رجب الشهر الحرام الفرد فضله أهميته


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الله - سبحانه وتعالى - فضّل بعض الشهور على بعض، كما فضل بعض الأماكن على بعض، فقد ورد في الأثر: "إن لله خواصاً في الأزمنة والأمكنة والأشخاص"، لذلك اتخذ بعض الناس فضل رجب ذريعة للصيام والقيام وزيارة المقابر، وأوردوا في ذلك أحاديث كثيرة..

هذا ولا يثبت فضل لزمان أو مكان إلا بدليل قطعي، إذ لا بد من التثبّت في ذلك..وكثير من الأحاديث وردت في فضل رجب ما بين ضعيف وموضوع..

 

ضعيفة وموضوعة

لقد وضع الحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني رسالة بعنوان: "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" جمع فيها جمهرة الأحاديث الواردة في فضائل شهر رجب، وصيامه، والصلاة فيه، وقسمها إلى ضعيفة وموضوعة، وذكر له ثمانية عشر اسماً من أشهرها:

الأصم: لعدم سماع قعقعة السلاح فيهº لأنه من الأشهر الحرم التي حرّم فيها القتال.

الأصب: لانصباب الرحمة فيه.

ومفصل الأسنة: كما ذكره البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا الشاء "الشياه" فحلبنا عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: مفصل الأسنة، فلم ندع رمحاً فيه حديدة، ولا سهماً فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه.

 

عدم القتال

وفضل رجب داخل في عموم فضل الأشهر الحرم التي قال الله فيها: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين (36)(التوبة) وحددها حديث الصحيحين في حجة الوداع بأنها: ثلاثة سرد "متتالية" ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو رجب "مضر" الذي بين جمادى الآخرة وشعبان، وليس رجب "ربيعة" وهو رمضان. ومن عدم الظلم فيه.. "عدم القتال" وذلك لتأمين الطريق لزائري المسجد الحرام، ومن عدم الظلم فيه أيضاً عدم معصية الله فيه.

ومن مظاهر تفضيل الأشهر الحرم بما فيها رجب ندب الصيام فيها كما جاء في حديث رواه أبو داود عن مجيبة الباهلية عن أبيها، أن النبي {قال له بعد كلام طويل: "صم من الحُرم واترك" ثلاث مرات، وأشار بأصابعه الثلاثة حيث ضمها وأرسلها. والظاهر أن الإشارة كانت لعدد المرات لا لعدد الأيام يستوي في ذلك أول يوم مع آخره، وقد قال ابن حجر: أن شهر رجب لم يرد حديث خاص بفضل الصيام فيه، لا حسن ولا صحيح.

من أشهر الأحاديث الضعيفة في صيامه: "أن في الجنة نهراً يقال له رجب، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر".

وحديث: "من صام من رجب يوماً كان كصيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب الجحيم السبعة، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت الجنة الثمانية، ومن صام منه عشرة أيام بُدّلت سيئاته حسنات".

ومنها حديث طويل جاء فيه: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي"، وقيل إنه موضوع، وجاء في الجامع الكبير للسيوطي أنه من رواية أبي الفتح بن أبي الفوارس في أماليه عن الحسن مرسلاً.

أما من الأحاديث غير المقبولة في فضل صلاة مخصوصة فيه: "من صلى المغرب في أول ليلة من رجب، ثم صلى بعدها عشرين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد مرة، ويسلّم فيهن عشر تسليمات.. - حفظه الله - في نفسه وأهله وماله وولده، وأجير من عذاب القبر، وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب"، وهو حديث موضوع، وكذلك صلاة الرغائب.

وقد عقد ابن حجر في هذه الرسالة فصلاً ذكر فيه أحاديث تتضمن النهي عن صوم رجب كله، ثم قال: هذا النهي منصرف إلى من يصومه معظماً لأمر الجاهلية، أما من صامه لمقصد الصوم في الجملة من غير أن يجعله حتماً، أو يخصّ منه أياماً معينة يواظب على صومها، أو ليالي معينة فهذا من فعله مع السلامة مما استثني فلا بأس به، فإن خصّ ذلك أو جعله حتماً لهذا محظور وهو في المنع بمعنى قوله {: "ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام" (رواه مسلم)، وإن صامه معتقداً أن صيامه أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره ففي هذا نظر، ومال الإمام ابن حجر إلى المنع.

 

ثلاثة أوجه

ونقل عن أبي بكر الطرطوشي في كتاب البدع والحوادث: "أن صوم رجب يكره على ثلاثة أوجه: أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام، إما أنه فرض كشهر رمضان، وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور.

ولو كان من هذا شيء لبيّنه النبي {قال ابن دحية: الصيام عمل برّ، لا لفضل صوم شهر رجب".

وحرص الناس والنساء بوجه خاص على زيارة القبور في أول جمعة من شهر رجب ليس له أصل من الدين، ولا ثواب لها أكثر من ثواب الزيارة في غير هذا اليوم.

وليُعلم أن فعل الخيرات "من صلاة وصيام وصدقات وغيرها" مطلوب في جميع الأوقات، وكذلك عدم تخصيص شهر رجب الحرام بعبادة مخصصة لم ترد عن رسول البشرية وقائدها "قولاً وفعلاً}، وعلينا تذكر الأحداث التاريخية التي وقعت في هذا الشهر الفضيل ونأخذ منها العبرة اللازمة، ونستفد ونعمل ما يلزم تجاهها ومنها: غزوة تبوك، ومعجزة الإسراء والمعراج، وتحرير الأقصى في رجب 583 ه 1187م من السابقين، والعمل المخلص والجاد لتخليصه من المغتصبين اللاحقين بوحدة المسلمين بعد التمسك بكتاب رب العالمين، وسنة رسوله الأمين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply