9. وفي رواية: \"لا عدوى، ولا هامة، ولا طيرة، ولا نوء\".

 

10. وفي رواية: \"لا طيرة، والطيرة على من تطير\".

 

11. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يورد ممرض على مصح\".

 

ما المراد بنفي هذه الأشياء الستة، وهي: الصفر، والطيرة، والعدوى، والهامة، والغول، والنوء؟

 

أولاً: الصفر

ذهب أهل العلم في تفسير ذلك مذاهب، هي[9]:

 

أ. ذهب كثير منهم إلى أن المراد بصفر هو داء في البطن بسبب دود كبار كالحيات، وكانوا يعتقدون أنه معدٍ,، وممن ذهب إلى ذلك سفيان بن عيينة والإمام أحمد - رحمهما الله -.

 

ويرد على ذلك أنه لو كان كذلك لكان داخلاً في قوله: \"لا عدوى\"، وقد يقال إنه من باب عطف الخاص على العام.

 

ب. أن المراد بصفر شهر صفر، الذي يسميه العوام في السودان \"الويحيد\"، ثم اختلفوا في تفسيره على قولين:

 

أحدهما: أن المراد نفي ما كان الجاهليون يفعلونه في النسيء، فكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه، وهذا قول مالك - رحمه الله -.

 

والثاني: أن المراد أن الجاهليين كانوا يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشؤوم.

 

والذي يترجح لدي أن هذا التفسير هو المراد، لأن الجاهليين كانوا يتشاءمون به، ولا يزال البعض يتشاءم به إلى يومنا هذا، بحيث:

 

لا يتزوجون فيه.

 

ولا يسافرون فيه.

 

ولا يحاربون فيه.

 

وقد أبطل الله كل ذلك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 

ج. الصفر وجع في البطن بسبب الجوع، ومن اجتماع الماء الذي يكون من الاستسقاء.

 

ثانياً: الطيرة والتشاؤم [10]

الطيرة هي التشاؤم، وهي مصدر تطيّر، مثل تحيّر حيرة.

 

قال ابن حجر: (وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيِّج الطير ليطير فيعتمدها، فجاء الشارع بالنهي عن ذلك، وكانوا يسمونه السانح.. والبارح.

 

فالسانح ما ولاك ميامنه، بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس، وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح، لأنه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه، وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له، إذ لا نطق للطير ولا تمييز.

 

وقال: كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويمتدح بتركه، قال شاعرهم:

 

  ولـقـد غـدوتُ وكنتُ لا *** أغدو على واقٍ, وحـاتم

 

  فإذا الأشــائم كالأيـــا *** من والأيامن كالأشـائم

 

ثم قال: وكان أكثرهم يتطيرون، ويعتمدون على ذلك، ويصح معهم غالباً لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين).

 

ثالثاً: العدوى

ذهب أهل العلم في تفسير \"لا عدوى\" مذاهب عدة، ملخصها[11]:

 

أ. نفي العدوى جملة وتفصيلاً، وحمل الأمر بالفرار من المجذوم تطييباً لخاطره.

 

ب. حمل الخطاب بالنفي لمن قوي يقينه، وبالإثبات لمن ضعف يقينه وتوكله، وقد جمع هذا القول بين الحديثين، ووفق بينهما، حديث عمرو بن الشريد الثقفي عن أبيه قال: \"كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا قد بايعناك، فارجع\"، وحديث جابر: \" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل مع المجذوم، وقال: ثقة بالله وتوكلاً عليه\".

 

قال القاضي عياض: (اختلفت الآثار في المجذوم، فجاء ما تقدم عن جابر[12].. فذهب عمر وجماعة من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ، وممن قال بذلك عيسى بن دينار من المالكية، ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثر ويتعين المصير إليه أن لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين، وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط، والأكل معه على بيان الجواز.

 

قال ابن حجر: هكذا اختصر القاضي ومن تبعه حكاية هذين القولين، وحكى غيره قولاً ثالثاً وهو الترجيح.

 

ج. إثبات العدوى في الجذام والجرب ونحوهما، ونفي العدوى عما سوى ذلك.

 

د. المراد بإثبات العدوى في الأمراض التي تنتقل من جسم إلى جسم بواسطة الملامسة، والمخالطة، وشم الرائحة.

 

هـ. المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه نفياً لما يعتقده الجاهليون أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إرادة الله - عز وجل -، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي أكله مع المجذوم إشارة إلى أنها لا تستقل بذاتها بل إذا شاء الله ذلك.

 

الذي يترجح لدي أن القول الأخير هذا هو أرجح الأقوال، لأن ذلك هو حقيقة التوكل، وهو الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب، والله أعلم.

 

قال الطبري - رحمه الله -: (والصواب عندنا القول بما صح به الخبر، وأن لا عدوى، وأنه لا يصيب نفساً إلا ما كُتب عليها، وأما دنو عليل من صحيح فغير موجب انتقال العلة للصحيح، إلا أنه لا ينبغي لذي صحة الدنو من صاحب العاهة التي يكرهها الناس، لا لتحريم ذلك، بل لخشية أن يظن الصحيح أنه لو نزل به ذلك الداء أنه من جهة دنوه من العليل، فيقع فيما أبطله النبي - صلى الله عليه وسلم - من العدوى، قال: وليس في أمره بالفرار من المجذوم معارضة لأكله معه، لأنه كان يأمر بالأمر على سبيل الإرشاد أحياناً، وعلى سبيل الإباحة أخرى، وإن كان أكثر الأوامر على الإلزام، وإنما كان يفعل ما نهى عنه أحياناً لبيان أن ذلك ليس حراماً).

 

رابعاً: لا هامة [13]

الهامة من غير تشديد وهو قول العامة، وشددها بعضهم.

 

الهامة المخففة أوّلها أهل العلم تأويلات حسب اعتقاد الجاهليين، هي:

 

أحدها: أنها دودة تخرج من رأس من قُتل فتدور حول قبره، فتقول: اسقوني، اسقونيº كناية عن مطالبة أهله بالأخذ بثأره.

 

ولهذا قال قائلهم:

 

 يا عمرو إلا تدَع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني

 

وكانت يهود ـ لعنهم الله ـ تزعم أنها تدور ـ أي الهامة ـ حول قبره سبعة أيام ثم تذهب.

 

الثاني: أنها طائر من طير الليل، البومة.

 

قال ابن الأعرابي: كانوا يتشاءمون بها، إذا وقعت على بيت أحدهم يقول: نعت إليّ نفسي، أو أحداً من أهل داري.

 

الثالث: قال أبو عبيد: كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير، ويسمون ذلك الطائر الصَّدَى.

 

أما المشددة فهي واحدة الهوام.

 

وقد أوتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم فقد نهى عن كل هذه الاعتقادات الفاسدة والظنون الباطلة.

 

خامساً: الغول

وجمعه الغيلان، وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس ليلاً فتضلهم عن الطريق.

 

قال الحافظ ابن حجر: (أما الغول: فقال الجمهور: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات، وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغول لهم تغولاً، أي تتلون تلوناً، فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، وقد كثر في كلامهم: \"غالته الغولة\" أي أهلكته أو أضلته، فأبطل - صلى الله عليه وسلم - ذلك.

 

وقيل ليس المراد إبطال وجود الغيلان، وإنما معناه إبطال ما كانت العرب تزعمه من تلون الغول بالصور المختلفة، قالوا: المعنى لا يستطيع الغول أن يُضل أحداً، ويؤيده حديث: \"إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان\"، أي ادفعوها شرها بذكر الله).

 

سادساً: النوء

وجمعه أنواء، وهي منازل القمر، قال أبو السعادات: وهي ثمان وعشرون منزلة[15]، ينزل القمر في كل ليلة منزلة منها، كما قال - تعالى -: \"والقمر قدرناه منازل\"، يسقط في المغرب كل ثلاثة عشرة ليلة منزلة له مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلتها ذلك الوقت من المشرق، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر، وينسبونه إلى النجم الساقط، ويقولون: مُطرنا بنوء كذاº وإنما سمي نوءاً لأنه إذا سقط منها الساقط ناء الطالع بالمشرق، أي نهض وطلع.

 

عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: صلّى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية إثر سماء ـ مطرـ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلمº قال: قال: \"أصبح من عبادي مؤمن بي وكافرº فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمتهº فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكبº وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذاº فذاك كافر بي، مؤمن بالكواكب\". [16]

 

فبيّن هذا الحديث أن المطر يقع بإذن الله ولا دخل للكواكب في ذلك.

 

قلت: من اعتقد أن للنوء أثراً في نزول المطر فقد كفر، أما من قال ذلك على سبيل أن هذا هو الوقت الذي قدّر الله فيه نزول المطر عادة فلا يكفر، والأحوط أن يقول الإنسان: مُطرنا بفضل الله ورحمتهº ولا ينسب ذلك إلى الكواكب مهما كانت نيته، والله أعلم.

 

المراد بشؤم المرأة، والدابة، والدار

المراد بشؤم المرأة سوء خلقها، ورداءة طبعها، وكِبرها، وتعاليها، ونشوزها على زوجها خاصة، ولا تلتفت لغير ذلك من التأويلات الفاسدة.

 

أما شؤم الدابة ففي صعوبة قيادها، وسوء خلقها، وقباحة طبعها.

 

أما شؤم الدار ففي ضيقها، وسوء جيرانها، ولهذا قيل: \" الجار قبل الدار\".

 

ما يقوله مَن عرض له شيء من التطير والتشاؤم

مَن عرض له شيء من التطير فعليه ألا يرجع، وليتوكل على الله ويمضي في مراده، وليدعُ بهذا الدعاء الذي أثر عن ابن عمر رضي الله عنهما: \"اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك\"[17]، وهو مصداق قوله - تعالى -: \"فإذا عزمت فتوكل على الله\".

 

نماذج للمتوكلين في مخالفة ما قاله المنجمون

الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله، ومن أطلعه الله عليه من رسله عن طريق الوحي.

 

قال - تعالى -: \"قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون\". [19]

 

وقال: \"إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير\". [20]

 

وقال: \"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً\". [21]

 

قال القرطبي - رحمه الله - في تفسير آيتي الجن السابقتين: (قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح - سبحانه - بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى، وينظر في الكتب، ويزجر بالطير، ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله، مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه، قال بعض العلماء: وليت شعري ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان على اختلاف أحوالهم، وتباين رتبهم، فيهم الملك والسوقة، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والكبير والصغير، مع اختلاف طوالعهم، وتباين موالديهم، ودرجات نجومهم، فعمهم حكم الغرق في ساعة واحدة؟ فإن قال المنجم قبحه الله: إنما أغرقهم الطالع الذي ركبوا فيه، فيكون على مقتضى ذلك أن هذا الطالع أبطل أحكام تلك الطوالع كلها على اختلافها عند ولادة كل واحد منهم، وما يقتضيه طالعه المخصوص به، فلا فائدة أبداً في عمل المواليد، ولا دلالة فيها على شقي وسعيد، ولم يبق إلا معاندة القرآن العظيم، وفيه استحلال دمه على هذا التنجيم، ولقد أحسن الشاعر حيث قال:

 

  حكم المنجم أن طالـع مولـدي *** يقضي عليّ بميتة الغرق

 

  قل للمنجم صبحة الطوفان هل  وُلِدَ الجميع بكوكب الغرق؟). [22]

 

من تلكم المواقف ما يأتي:

 

 أ. إمام المتقين وسيد المتوكلين - صلى الله عليه وسلم - يغزو في صفر وينتصر فيه

عندما أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يغزو في صفر قال له البعض: لا تغز في هذا الشهر، فإنك إن غزوت فيه فلن تنتصر على عدوكº فلم يلتفت إلى أقوالهم، وغزا فيه وانتصر على عدوه، وسماه صفر الخير.

 

 ب. أمير المؤمنين علي قاتل أهل النهروان في صفر وينتصر عليهم

قيل لعلي - رضي الله عنه - لما أراد لقاء الخوارج: أتلقاهم والقمر في العقرب؟ فقال رضي الله عنه: فأين قمرهم؟ وكان ذلك في آخر الشهر، فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها، وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم، والإفحام لكل جاهل يحقق أحكام النجوم.

 

وقال له مسافر بن عوف: يا أمير المؤمنين، لا تسر في هذه الساعة، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهارº فقال له علي رضي الله عنه: ولِمَ؟ قال: إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاء[23] وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وأصبت ما طلبتº فقال عليّ رضي الله عنه: ما كان لمحمد - صلى الله عليه وسلم - منجم، ولا لنا من بعده ـ في كلام طويل يحتج فيه بآيات من التنزيل ـ فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله نداً، أو ضداًº اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيركº ثم قال للمتكلم: نكذبك ونخالفك، ونسير في الساعة التي تنهانا عنها. ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر، وإنما المنجم كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيتَ وبقيتُ، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطانº ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها، ولقي القوم فقتلهم، وهي وقعة النهروان الثابتة في صحيح مسلم.

 

ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها وظفرنا وظهرنا لقال قائل: سار في الساعة التي أمر بها المنجمº ماكان لمحمد - صلى الله عليه وسلم - منجم ولا لنا من بعدهº فتح الله علينا بلاد كسرى، وقيصر، وسائر البلدانº ثم قال: أيها الناس! توكلوا على الله، وثقوا به فإنه يكفي ممن سواه). [24]

 

قلت: رضي الله عن عليّ، لم يمنعه ما هو فيه من بلاء، وما يحيط به من رفقاء متشاكسون، وأهل أهواء تعسون ـ هم الرافضة والخوارج ـ من تقرير وتثبيت عقيدة التوحيد في نفوس أتباعه، لأن ذلك من أوجب الواجبات، وسبب رئيس لجلب النصر من الله - عز وجل -.

 

 ج. المعتصم العباسي يكذب المنجمين ويسفه أقوالهم ويفتح عمورية

عندما أراد المعتصم العباسي - رحمه الله - أن يغزو عمورية[25] قال له المنجمون: إن مدينتنا لا يمكن أن تفتح في هذه الأيامº فضرب بقولهم عرض الحائط، وسفه أحلامهم، وأبطل اعتقادهم، فغزاها، وفتحها، وضمها إلى رقعة الدولة الإسلامية، وقد صاغ أبو تمام هذه الحادثة شعراً، حيث قال:

 

  السيـف أصدق إنبـاءً من الكتب *** في حده الحـد بين الجد واللعب

 

  بيض الصفائح لا سود الصحائف *** في متونهن جلاء الشك والريب

 

إي وربي لقد صدق أبو تمام، فقد أبطل الله بعزيمة المعتصم وإصراره على فتح تلك المدينة في ذلك الوقت الذي نهاه المنجمون عنه وَهَمَ الواهمين، وأزال شك الشاكين، قبل أن يزيل عن عمورية سلطان الكفر والكافرين.

 

هذا مسلك المؤمنين الصادقين، وسبيل الموحدين الموقنين بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ودع عنك أقوال المنجمين، وكذب الدجالين، وتخرص الظانين، وتصديق الكهنة، والسحرة، والخرافيين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك في صفر الخير أن تنصر إخواننا في العراق، في البصرة، وكركوك، والنجف، سيما بغداد، وأن تهزم الأمريكان، وأذنابهم من الأستراليين والبريطان، وعملاءهم في الداخل والخارج، خاصة في كردستان، كما هزمت أهل النهروان في أرض العراق، في صفر الخير من عام 37 من هجرة خير الأنام، اللهم عليكهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرسل عليهم جنداً من جندك، في جوك، وبرك، وبحرك، من فوقهم، ومن أسفل منهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، يا سميع الدعاء، ويا أمل المظلومين الضعفاء، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

 

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لك العتبى حتى ترضى، والسلام علينا وعلى من اتبع الهدى..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply