كيف تربح العشر الأوائل من ذي الحجة؟ (2-5)


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

اختبر نيتك... وجدد العهد الصادق مع الله

إلى مَن اشتاقت قلوبهم لخطوات على أرض النبوة ولم يستطيعوا، نذكِّرهُم وإن لم يُحُجٌّوا بواجباتِ مَن لم يَحُجّ.

 

أولاً: اختبار النية:

نعم لا بُدَّ من اختبار نيتك، والنجاح في هذا الاختبار هو رغبتك وشوقك وعزمك، لا إلى جاه أو سفر أو أداء واجب أو تمتع برؤية أماكن. وهيا ننظر إلى هذه الحادثة لندرك كيف تنضبط النِّيَّات؟

وقف رجل ينظر إلى وفد الحجيج وهو غير مستطيع أن يصاحبهم فجعل يبكي، فقال له أحد الصالحين: "هذه حسرةُ من انقطع عن الوصول إلى البيت، فكيف بحسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت؟".

يا سائرينَ إلى الحبيبِ تَرَفَّقُوا  * * * فالقلبُ بينَ رِحَالِكُم خَلَّفتُهُ

مَا لِي سِوَى قَلبِي وفيكم وجِيبُه * * * ما لي سوى دَمعِي وفيكم سَكَبتُهُ

 

ثانياً: أن تطلب الدعاء من الحجيج:

فقد رُوِيَ عَن عُمَرَ أَنَّهُ استَأذَنَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي العُمرَةِ، فَقَالَ: "أَي أُخَيَّ: أَشرِكنَا فِي دُعَائِكَ وَلا تَنسَنَا"(رواه الترمذي).

وأنه قال: "اللَّهُم اغفِر لِلحَاجِّ، وَلِمَن دَعَا لِلحَاجِّ"(رواه البيهقي في شعب الإيمان).

وسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً في الطواف يقول: "اللهم اغفر لفلان ابن فلان"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من هذا؟ " قال: "رجل حملني أن أدعو له بين الركن والمقام"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "قد غُفِرَ لصاحبك".

ألا قُل لِزُوَّارِ دَارِ الحَبِيبِ هنيئاً * * * لكم في الجِنَانِ وفي الخُلُودِ

أفيضوا علينا الماءَ فيضاً  * * *  فنحنُ عِطَاشُ وأَنتُم وُرُودُ

والحاج مستجاب الدعوة فهو مسافر ودعوة المسافر مستجابة، وقد عَدَّ العلماء خمسة عشر موضعاً في الحرم يستجاب عندها الدعاء.

وهو سيقف في عرفات حيث تنهمر الرَّحَمَات، ويتجلَّى الكريم -سبحانه- ويغفر لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

ثالثاً: الذِّكرُ عبادةُ هذه الأيامِ:

الطابع العام لسلوكيات الحاج في الأراضي المقدسة هو الذكر والاستغفار، ولا زالت ألسنتهم تَلهَجُ بالتَّلبية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك".

ويناديهم ربهم عند الإفاضة ويذكِّرهم: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}(199)(البقرة).

فإذا وقع احتمال أن تشغلهم العودة إلى أهليهم عن ذكر الله، يقول لهم: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق}(البقرة:200).

وفي مِنَى حيث أيام التشريق ورمي الجمار، لا عمل للحجاج فيها إلا الذكر، قال -تعالى-: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى}" {واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون}(البقرة:203).

فاذكر اللهَ مع الحاجِّ إذا طاف، واذكر اللهَ مع الحاجِّ إذا سعى، واذكر الله مع الحاجِّ حين يقف على عرفات، واذكر الله مع الحاجِّ حين يفيض من عرفات، واذكر اللهَ مع الحاجِّ حين يَبِيت في مِنَى.

يقول ذو النون المصري: "ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا الآخرة إلا بعفوه، ولا الجنة إلا برؤية وجهه".

اذكروا وتذكَّروا وتفكَّروا..

ومع ذكر الله يتذكر العبد موقع دينه وشريعته بين الأمم:

هل تَحَسَّستَ مع الحجيج أقدام الوحي الأولى تتنزل بأول ما نزل من القرآن {اقرأ باسم ربك الذي خلق}(1)(العلق)

وهل رأيت تلك الخطوات وهي ذاهبة مودِّعَة، بعد أن تلت على الأمة آخر ما نزل من الآيات {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم}(3)(المائدة).

 

ثم هل استشعرت ما حدث بين اقرأ وأكملت لكم؟

نريد بيعة العقبة:

هل تدري يا صاحبي أين كانت بيعة العقبة؟ تلك البيعة التي لا يوازيها عند أصحابها فضل (حضور بدر)؟ إنها كانت في وادي منى، حيث يبيت الحجيج.

تفكَّر يا أخي ماذا فعلت تلك البيعة للإسلام؟! لقد غَيَّرَت وجهَ التاريخ حيث بايع الأنصار الاثنين والسبعين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمكَّنت هذه البيعة المسلمين من الهجرة إلى المدينة، حيث انطلاقة الإسلام الكبرى.

ألا ترى معي يا أخي أننا نريد عقبة جديدة، وبيعة جديدة نعبر بها العقبة؟!

إننا في حاجة إلى عهود صادقة نبني بها أجيالنا الجديدة على الرغبة في العزة والرفعة.

لسانٌ واحدٌ وقلبٌ واحدٌ:

ألا تتفكر يا أخي في أن هذا الجمع المحتشد على اختلاف أجناسه وألوانه وألسنته يُلَبِّي بلسان واحد (لبيك اللهم لبيك)، ويستغفر بلسان واحد، ويحمد بلسان واحد! ثم ألا تستشعره يرجو ربه بقلب واحد، ويخافه بقلب واحد، ويحبه بقلب واحد؟ إن هذا اللسان الواحد والقلب الواحد يجتمع على مناسك واحدة هناك في أرض الله الحرام، فكن معهم بلسانك وقلبك، ورغباتك وأشواقك، ومَهِّدِ الطريق للألفة مع المؤمنين من حولك، وأصلح كلَّ ما بينك وبين المسلمين من خلاف وحقد وبغضاء وحسد فلا يعقل في هذه الأيام المباركة أن تختلفوا وأنتم تُلَبٌّون بلسان واحد، وتشتاقون بقلب واحد.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply