فضل شهر المحرم وصوم عاشوراء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن الله جعل لنا مواسم للخيرات، يزداد فيها المؤمن إيمانًا، ويتوب فيها العاصي إلى الله توبة صادقة، فالسعيد من اغتنم هذه المواسم المباركة بفعل الطاعات، والشقي من حرم نفسه خيرها، ومن هذه المواسم المباركة شهر المحرم، فنقول وبالله التوفيق:

 

لطائف المعارف حول شهر المحرم:

شهر المحرم هو أحد الأشهر الحُرم التي قال الله - تعالى -عنها في كتابه العزيز:

إِنَّ عِدَّةَ الشٌّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلاَ تَظلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم [التوبة: 36].

عن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثٌ متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان». [البخاري ح4662، ومسلم ح1679]

وذهب بعض أهل العلم إلى أن أفضل الأشهر الحرم هو شهر المحرم.

قال الحسن البصري: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة، بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يُسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه. [لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص79]

قال أبو عثمان النهدي: كانوا - أي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم. [لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص80]

ومن فضائل شهر المحرم أن الله نجى فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟ ». قالوا: يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه». [البخاري ح2004]

 

فضل الصيام في شهر المحرم:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل». [مسلم ح1163]

قال الإمام النووي - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث: فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم. [صحيح مسلم بشرح النووي 4/312]

وقال الإمام ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث أيضًا: سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله - تعالى -لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمدًا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته ونسب إليه بيته وناقته. [لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص81]

وانطلاقًا من هذا الحديث فإن أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في شهر المحرم هو الصيام، فينبغي لكل مسلم أن يكثر من صيام التطوع فيه ولتتذكر أن الصوم له فضله وثوابه العظيم عند الله - تعالى -:

1- عن سهل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد». [البخاري ح1896، ومسلم ح1152]

2- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا». [البخاري ح2840، ومسلم ح1153]

3- عن أبي أمامة الباهلي قال: قلت: يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله به، قال: «عليك بالصيام فإنه لا مثل له». [صحيح النسائي: 8902] فضل صوم يوم عاشوراء:

إن صوم عاشوراء (هو اليوم العاشر من المحرم)، له فضل عظيم عند الله، فعلى كل مسلم أن يغتنم صومه خالصًا لله وحده رجاء أن يغفر الله له ذنوب السنة الماضية.

عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: «يكفر السنة الماضية». [مسلم كتاب الصيام ح197]

فانظر أخي الكريم إلى هذا الفضل الجزيل من رب كريم واغتنم هذه الفرصة المباركة ولا تجعل هذا اليوم يمر عليك دون أن تصومه إلا إذا كنت صاحب عذر شرعي كمرض أو كبر سن أو غير ذلك، ولكن عليك أن تنوي صيام عاشوراء.

لقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على صوم يوم عاشوراء وإرشاد أمته إلى صيام ذلك اليوم المبارك لتنال هذه المغفرة الربانية الكريمة وذلك من خلال أحاديث كثيرة منها:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان». [البخاري ح2006، ومسلم ح1132]

عن عطاء أنه سمع ابن عباس - رضي الله عنه - يقول في عاشوراء: «خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر». [صحيح: مصنف عبد الرزاق 4/287]

وينبغي لكل منا أن يدعو أهل بيته وجيرانه وأصدقاءه لصوم يوم عاشوراء إحياءً لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

حث الأطفال على صوم عاشوراء:

ينبغي أن يعتاد أطفالنا الصغار فعل الخيرات منذ نعومة أظفارهم واتباع سنة نبين - صلى الله عليه وسلم -، ولذا علينا أن نعرفهم فضل صوم يوم عاشوراء ونشجعهم على صيامه، وذلك بأن نعطيهم بعض الهدايا أو القليل من المال، ولنتذكر دائمًا أن التربية الصحيحة في سن الطفولة لها أثر كبير في حياة الإنسان.

عن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - قالت: «أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم». قالت: فكنا نصومه بعد ونُصَوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [البخاري ح196، ومسلم ح1136]

أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في صوم عاشوراء:

كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في صيام عاشوراء أربعة أحوال وهي:

الحالة الأولى: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم عاشوراء بمكة قبل هجرته إلى المدينة، ولم يأمر أحدًا من المسلمين بصيامه.

الحالة الثانية: لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ورأى صيام أهل الكتاب لعاشوراء وتعظيمهم له، صامه وأمر المسلمين بصيامه وأكد الأمر بصيامه.

الحالة الثالثة: لما فرض الله صوم رمضان على المسلمين ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء.

روى مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن يُفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه». [مسلم ح1126]

الحالة الرابعة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عزم في آخر حياته على أن لا يصوم يوم عاشوراء مفردًا، بل يضم إليه يومًا آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه. [لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص102- 108]

عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - يقولا: حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع». قال: فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. [مسلم ح1134]

 

مراتب صوم يوم عاشوراء:

ذكر بعض أهل العلم أن يوم عاشوراء على ثلاث مراتب وهي:

المرتبة الأولى: صيام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذه أكمل المراتب وأفضلها.

المرتبة الثانية: صيام يوم التاسع والعاشر، وهذه المرتبة أقل في الفضل من المرتبة الأولى.

المرتبة الثالثة: صيام اليوم العاشر فقط، وهذه أدنى المراتب الثلاث. [زاد المعاد 2/76، وفتح الباري 4/289]

التحذير من الابتداع في الدين:

إن جهل الكثير من الناس بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلهم يبتدعون في دين الله ما ليس منه، ومن المعلوم أن الله قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، ولا يجوز لنا أن نبتدع شيئًا في دين الله ليس من الشرع في شيء، قال - تعالى -: اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا [المائدة: 3]، وقال - سبحانه -: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا [الحشر: 7].

وقد حذرنا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من الابتداع في الدين.

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». [البخاري ح2697، ومسلم ح1718]

عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة». [مسلم ح867]

قال الإمام الشاطبي: البدعة: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشريعة، يقصد منها المبالغة في التعبد لله - سبحانه -. [الاعتصام للشاطبي 1/28]

قال الإمام مالك بن أنس: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة، لأن الله - تعالى -يقول: اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا [المائدة: 4]، فما لم يكن يومئذ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا. [الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 6/225]

 

بدع يوم عاشوراء:

لقد أحدث بعض الناس في يوم عاشوراء كثيرًا من البدع، معتمدين على أحاديث مكذوبة وموضوعة أو أحاديث ضعيفة جدًا لا قيمة لها عند أهل العلم بالحديث، ويمكن أن نجمل بدع عاشوراء فيما يلي:

1- اعتبار يوم عاشوراء عيدًا من أعياد الإسلام، وهذا تشبه باليهود لأنهم يتخذون يوم عاشوراء عيدًا لهم، وقد أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نخالف أهل الكتاب في أعيادهم.

2- التوسعة على الأهل والأبناء في ذلك اليوم وصُنع أطعمة خاصة بهذا اليوم.

3- الاغتسال والاكتحال في هذا اليوم خاصة.

4- قيام الناس بأداء صلاة بهيئة مخصوصة ليلة يوم عاشوراء.

5- الطواف بالبخور على المنازل والمحالات التماسًا للبركة في هذا اليوم.

6- قيام بعض الجهال برقية الأطفال بكلمات ساقطة أمام آبائهم وأمهاتهم اعتقادًا منهم أن هذه الرقية وقاية للأطفال من الحسد إلى العام القادم.

7- قيام الشيعة بإظهار الحزن بالبكاء ولطم الخدود، وانتشاد المراثي، وسب الصحابة الكرام ولعنهم في يوم عاشوراء حيث قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما - في ذلك اليوم. [الإبداع في مضار الابتداع ص269/272، السنن والمبتدعات ص118/119]

مع أنهم لا يفعلون شيئًا من ذلك في يوم مقتل أبيه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

أحاديث مكذوبة في فضل المحرم وعاشوراء:

اعلم أخي الكريم أن بعض الكذابين والجاهلين وضعوا أحاديث في فضل شهر المحرم وصوم يوم عاشوراء ونسبوها كذبًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن هذه الأحاديث ما يلي:

1- من أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله - تعالى -بمثل عبادة أهل السماوات، ومن صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد لله مرة، وخمسين مرة قل هو الله أحد، غفر الله له ذنوب خمسين عامًا مستقبلة، وبُنيَّ له في الملأ الأعلى ألف ألف منبر من نور.

2- من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي عشر مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات، فإذا سلم استغفر سبعين مرة، أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء فيها بيت من زمردة خضراء، سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات، وفي ذلك البيت سرير من نور، قوائم السرير من العنبر الأشهب، على ذلك السرير ألف فراش من الزعفران.

3- من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة.

4- من صام تسعة أيام من أول المحرم بنى الله له قبة في الهواء ميلاً في ميل لها أربعة أبواب.

5- من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف مَلَك.

6- من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته.

7- من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدًا.

8- إن الصرد أول طير صام عاشوراء.

انظر: [الموضوعات لابن الجوزي واللالئ المصنوعة والفوائد المجموعة]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply