أقبلت الإجازة... فكيف نقضيها ؟


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

   

 ما إن ينته موسم الامتحانات ومعه العام الدراسي حتى تتنفس الأسرة العربية الصعداء من عبء المذاكرة والدروس الخصوصية والطوارئ والتوتر العصبي، لكن سرعان ما تنتبه الأسرة أن الإجازة الصيفية نفسها أصبحت همًا وعبئًا يجب التخطيط له والاهتمام به، فالأطفال والشباب الذين أنهوا العالم الدراسي يريدون أن يتمتعوا بالإجازة كما يحلو لهم.

فمنهم من يعد العدة للاستفادة من الإجازة أكبر فائدة ممكنة،ومنهم من يضيع أوقاته دون اهتمامº بل دون إدراك منه أن الله محاسبه على هذا الوقت من عمره يوم القيامة.

لنتعرف على بعض اهتمامات الشباب من خلال هذا التحقيق:

(مدحت راضي) - طالب بالمرحلة الثانوية ويستعد لامتحانات الثانوية العامة يقول: إنني أتمنى الانتهاء من الامتحانات حتى أتفرغ للإجازة، ففيها أنام كما يحلو لي، ولا أستيقظ إلا عند الظهر، وأسهر حتى الفجر مع زملائي وأصدقائي في النادي، أو عند أحدنا نتسامر ونسهر، فالصيف بالنسبة لي هو الحرية والتحرر من أعباء المذاكرة ولا أقوم بأي شي سوى اللهو والاستمتاع.

أما (سالم  زهران) طالب بالمرحلة الجامعيةº فيقول: إنني أنتمي إلى أسرة ريفية، وبمجرد أن تنتهي الامتحانات حتى أبد العمل في الحقل مع والدي وإخوتي توفيرًا لنفقات استئجار عمال زراعيين، كما نقوم برعاية المواشي فهي مصدر دخلنا الأساسي، ونتيجة لذلكº فالإجازات كلها لدينا عمل، نبذل جهداً كبيرًا، لكننا نستمتع بهاº لأنه يتخللها بعض الفراغ نقضيه مع الأهل والأصدقاء والأقارب، ونحضر الأفراح والمناسبات الاجتماعية.

بينما يقول (رضا ثروت) الطالب بكلية الحقوق: إن والده لديه ورشة لصناعة وتصليح الأحذية، وإن الإجازة لديه تعني الانهماك الكامل في أمور الورشة، وتخفيف العبء عن والده الذي كبر سنه، ووهنت صحته لدرجة أن العطلات الأسبوعية وغيرها أثناء العام الدراسي أفتح فيها الورشة وأساعد والدي .

ويضيف (رضا) أنه ليس لديه وقت للفسحة والذهاب للمصيفº لأن ذلك يحتاج لتكاليف لا يقدر عليها كما سيتأثر دخل الأسرة.

ويؤكد رضا: منذ صغري لا أعرف غير العمل والتعب وتحمل المشاق.

أما (أحمد سويلم) الطالب بالمرحلة الثانوية التجاريةº فيقول: إن والده يعمل عاملاً باليومية، وليس له معاش أو تأمين صحي، ولا دخل ثابت، فالأسرة تعيش في ضيق ماديº ولذلك أعمل بالأجر طيلة الإجازةº لتوفير نفقات الدراسة، ولمساعدة والدي في الإنفاق على الأسرة وتربية إخوتي الصغار، أما اللعب واللهو فلا دخل لي به ولا أعرفه، إنني أقضي الإجازة كلها في العمل، إضافة إلى أول شهر من الدراسة فالعمل أصبح عندي أهم من الدراسة.

 

 

الآباء يتكلمون

 

المهندس (عيسى عبد الباسط) لديه ثلاثة أبناء ذكور أكبرهم في المرحلة الإعدادية والآخران في المرحلة الابتدائية.

يقول: إنني أحمل هم الإجازة كثيرًا لأن فراغ الأبناء أثقل على قلبي من انشغالهم بالدراسة، ولذلك فقد اشتريت جهاز كمبيوترº كي يقضي الأبناء بعض الوقت عليه لمشاهدة بعض الأفلام التي اخترتها بعناية مع بعض الأناشيد الإسلامية وكذلك الكتب والدروس والمناظرات الدينية والثقافية، التي تعمق الوعي، وتنمي المعرفة، كذلك أحرص على تزويد مكتبة الأسرة بالكتب العلمية والثقافية والقصص وكتب التاريخ لنفس الغرض.

أما عن طفولته وصباه وكيف كان يقضي الإجازةº فيقول المهندس (عيسى): في الطفولة وحتى المرحلة الابتدائية كانت الإجازة كلها لهو ولعب وعدم تحمل أي أعباء، أو القيام بأية أعمال، أما في مرحلة المراهقة والصبا فكنا نقضي الإجازة في الأعمال الزراعية المختلفة والعمل في الحقل.

بينما يقول دكتور (سالم الغول) -طبيب صيدلي-: إنه قضى إجازات الطفولة والصبا والشباب في الاستمتاع باللعب والسهر مع الأصدقاء، والهروب من الأعمال المنزلية، لدرجة أن أهلي كانوا يبحثون عني لأتناول طعام الغداء فلا يجدوني، وكنت في الشباب كثير السهر مع زملائي، ولم أكن أعود للمنزل إلا عند الفجر وكان والدي يطلب مني مساعدته، ولكني كنت أتهرب، لذلك فأنا حريص على معالجة ما أخطأت فيه في صغري، ولذلك أحاول تنظيم وقت الأبناء فبجوارنا نادٍ, رياضي يشترك فيه الأبناء، فيخرجون من العاشرة صباحًا ويعودون في الثالثة بعد الظهر ثم نتناول جميعًا الغذاء، ثم ينام الأبناء بعض الوقت، وفي المساء ينشغل الجميع إما بقراءة الجرائد والمجلات أو الاستماع إلى أشرطة الكاسيت والفيديو المسجل عليها أموراً نافعة، وأقوم بفحصها والتأكد منها حتى لا تتسرب أمور غير مرغوبة، وأقوم بتوجيه الأبناء لحضور بعض الدروس في المساجد والمراكز الثقافية، وأيضا نحاول قدر الإمكان الخروج في رحلات خلوية معًا، وكذلك نزور الأقارب وندعوهم لزيارتنا.

أما (سعيد درويش) محاسب بإحدى الشركات الكبرىº فيقول: إننا نبالغ هذه الأيام في رعاية أبنائنا، وتقديم كل أشكال الراحة والترفيه لهم، فلا وجه للمقارنة بين طفولتنا وطفولتهم، ومع ذلك فقد حققنا برغم المعوقات نجاحات كثيرة، وكانت مستوياتنا الدراسية أعلى من أبنائنا الآن، ويضيف (سعيد درويش) أن أسرتنا تستعد للمصيف منذ فترة لدرجة أنه يكلفنا مبالغ كبيرة فأحيانا نصطاف في مكانين مختلفين ونصطحب أولادنا معنا، ونقضي شهرًا من الإجازة في القرية، حيث منزل الأسرة الكبير والقديم وقبل بداية العام الدراسي نبدأ في الدروس الخصوصية للأبناء حتى ننتهي منها قبل الامتحانات بوقت كاف.

 

 

الترفيه الهادف

 

يقول دكتور (مسعد سيد عويس) أستاذ التربية والرئيس السابق لجهاز الرياضة: إن للإجازة والترفيه دور مهم وخطير في نفسية الطالب، ويجب الاستمتاع بها تمامًا، وأن يُغسل الطالب من هموم الدراسة وضغوطها النفسية والعصبية، ويحصل على أكبر قدر ممكن من الراحة، وللترفيه مدارس واتجاهات، ونحن نفضل الترفيه الهادف ولا نقصد به منع الأطفال من اللعبº بل تكون الأمور متوازنة، أي: يكون هناك وقت للعب، ووقت لزيارة الآثار وتنمية الملكات التاريخية والجغرافية، ثم المسابقات والأنشطة الرياضية، ونحن نفضل أن يشترك الطالب في الإجازة في المسابقات الرياضية والثقافية، وفي الرحلات والمعسكرات التي تنظمها الجهات المسؤولةº لأن ذلك سيفتح نظره على عوالم جديدة، ويكتسب صداقات جديدة، ويتعلم التعاون وحب الغير، وكذلك يتعلم معنى التنافس والمنافسة سواء في مسابقة رياضية أو ثقافية تدفعه إلى القراءة والتثقيف.

ويضيف د. مسعد عويس أن اشتراك الشباب في المعسكرات التي تجوب القطر أمر هام، ويجب الحرص عليه، لاسيما إن وجد من يحسن القيام عليها وتنظيمها بشكل جيد، بعيدًا عن الابتذال والخروج عن الآداب العامة.

 

 

الاستمتاع بالإجازة

 

أما دكتور (سليمان عزت) أستاذ التربية والمناهجº فيقول: إننا لا ننادي بشروط قياسية يجب توافرها لقضاء الإجازة، وإنما الأمر متروك لكل أسرة حسب طبيعتها وإمكانيتها، فمثلا لا أقول: يجب على كل أسرة أن تذهب إلى المصيف في حين أن هناك أسر كثيرة فقيرة، ولا تستطيع تدبير نفقات المصيف، وإنما هذه الأسر الفقيرة لابد أن لديها وسائل فعالة لقضاء الإجازةº فالمدارس تقيم مواسم صيفية ومسابقات يمكن الاشتراك فيها، والمساجد الكبرى تقيم مسابقات ودروس لتحفيظ القران يمكن الاشتراك فيها، والنوادي الرياضية ومراكز الشباب توجد بها العديد من الأنشطة الرياضية المجانية، وهناك المعسكرات الصيفية وفرق الكشافة، وهناك الأنشطة الثقافية والمكتبات، وهذه كلها أمور ونشاطات مجانية يمكن الاستفادة منها.

أما الذين يقضون الإجازة في الاستعداد للعام الدراسي المقبلº فهذا مجهود إضافي وتكلف ضرره أكبر من نفعه.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply