أمتنا والعيد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يأتي هذا العيد وأمتنا تمر بمرحلة مخاض عصيبة، وتخوض معركة مصيرية كبرىº معركة تأكيد الهوية، وتحديد المرجعية، فقد بدأت شعوب المنطقة تستيقظ من سباتها العميق، وتفوق من غيبوبتها الطويلة، وهذا ما يزعج أعداء الأمة في الداخل والخارج، وما تكالبهم وتناديهم على ضرب الأمة ضربات موجعة في كثير من أطرافها، وإلصاق التهم جزافا بدينها، ومحاولاتهم الجادة لتشويهه والنيل منه إلا دلالة واضحة على أن المارد قد استيقظ، وأن الجنين الذي يتحرك في أحشاء التاريخ قد أزفت ولادته، وأوشك خروجه، فهم يحاولون بكل جد قتله قبل أن يستوي قائما، أو إعادته لأيام الخدر والنوم، وأنى لهم؟!: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).

 

إن هذه الصحوة المباركة التي انتظمت العالم الإسلامي وألقت بظلالها على العالم غير الإسلامي هي قدر من أقدار الله - تعالى- في مداولة قيادة البشرية: (وتلك الأيام نداولها بين الناس). وإن كانت لا تزال في مرحلة طفولتها ويختلط بها كثير من الخبث تحتاج إلى نفيه والتخلص منه، وقد يستغرق ذلك وقتا وجهدا وتضحيات، وهو أمر لا بد منه، حتى تكون هذه الأمة بالمحل الذي تستحق به أن تكون شاهدة على الناس في جميع مناحي الحياة، وأن تتولى قيادة البشرية بجدارة واقتدارº منطلقة من تصور صحيح عن الإله والكون والحياة، وقد ملكت أسباب التمكين العلمي والمادي.

 

لقد تحققت كثير من الآمال، وأُحييت كثير من السنن، فعلى مستوى الفهم اتضح لدى قطاعات كبيرة من الناس شمولية الإسلامº إن الإسلام دين شامل زمانا ومكانا وإنساناº صالح بل ومصلح لكل زمان ومكان، ويخاطب الإنسان بمجموعهº فلا يدع جانبا من جوانب الحياة بغير توجيه وإرشاد، فالإسلام شريعة وشعيرة، وصلاة وسياسة، ومصحف وسيف، وقانون وأخلاق، ودين ودنيا، كل من عند الله وبالله ولله: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) . أما على مستوى العمل فهناك محاولات جادة لترجمة ذلك الفهم إلى واقع معاش، وظهر ذلك فيما يسمى بالبدائل الإسلامية في قطاعات القانون والحكم والاقتصاد والأدب والعلاقات الاجتماعية، وظهر الإحساس بالهم الواحد، وأن المسلمين أمة واحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، وترجم ذلك في مواقف الشعوب وبعض الحكومات تجاه قضايا فلسطين والبوسنة وكسوفو وكشمير والقرن الأفريقي، والشيشان وغيرها، وإن كان التجاوب ليس على المستوى المطلوب، لكنه يمثل شعورا بالهم وإحساسا بالمعاناة، فظهرت الجمعيات الخيرية الإسلامية في مقابل الجمعيات الخيرية التنصيرية، وتحرك الموسرون لنصرة إخوانهم بالمال ونحوه، وشغلت قضية الإسلام والمسلمين جانبا من هموم الساسة في المحافل الدولية والإقليمية والمحلية على نحو متفاوت سلبا أو إيجابا لكنه يدل على الشعور بأن للمسلمين قضية ينبغي أن تطرح، وينبغي أن يُستمع لهم.

 

ومع ذلك نجد خللا كبيرا في الفهم والسلوك يحتاج إلى معالجة سواء على مستوى الأفراد، أو على مستوى المؤسسات الرسمية والشعبية، إننا بحاجة ماسة إلى قيادات واعية ومخلصة وقادرة على إخراج الأمة من كبوتها وتخلفها والسير بها في حكمة وحنكة وقوة، نحن بحاجة إلى القوي الأمين، إلى أولي الأيدي والأبصار، إلى أصحاب البسطة في العلم والجسم، لتحقيق آمال الأمة على جميع الأصعدة.

 

وإن ما ينفق من الأموال والجهود على المؤسسات الرقابية والأمنية والعقابية وهو كثير ومهول لو أنفق معشاره على المؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية لتقوم بتربية الأمة فكريا وعقديا وأخلاقيا، وبشكل متناغم مع ثوابت الأمة وتطلعاتها إلى مقام الأستاذية على العالم، لتحقق المطلوب مع أقل تكلفة.

 

وفي العيد فرصة للتسامح والتغافر بين أفراد المجتمع، فينبغي أن يكون فرصة كبرى لتحقيق ذلك على مستوى الشعوب والحكومات، إننا بحاجة ملحة لرفع أسباب النفرة والفرقة بين الشعوب الإسلامية سواء على مستوى القطر الواحد قبليا أو جغرافيا، أو على مستوى الأقطار الإسلامية.

 

إن طاقات جبارة، وأرواحا بشرية معصومة، وأموالا هائلة عزيزة تذهب في الفتن والصراعات والبطولات الفارغة، والأمة يأكل بعضها بعضا، وتستجيب ـ وبكل غباء أحيانا ـ لإرادة أعدائها في تفريقها وإضعافها، حتى تكون لقمة سهلة البلع والهضم.

 

إن ديننا يحوي من عناصر الاجتماع والتوحد مالا يوجد مثله في غيره من المذاهب، فالخالق واحد والمعبود واحد والقبلة واحدة والشرعة واحدة، مع ما يتضمنه من إيجاب الاجتماع والائتلاف، ونبذ الفرقة والاختلاف إلى درجة أن جعل الأخير من شيم أهل الكفر الذين تجب براءة الرسول منهم(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء).

 

ينبغي ردم الهوة السحيقة بين الشعوب وقياداتها، وبسط الثقة بين الطرفين، ومد جسور التفاهم والتعاون، وأن تكون هذه القيادات إفرازا طبيعيا لشعوبها، واستجابة حقيقية لرغباتها وتطلعاتها، وترجمة صادقة لما تضمره الأمة من فكر وعقيدة، إن القائد أجير لدى الأمة يحترم إرادتها، ويقدر اختيارها، ويجب عليها أن تحفظ له حق الطاعة علانية وخفية، في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، فتجتمع الكلمة وتتراص الصفوف، ويحصل الوئام وييأس الأعداء، وتنطلق الأمة لتحقيق دورها الحضاري والريادي في العالم (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)..

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply