المنافسات الرياضية ومفاسدها ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ عنهم فمات، فميتته جاهلية.

أيها المسلمون، ذكرنا في الخطبة السابقة خمساً من مفاسد المنافسات الرياضية في هذا الزمان، ونذكر في خطبتنا هذه ما يحضرنا من مفاسد أخرى، لعلنا نجتنبها ونجنبها من لهم حق علينا ومن ولانا الله أمرهم.

أيها المسلمون، أما المفسدة السادسة: فهي الصدٌّ عن ذكر الله - تعالى -وعن الواجبات الشرعية. كثير من المتابعين لهذه المنافسات تصدٌّهم عن ذكر الله - تعالى -، وأعظمُ ذلك الصلاة، وهذا أمر معروف عند الناس عامتهم وخاصتهم، لا ينكره إلا مكابر، وتعاطي ما يصدٌّ عن ذكر الله وعن الصلاة حرام. فكم من أناس ممن يتابعون المباريات يسهرون إلى النصف الأخير من الليل ليشاهدوها ثم تفوتهم صلاة الفجر، وكم منهم من يتخلف عن الجماعة بسبب الجلوس أمام الشاشات، بل منهم من لا يحضر الجمعة لأجل ذلك، أضف إلى ذلك ما يقع من كثير من الغارقين في أوحال هذه المنافسات من تضييع لحقوق الوالدين والأولاد والأرحام، بحيث يقدمها على مصالحهم وحقوقهم.

أما المفسدة السابعة ـ أيها المسلمون ـ: استعباد النفس والسيطرة على المشاعر. لا يستطيع أحد أن ينكر أفاعيل كرة القدم المؤثرة على نفسية اللاعب والمتفرج على حد سواء، ولا أدل على ذلك مما يعرض لبعض المتفرجين من أزمات قلبية تؤدي للوفاة غالباً، بسبب تتبع المباريات بنفس منقبضة وأعصاب متوترة وعضلات متشنجة، وهذه الصور تعكس ارتداد ونكوص الرياضة عن دورها الصحيح في ترويح الروح وبناء الجسم إلى سلاح زعاف يفتك بالأنفس والأرواح، وما أقبح موتَ من يموت في الملعب أو على مدرجات الملاعب يموت في سبيل فريق كرة، وما أسوأ مبعثه، فإن المرء يبعث على ما مات عليه، نسأل الله - تعالى -حسن الختام.

المفسدة الثامنة: إفساد العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية. إن هوس هذه المنافسات قد اقتحم بيوتات كثير من الناس، ودخلها من غير استئذان، وعثا فيها بالإفساد وزرع الشقاق والخلاف، فكم من طلاق وقع كان سببه هذه المباريات، تجد الزوج يتعصب لفريق معين، فإذا انهزم فريقه صبَّ جام غضبه على زوجته وربما ضربها من فرط الغضب، وكم حصل بين الإخوة من مشاجرات ومضاربات بسبب اختلافهم في الفريق الذي يشجعونه، وهذا ما يطمع إليه أعداء الدين لكي يتصدع كيان الأسرة المسلمة، وتحل بالأمة النقمة.

أما المفسدة التاسعة: الوقوع في سب الوالدين ولعنهما. كثيراً ما تثير هذه المنافسات السب والشتم واللعن المتبادلَ في سعار يمس بعقيدة الشاتم والمشتوم معاً، فلقد اعتاد كثير من المشجعين بذاءة اللسان، ووقاحة العبارة، والتخاطب بالفحش من قذف ولعن وسباب، تارة في اللاعب، وتارة في الحكم، وتارة فيما بينهم، مما يوقع الإنسان حتماً في سب والديه، وهذا من كبائر الذنوب كما قال رَسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ مِن أَكبرِ الكَبائرِ أن يلعنَ الرَّجلُ والِدَيه))، قيل: يا رَسولَ اللَّه، وكيفَ يلعنُ الرَّجلُ والديه؟! قال: ((يَسُبٌّ الرَّجلُ أبَا الرَّجلِ فيسُبٌّ أباهُ، وَيَسبٌّ أمَّه فيسبٌّ أمَّه)). فيا لله كم من لعنة عادت على صاحبها!!. أما المفسدة العاشرة: إثارة الكراهية والبغضاء والعداوة والشحناء.

زعموا أن هذه المنافسات الرياضية وسيلة حضارية لتمتين العلاقات وتعميق مشاعر التآلف والاندماج وإقامة جسور التواصل والتعايش، ولكن التاريخ يشهد والواقع يشهد بأنها ما كانت إلا مِسعر حرب ووقود فتن وفتيلاً لإشعال نيران العداوة والبغضاء، سواء بين اللاعبين أو بين مشجعي الفرق المتنافسة ولم يقتصر العنف على ملاعب كرة القدم فحسب، بل تجاوز هذا المجال ليصل إلى زعزعة العلاقات الدولية التي تربط بين دولتي الفريقين المتنافسين وتعريضها للقطيعة، وربما في بعض الأحيان إلى حرب ضارية يسقط فيها آلاف القتلى فداء لروح الفريق الوطني ونصرةً لسمعته الكروية، كما حدث بين دولة الهندوراس ودولة السلفادور حيث قامت بينهما حرب شاملة سنة 1969م أطلق عليها حرب كرة القدم بسبب النزاع على نتيجة مباراة دولية بينهما، وقد استمرت الحرب سبعة أيام، وقتل فيها ما يزيد على ألفين من الجانبين.

 

المفسدة الحادية عشرة: تبذير الأموال.

من لوازم هذه المنافسات امتصاص الدخل القومي للبلاد، حيث تُصرف الأموال الطائلة في نفقات تجهيز الملاعب، ودعم النوادي، وتأمين تكاليف إقامة المباريات، وإصلاح الأضرار المادية التي تلحق المرافق العمومية وتجهيزات الدولة من جراء تعبير الجماهير عن سخطها وعدم ارتياحها لعطاءات فريقهم، أضف إلى ذلك ما تتطلبه مواجهة الجماهير من تجهيزات أمنية تشكل عبئاً كبيراً على الدولة، وأدهى من هذا كلِّه وأمرّ أن يُستضاف لاعبٌ واحد بمبالغ خيالية ليشارك في مباراة واحدة، كما حصل للاعب مشهور، وقد فاق كرمُ أغلب الأندية الرياضية والمنتخبات حدودَ العقل والواقع تجاه مدربي فرقها ولاعبيها المحترفين الذين يتقاضى الواحد منهم شهرياً ما قيمته الراتب الشهري لعشرات الأساتذة أو الأطباء أو المهندسين.

 

الخطبة الثانية

 الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى لله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى -حق التقوى. وراقبوه ولا تعصوه.

يا إخوة الإيمان، إنَّ لنَا أولاداً يُزَاولُونَ الرِّياضَةَ، ويَشتَركُونَ في المبارياتِ والمسابقاتِ، فَأدِّبوهُم بِأدبِ الإسلامِ في هذا البابِ، وعلِّمُوهُم كيفَ يكونُ المسلمُ متواضعاً عندَ الفوزِ، فهو يفرحُ في غيرِ إسرافٍ, ولا خيلاءٍ,. مالكاً نفسَهُ عندَ الغضبِ، فالرسولُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصٌّرَعَةِ ـ أي الذي لا يغلبه الرجال ـ إِنَّمَـا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ))، علِّموا أولادَكُم أن اللهَ العلِيَّ القويَّ يريدُ لنا أن نكونَ أقوياءَ، ويريدُ منَّا أيضاً أن نكونَ فضلاءَ، يريدُنا أن نكـونَ أقوياءَ في إيمانِنَا، في أبدانِنَا، مُتَطَهِّـرينَ في أَخلاقِنَا، يَومَ يتعلَّمُ أبناؤُنا هذا، ويَعمَلُونَ بِهِ، يُصبِحُونَ مِمَّن فَهِمُوا المَعَانَيَ السَّامِيَةَ للرِّياضَةِ. أخيراً أُؤَكِّدُ أنَّ كرةَ القدمِ وغيرها من المنافسات إنَّما يُحرِّمُها ما يرتبطُ بها من إِلهَاءٍ, عنِ الصَّلاةِ، والمُهِمَّاتِ مِنَ الواجِبَاتِ، وما يَتبَعُها من سَبٍّ, وشَتمٍ,، وضياع للأوقات والأموال. وموالاة لأعداء الله من الكفرة والمجرمين.

ألا فلنتَّق اللهَ في كُلِّ أُمورِنا، ولنَتَأَسَّ بِهَديِ نبينا وتعاليمِ دينِنَا.

هذا وصلٌّوا وسلِّموا على المبعوثِ للعالمين محمَّدٍ, سيِّدِ الأولينَ والآخِرينَ، وأفضَلِ الخَلق أجمعينَ، وعلى آلِـهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهرين، وارضَ اللَّهُمَّ عنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ، وعنِ الصَّحَابَةِ أَجمَعينَ، والتابعينَ لهم بإحسانٍ, إلى يومِ الدِّينِ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply