مواقف تربوية من حجة الوداع


بسم الله الرحمن الرحيم

 

خدمة الحجاج والرفق بهم طريق إلى مرضاة الله وقلوب الناس:

 

كان لابن حجر - رحمه الله - في شرحه لكتاب الحج في صحيح البخاري وقفات مع فوائد عظيمة من مواقف للنبي - صلى الله عليه و سلم -، أشعر بأن المسلمين لو درسوها ونشروها لكان للحج طعم آخر تظهر فيه كل معاني الإسلام العظيم، لذلك جمعتها فيما يلي:

 

1 - الرفق في النهي عن المنكر والبعد عن التوبيخ:

"كان الفضل رديف النبي - صلى الله عليه و سلم - فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي - صلى الله عليه و سلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر"، فهكذا لم يوبخ النبي - صلى الله عليه و سلم - الفضل، ولكن نهاه عن النظر إلى الأجنبيات بطريقة عملية.

 

2 - ألا يشق المسلم على نفسه فيوجب عليها الحج ماشياً مثلاً:

قال مجاهد: كانوا لا يركبون فأنزل الله يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر (الحج: 27).

وقد يكون صحيحاً أن الأجر على قدر المشقة، لكن قد تكون هذه المشقة سبباً في عدم إكمال المناسك، وقد تستفرغ طاقة الحاج فلا يقوى بعد ذلك على الذكر والدعاء.

 

3 لما سُئل النبي - صلى الله عليه و سلم - عن أفضل الأعمال ذكر "إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيل الله وحج مبرور".

والمبرور أي الذي به طاعات، وليس فيه معاصٍ,، وخدمة الحجاج والرفق بهم ومعاونتهم وقضاء حوائجهم، كل ذلك من الطاعات، وقد يكون في التعاون مع الناس وحسن التعامل معهم من الصدقات ما يكفر خطايا العبد.

 

4 - البعد عن إيذاء الحجاج بالقول أو الفعل الذي يقدح في الحج قال صلى الله عليه وسلم:"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

والفسق هو السيئات والمعاصي لأنها خروج عن طاعة الله، أليست الحدة مع الناس ومعاملتهم بالسوء من المعاصي التي تخرج العبد من الطاعة، قال - تعالى -: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (البقرة:197)، إلا جدالاً يناقش قضايا علمية بصورة طيبة.

 

5 - لا تؤذِ الحجاج بسؤالهم مالاً وأنت غير محتاج أو مقصر في إعداد الزاد.

"كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى (البقرة)، قالوا في التفسير: تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك.

 

6 - نشر العلم وإجابة أسئلة الناس بما يناسبهم:

لما سُئل النبي - صلى الله عليه و سلم - عمَّا يلبس المحرم؟ لم يجب عما يلبس، ولكنه أجاب عما لا يلبس لأنه أخصر وأقصر، فقال: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل الكعبين.

وما أجمل أن يقوم المثقفون بدراسة الحج دراسة جيدة حتى ينفذوا الحج كما فعله النبي - صلى الله عليه و سلم - ولينشروا آدابه بين الحجيج.

 

7 - إركاب الماشي خاصة المتعب والذي لن يضيرك إركابه:

كان أسامة بن زيد ردف النبي - صلى الله عليه و سلم - من عرفه إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، ويدخل في ذلك التوسعة على الركاب، وعدم رفع الصوت أثناء الحديث حتى لا ينزعجوا، كما يحدث في الحافلات العامة.

 

8 التخفيف ومواساة من أصابه ما يكره:

لما رأى النبي - صلى الله عليه و سلم - عائشة تبكى سألها: ما يبكيك... قالت: لا أصلي، قال: فلا يضيرك، إنما أنت امرأة من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن. وقد قال النبي - صلى الله عليه و سلم - لها:"طوافك يسعك لحجك وعمرتك"(كما رواه مسلم)، وإنما أعمرها من التنعيم تطييباً لقلبهاº لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة. وفي رواية لمسلم أيضاً:"وكان النبي - صلى الله عليه و سلم - رجلاً سهلاً إذا هويت الشيء تابعها عليه".

فهل نقتدي بالنبي - صلى الله عليه و سلم - في معاملة أزواجنا بالرفق وحسن الخلق؟.

 

9 - الطريق إلى قلوب أهلك.. الحديث معهم في الأمور العامة:

فقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة:"لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم"، فمشاركة الأهل في مثل هذه الأمور يجعلهن في وعي بأمور الأمة، مما يساعد على النهوض بها.

وقد أخذ العلماء من الحديث السابق فوائد عدة تفيد في التعامل بين الحجاج، ومن أهمها:

اجتناب ما يتسرع الناس إلى إنكاره، وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب، وتقديم الأهم فالمهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة وأنهما إذا تعارضا بُدئ بدفع المفسدة.

 

10 - بيان سنن الحج بالقول والفعل حتى يعلم مَن يجهل:

فعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما قبل الحجر قال:"إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه و سلم - يقبلك ما قبلتك". لذلك إذا خشيت على أحد من الحجاج أن يفسد اعتقاده لفعل قد يصدر عنك، فعليك أن تبادر إلى بيان الأمر.

 

11 - لا تؤذ الناس (بعجلة) السعي أو الطواف إذا كنت تدفعها بمريض أو كبير:

فقد قال النبي - صلى الله عليه و سلم - لأم سلمة لما كانت مريضة:"طوفي من وراء الناس وأنت راكبة". وقد استفاد العلماء من هذا الحديث أنه إنما أمرها بذلك حتى لا يتأذوا بدابتها.

 

13 - عامل الناس بتقدير وإكرام.. فقد أكرمهم الله.

فقد مر النبي - صلى الله عليه و سلم - وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان يسير، فقطعه النبي - صلى الله عليه و سلم - بيده ثم قال: قده بيده.

قال ابن بطال: إنما قطعه لأن القود بتلك الطريقة إنما يُفعل بالبهائم.

 

13 - تواضع مع الحجيج وشجع من يعمل صالحاً:

جاء النبي - صلى الله عليه و سلم - إلى السقاية فاستقى فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله - صلى الله عليه و سلم - بشراب من عندها، فقال: اسقني. قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، فشرب منه. ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها. فقال:"اعملوا فإنكم على عمل صالح"، ثم قال:"لولا أن تُغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه".

فقد رد النبي - صلى الله عليه و سلم - إكرام العباس بشراب خاص لأن ذلك الإكرام تعارض مع مصلحة أخرى هي مصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس، وعدم التقذر من المأكولات والمشروبات التي يضع الناس أيديهم فيها.

واستفادوا من الحديث أيضاً استحباب سقي الماء خاصة ماء زمزم، وفي هذا تواضع وإكرام لضيوف الرحمن.

 

14 - إذا زاحمت على الركن لتستلم الحجر فاحذر أن تؤذي أو تؤذى، ويسعك ما وسع النبي - صلى الله عليه و سلم - فقد كان يشير بمحجن "هي العصى الملوية رأسها"، فالأفضل أن تستفرغ طاقتك في الذكر والدعاء بدلاً من استفراغها في الوصول إلى الحجر.

 

15 - عليك في رحلة حج أن تتبع أولي الأمر في كل ما ليس فيه معصية وتحترز من مخالفة الجماعة.

فلقد سُئل أنس بن مالك - رضي الله عنه -أين صلى النبي - صلى الله عليه و سلم - يوم التروية؟ قال: بمنى ثم قال:"افعل كما يفعل أمراؤك"، فلقد كان الأمراء إذ ذاك لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين، فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الاتباع أولى.

 

16 - ابتعد عن الإنكار في الأمور التي تسع الجميع:

فقد سُئل أنس بن مالك وهو غادٍ, من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يهل منا المهل، (والإهلال هو التلبية برفع الصوت) فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه".

 

17 - لو ابتُليت بشخص سيئ الخلق فلا تبخل عليه بتعليم المناسك لعل ناساً ينتفعون به.

فقد جاء ابن عمر إلى سرادق الحَجَّاج بن يوسف الثقفي، وصاح به وقت الزوال ليخرج، فيخطب ويصلي بالناس، وقد كان أمير الحج من قبل عبدالملك بن مروان وصلى خلفه مع ما في الحجاج من فسق بسبب سفك الدماء، وذلك فراراً من الفتنة.

 

18 لا تكن مزعجاً لإخوانك في أوقات الزحام:

فعن ابن عباس: أنه دفع مع النبي - صلى الله عليه و سلم - يوم عرفة فسمع وراءه زجراً شديداً، وضرباً وصوتاً للإبل فقال:"أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاغ"، فقد كانوا يصيحون لحث الإبل على السير السريع، فأمرهم بالرفق وعدم المزاحمة.

كما كان من هديه صلى الله عليه وسلم حين رجع من عرفة" إنه سار سير العَنَق، وهو السير الوسط بين الإبطاء والإسراع، فإذا وجد أمامه فراغاً أسرع ".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply