عيد الحب وعصر العولمة !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع مطلع فبراير من كل عام تتهيأ العديد من دول الغرب للاستعداد لما أسموه عيد الحب فيصبغون العواصم والمدن باللون الأحمر والملابس الحمراء والهدايا الحمراء والورود الحمراء...وإني أتساءل هل حقا يحتفل الغرب بالحب؟! وهل لا يـزال يعرف الغرب معنى الحب؟!

لقد طغت المادية على نفوسهم فأفسدتها وعلى قلوبهم فأعمتها حتى لم يعد فيها مكان للعواطف والحب.

إن عيد الحب ما هو إلا نصب تذكاري صنعه الغرب كي يذكرهم بشيء مات عندهم من زمن.. اسمه الحب..

تماما كما صنعوا مع عيد الأم، لما وجدوا أنفسهم ضيعوا الأم ورموا بها دون شفقة ولا رحمة.. رجعوا يتباكون و يصيحون! ماذا فعلنا بأمهاتنا؟ وصحا الضمير يمسك بتلابيبهم ويصرخ في وجوههم: ما أحقركم! وما أضل عقولكم! وما أقسى قلوبكم "فهي كالحجارة أو أشد قسوة" كيف هانت عليكم أمهاتكم؟ أمِن أجل اللهث وراء الدنيا، والشغف بالمادة، قتلتم كل معاني الحب والوفاء!

فرميتم بالتي حملتكم في بطنها، ودفعت بكم إلى هذا الوجود، في دور العجزة والمسنين، دونما رعاية ولا سؤال،

فعادوا يكفرون عن خطيئتهم، ويصنعون يوما في العام، وسموه عيد الأم، يوما! يوما واحدا فقط!

هذا هو قدر الأم عندهم! أرأيتم كم هم جاحدون؟

وإذا بالمفتونين بالغرب يخرجون علينا مبهورين: لقد جاء الغرب بما لم يأت به الأولون..

إنه عيد الأم! وكأننا من قبل لم نكن نعرف للأم فضلا ولا قدرا، وكأن الأم عندنا لم تكن تحملها أفئدتنا، وتدفئها أحضاننا، وتحوطها رعايتنا طول العمر، فلذلك نحن محتاجون أن نقلد الغرب تقليدا أعمى، ونصنع كما يصنعون عيدا للأم.

وهاهم اليوم يعودون مجددا لا يكفون عن النعيق في كل وسائل الإعلام: إنه الحب، الدنيا بدونه ظلام، والحياة بدونه عدم، وقد كنا قبله في عداد الأموات، فهيا أعلنوا عيد الحب، وبشروا به في كل واد، فما أجمل عيد الحب! وما أعظم الغرب!

إننا بالفعل ليس عندنا عيد للحب ولا عيد للأم مثلما عند الغرب لأننا لم نعلن وفاتهما بعد، إن الحب لا يزال موجودا في قلوبنا حيا لم يمت لكنه حب غير الذي يعرفه الغرب، الحب عندنا رحمة نحملها في القلوب، والحب عنده نزوة عابرة وشهوة هابطة وشتان بين الأمرين!

إن الغرب يا سادة يريد حشد العالم صفوفا خلفه متجهين لقبلة واحدة، تحت أي مسمى، وليكن هذه المرة باسم الحب، ولا مانع إذا أن يربحوا المليارات من السذج والبلهاء، فنحن في عصر العولمة الذي تذوب فيه كل الهويات وتنصهر فيه كل الملامح والشخصيات في بوتقة واحدة، فلا يعد الغرب يرى في العالم أحدا إلا نفسه، ولا يسمع إلا صوته، تماما كما كان سلفه من الطغاة "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".

إنهم يريدون أن يحركوا العالم كله بإشارة واحدة من إصبعهم

فاليوم عيد الكريسماس استقبلوا عامكم الجديد.. وغدا عيد الحب أحبوا بعضكم وتبادلوا الورود

وبعده عيد الأم كرموا أمهاتكم وقدموا الهدايا.. وهكذا لا نتحرك إلا بإذنه ولا نتنفس إلا بأمره

ويحك أيها الغرب كم أنت أناني جشع، حتى في تناولك للمعاني الشريفة والقيم النبيلة!

يذكرني الغرب بحال الممثلين في الأفلام والمسلسلات، الذين يعلمون الناس الحب والسعادة الزوجية والاستقرار الأسري، ويجنون من وراء ذلك الأرباح الطائلة، بينما بيوتهم أبعد ما تكون عن الاستقرار والسعادة والحب، فحال أكثرهم بين طلاق وزواج، وزواج وطلاق، أو مضربون عن الزواج بالكلية، كما شوهوا هم كذلك معنى الحب، فأباحوا باسمه الخيانة الزوجية وتحطيم الأسر وتشريد الصغار، وحولوا في أعمالهم المرأة إلى سلعة للتسلية والمتعة، ومادة للشهوة و الإغراء.

أيها الغرب يا نجوم هوليود.. يا أباطرة الفن وملوك التمثيل، مثلوا علينا كيف شئتم، قوموا بدور رسل الحب وحمائم السلام، ولينخدع بكم البلهاء والسذج من الناس، ولتدخلوا علينا بملمسكم الناعم، وبريقكم الزائف، وبشاشتكم المصطنعة، فلن ينطلي علينا طول الوقت.

إننا لم نشهد قتل الأطفال والنساء، وتدمير البلاد، وإشقاء العباد، إلا على يديك!

فهل هذا هو الحب أيها الغرب؟ فما الكراهية إذا؟

وهل مقتل أكثر من مليون طفل عراقي تحت الحصار والتجويع..

كان هدية لأطفال العالم بمناسبة عيد الحب، فما القسوة إذا؟!

وهل حصار ربيبتكم إسرائيل لغزة الباسلة وترويع أهلها، كان من أجل التبشير بعيد الحب؟! فما الإرهاب البغيض إذا؟

وهل كان بدافع الحب أيضا سب النبي الكريم، والسخرية بالدين العظيم؟ فما هو الحقد الأعمى إذا؟

هل تظنون بعد ذلك أن أكثر شباب المسلمين سوف يتبادلون الورود الحمراء مهنئين بعضهم بعضا بعيد القديس فالنتين؟! كلا، فأنا أراهن على وعي شبابنا، وغيرته على دينه، ونقاء فطرته، فلن يقبل أبدا أن يكون إمعة وذيلا تابعا، لمن يدمرون الحياة، ويغتالون الحب، ويشوهون الجمال، وما حال العراق وفلسطين وأفغانستان عنا ببعيد.

إنني لا أنكر أيها الغرب، أن البعض من أبناء أمتنا قد انخدعوا بك، فساروا على دربك معصوبي العينين، يرددون ما تقول، ويحاكون ما تفعل، دونما وعي أو تفكير، وكأنه الوحي من هدي السماء، ولكنهم ـ ولله الحمد ـ لا يزالون قلة شاذة، وعما قريب سيعودون لرشدهم، عندما ينكشف أمامهم زيفك، وينفضح كذبك، ويومها سوف يرجمك مع كل شريف، ويلعنك مع كل حر، ألا لعنة الله على الظالمين! .

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply