تأملات في العيد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال - تعالى -: ((قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)) يونس: 58 قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه.

أخي المسلم: هذه وقفات موجزة مختصرة عن أحكام العيد وآدابه:

أولا: أحمد الله - تعالى - أن أتم عليك النعمة بصيام هذا الشهر وقيامه، وأكثر من الدعاء بأن يتقبل الله منك الصيام والقيام، وأن يغفر لك زللك وإجرامك، روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان، يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه، وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك

ثانيا: الفرح بالعيد: روت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: (دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فاقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: \"دعهما\" فلما غفل غمزتهما فخرجتا) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: \" تغنيان بدف \" وقد استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، ومنه أن إظهار السرور في ا لأعياد من شعائر الدين.

ثالثا: التكبير: يشرع التكبير من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال - تعالى -: ((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)) البقرة: 185 ويستحب للرجال رفع الصوت بالتكبير في ا لأسواق، والدور، والطرق، والمساجد، وأماكن تجمع الناس، إظهارا لهذه الشعيرة، وأحياء لها، واقتداء بسلف هذه الأمة، وصفة التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد). ويربى النشء على هذا ويعلمون سببه

رابعا: زكاة الفطر: شرع الله - تعالى - عقب إكمال الصيام زكاة الفطر، وفرضت طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، ومقدارها صاع من طعام من غالب قوت البلد كالأرز والبر والتمر عن كل مسلم، لحديث ابن عمر قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) رواه مسلم، ويسن إخراجها عن الجنين لفعل عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، ولا يجوز إخراجها نقودا على القول الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن ذلك مخالف لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويجب تحري الفقراء والمساكين لدفعها إليهم.

ووقت إخراجها الفاضل يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز تقديمها قبل ذلك بيوم أو يومين.

خامسا: الغسل والزينة: يستحب للرجال الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب للعيد، لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود..\" الحديث، وكان ابن عمر يلبس في العيد أحسن ثيابه.

سادسا: الأكل قبل صلاة العيد: يستحب قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وترا، ثلاثا، أو خمسا لما ثبت عن أنس -رضي الله عنه - قال: \"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات \" وفي رواية: \"ويأكلهن وترا\" رواه البخاري.

سابعا: التبكير في الخروج لصلاة العيد: يستحب التبكير لصلاة العيد لقول الله - تعالى -: ((فاستبقوا الخيرات)) المائدة: 48 والعيد من أعظم الخيرات وقد بوب البخاري في صحيحه باب التبكير إلى العيد ثم ذكر حديث البراء - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال: \"إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي.. \" الحديث قال الحافظ ابن حجر: (هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل شيء غيرها، فاقتضى ذلك التبكير إليها) والذي رجحه المحققون من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره أن صلاة العيد واجبة ولا تسقط إلا بعذر، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيض، ويعتزل الحيض المصلى. لحديث أم عطية: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين \" رواه البخاري ومسلم.

ثامنا: المشي إلى المصلى: عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - قال. \"من السنة أن يأتي العيد ماشيا\" رواه الترمذي وحسنه وقال: والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل ماشيا.. ) قال ابن المنذر- رحمه الله -: (المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شيء على من ركب).

تاسعا: التهنئة بالعيد: لا بأس بالتهنئة بالعيد؟ كقول: (تقبل الله منا ومنك) لما ورد عن جبير بن نفير قال: (كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك).

عاشرا: مخالفة الطريق: لما روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: \"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق \" قال ابن القيم - رحمه الله -: (وكان - صلى الله عليه وسلم - يخرج ماشيا، وكان - صلى الله عليه وسلم - يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب من طريق ويرجع من آخر قيل ليسلم على أهل الطريقين، وقيل لينال بركته الفريقان، وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة ا لإسلام وأهله، وقيام شعائره، وقيل لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطواته ترفع درجة وتحط خطيئة، حتى يرجع إلى منزله، وقيل وهو الأصح إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله منها).

الحادي عشر: اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد: إذا اجتمعا في يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد، لحديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \" اجتمع في يومكم هذا عيدان؟ فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون \" رواه أبو داود لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء، ومن لم يشهد العيد، وتجب على الصحيح من أقوال العلماء صلاة الظهر على من تخلف عن الجمعة لحضوره العيد، والأولى أن يصلي العيد والجمعة طلبا للفضيلة، وتحصيلا لأجريهما.

الثاني عشر: مخالفات في أيام العيد:

هناك بعض المخالفات يقع فيها بعض المسلمين في ليالي العيد وأيامه هذه بعضها:

1- التكبير الجماعي بصوت واحد، أو الترديد خلف شخص يقول: \"الله أكبر\" أو إحداث صيغ للتكبير غير مشروعة.

2- اعتقاد مشروعية إحياء ليلة العيد ويتناقلون أحاديث لا تصح.

3- تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والسلام على الأموات.

4- اختلاط النساء بالرجال في بعض المصليات والشوارع والمنتزهات.

5- بعض الناس يجتمعون في العيد على الغناء واللهو والعبث وهذا لا يجوز.

6- كثرة تبرج النساء، وعدم تحجبهن وحري بالمسلمة المحافظة على شرفها وعفتها أن تحتشم، وتستر، لأن عزها وشرفها في دينها وعفتها.

7- خروج النساء لصلاة العيد متزينات متعطرات وهذا لا يجوز.

8- الإغراق في المباحات من لبس وأكل وشرب حتى تجاوزوا الأمر إلى الإسراف في ذلك، قال - تعالى -: ((وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)) الأعراف: 31.

9- البعض يظهر عليه الفرح بالعيد لأن شهر رمضان انتهى وتخلص من العبادة فيه، وكأنها حمل ثقيل على ظهره، وهذا على خطر عظيم.

10- بعض الناس يتهاون في أداء صلاة العيد، ويحرم نفسه الأجر فلا يشهد الصلاة، ودعاء المسلمين وقد يكون المانع من حضوره سهره الطويل.

11- بعض الناس أصبح يحي ليالي العيد وأيامه بأذية المسلمين في أعراضهم، فتجده يتابع عورات المسلمين ويصطاد في الماء العكر، وسيلته في ذلك سماعة الهاتف، أو الأسواق التي أصبحت تعج بالنساء، وهن في كامل زينتهن فتنهدم بيوت عامرة، وتتشتت أسر مجتمعه، وتنقلب الحياة جحيما لا يطاق، بعد أن كانت آمنة مستقرة! !.

12- هناك من يجعل العيد فرصة له لمضاعفة كسبه الخبيث، وذلك بالغش والخديعة، والكذب والاحتيال، وأكل أموا ل الناس بالباطل، وكأنه لا رقيب عليه ولا حسيب، فتجده لا يتورع عن بيع ما حرم الله من المأكل والمشروبات، والملهيات، ووسائل هدم البيوت والمجتمعات.

13- من الملاحظات التي تتكرر في مناسبات الأعياد وليالي رمضان، عبث الأطفال والمراهقين بالألعاب النارية، التي تؤذي المصلين، وتروع الآمنين، وكم جرت من مصائب وحوادث!! فهذا أصيب في عينه، وذاك في رأسه والناس في غفلة من هذا الأمر.

وأخيرا قد قيل: من أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها، إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها، والمجتمع السعيد الصالح هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكا متعاونا متراحما تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء.

أسأل الله - تعالى - أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات، وأعاد علينا وعلى أمة الإسلام هذا الشهر بالقبول والغفران، والصحة والسلام، والأمن والأمان، وعز الإسلام وارتفاع راية الدين ودحر أعداء الملة والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply