الإرهاب في الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المصطلحات تحمل معاني محددة ممن صدرت عنه، والواجب فهمها وتفسيرها على مراد من صدرت عنه، ولا يجوز لغيره أن ينسب إليه معنى آخر لم يرده صاحب ذلك المصطلح من مصطلحه، وإذا أراد ذلك الغير أن يعبر عن معنى غير ذلك المعنى ليكون مصطلحاً خاصاً له فليفعل ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكن يجب أن ينسبه إلى نفسه وليس إلى صاحب المصطلح الأول.

مثال: الصلاة في الإسلام لها معناها الخاص الذي فصلته أبواب (صفة الصلاة) في كتب الحديث والفقه، والصلاة عند اليهود أو النصارى لها عندهم معنى خاص، فإذا أراد المتحدث في حديثه، أو الكاتب في كتابته، أو المترجم في ترجمته، أن يبين للناس معنى الصلاة في الإسلام وهو يخاطب غير المسلم - كاليهودي والنصراني مثلاً - فعليه أن يوضح ذلك، حتى لا يفهم السامع أو القارئ أن المراد الصلاة التي هو يفهمها، والعكس أيضاً صحيح، وهكذا يقال عن الصوم والحج والإيمان والمعروف والمنكر وغيرها.

ومن المصطلحات التي يكثر ذكرها هذه الأيام مصطلح (الإرهاب) الذي يكاد يجمع على محاربته وذمه سكان الكوكب الأرضي بما فيهم المسلمون، ومعنى هذا أن الإرهاب عند محاربيه غير مشروع، بل هو جريمة مهما كان الهدف منه ومن أي جهة صدر، وأجمعت على ذلك أجهزة الإعلام الأجنبية والعربية، وعقدت لمكافحته المؤتمرات على مستويات متنوعة، واتفقت كل تلك المؤتمرات على محاربته، هكذا بدون تفصيل.

ولقد أفزعني إطباق كثير من علماء الإسلام الغيورين على دين الله، والكتاب المسلمين المثقفين من صحفيين وغيرهم - فيما اطلعت عليه من كتاباتهم في موضوع الإرهاب - على عدم مشروعية الإرهاب في الإسلام دون أن يبينوا للناس حكم الإرهاب في القرآن والسنة والسِّيَر، أي متى يكون الإرهاب مشروعاً، ومتى يكون محظوراً؟

وأصبحوا – فقط - يدافعون عن الإسلام بأنه لا إرهاب فيه، وأن الإرهاب كما يوجد من بعض المسلمين يوجد من غيرهم، ويتكلمون على إرهاب الدول في الشرق وفي الغرب، وإذا أرادوا أن يسَوِّغوا دفاع المسلمين عن أنفسهم عندما يُعتَدَى عليهم قالوا: إن الدفاع المشروع ليس بإرهاب!

وقد اغتنم أعداء الإسلام استسلام بعض العلماء والدول والكتاب والصحفيين في البلدان الإسلامية للإقرار بأن الإرهاب كله شر، وأخذوا منهم جميعاً - قاصدين أو غير قاصدين - شهادة بأن الإسلام لا إرهاب فيه، ومع ذلك لم يكف أعداء الإسلام عن رمي الإسلام بما ينفيه عنه أهله، وأصبحت أجهزة الإعلام في كل بلدان المسلمين تردد في دفاعها عن الإسلام أنه لا إرهاب فيه!.

وإن المصطلحات الإسلامية لا يجوز التفريط فيها ونفي ما ثبت منها في كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو إثبات ما نفياه، لما في ذلك من تضليل أجيال الأمة وتجهيلها، وجعلها تعتقد غير ما جاء في دينها.

ولست هنا في مقام كتابة بحث لأدلل على ما أريد الحديث عنه، وإنما أريد أن أنبه العلماء على خطر عدم التَّنَبٌّه للمصطلحات التي تنفى عن الإسلام أو تُثبَت فيه، لأن الأمة تثق فيهم فإذا نفوا شيئاً أو أثبتوه أصبح أمراً مسلماً عندها، وقد يترتب عليه من الأخطار ما يصعب تلافيه، لذلك يجب على العلماء التصدي لكل مصطلح يحدث، ويرجعوا لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويبينوا موقف الإسلام من ذلك المصطلح نفياً أو إثباتاً، وماذا يعني بالضبط حتى لا يختلط بغيره، وحتى يبقى معناه ثابتاً عند المسلمين.

 

أقوال العلماء في الإرهاب وحكمه:

** أبو عبد الله القرطبي:(أمر بإعداد القوة للأعداء...) ترهبون به عدو الله وعدوكم (يعني تخيفون به) عدو الله و(عدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب). [الجامع لإحكام القرآن (8/ 35، 38].

** أبو السعود الحنفي:(توجيه الخطاب - يعني وأعدوا - إلى كافة المؤمنين، لأن المأمور به من وظائف الكل...) ما استطعتم من قوة (من كل ما يُتَقَوَّى به في الحرب...) ترهبون به (أي تُخَوِّفون). [تفسير أبي السعود (2/ 504، 505].  

** أبو جعفر الطبري: يقول - تعالى ذكره -: وقوله:(( ترهبون به عدو الله وعدوكم )) تخزون به عدو الله وعدوكم، يقال منه: أرهبت العد ورهبته، فأنا أُرهِبه وأُرَهِّبُه إرهاباً وترهيباً...) [جامع البيان عن تأويل القرآن (10/ 29 - 37].

** أبو محمد البغوي: (( ترهبون به ))تخوفون)[معالم التنزيل (2/ 259].

** السيد محمد رشيد رضا: (القاعدة الأولى الواجب إعداد الأمة كل ما تستطيعه من قوة لقتال أعدائها، فيدخل في ذلك عَدَد المقاتِلَة، والواجب أن يستعد كل مكلف للقتال، لأنه قد يكون فرضاً عينياً في بعض الأحوال..).

القاعدة الثالثة: أن يكون القصد الأول من إعداد هذه القُوَى والمرابطة إرهاب الأعداء وإخافتهم من عاقبة التعدي على بلاد الأمة أو مصالحها، أو على أفراد منها، أو متاع لها حتى في غير بلادها، لأجل أن تكون آمنة في عقر دارها، مطمئنة على أهلها ومصالحها وأموالها، وهذا ما يسمى في عرف هذا العصر بالسلم المسلح، وتدعيه الدول العسكرية فيه زوراً وخداعاً، ولكن الإسلام امتاز على الشرائع كلها بأن جعله ديناً مفروضاً، فقيَّد الأمر بإعداد القوى بقوله: (ترهبون به عدو الله وعدوكم)[تفسير المنار [10/167 - 168].

** الفخر الرازي: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...) اعلم أنه - تعالى - لما أوجب على رسوله أن يشرد من صدر منه نقض العهد، وأن ينبذ العهد إلى من خاف منه النقض، أمره في هذه الآية بالإعداد لهؤلاء الكفار... قال أصحاب المعاني: الأولى أن يقال: هذا عام في كل ما يتقوى به على حرب العدو...، ثم إنه - تعالى - ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء، فقال: ((ترهبون به عدو الله وعدوكم)) وذلك أن الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له مستكملين لجميع الأسلحة والآلات خافوهم، وذلك الخوف يفيد أموراً:

أولها: أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام.

وثانيها: أنه إذا اشتد خوفهم فربما التزموا من عند أنفسهم جزية.

وثالثها: أنه ربما صار ذلك داعياً لهم إلى الإيمان.

ورابعها: أنهم لا يعينون سائر الكفار.

وخامسها: أن يصير ذلك سبباً لمزيد الزينة في دار الإسلام. [التفسير الكبير (15/ 185 - 195]ُ

** ابن كثير: ((وأعدوا لهم ما استطعتم)) أي مهما أمكنكم..

ترهبون (تخوفون) به عدو الله وعدوكم (أي من الكفار) [تفسير القرآن العظيم (2/ 355 - 356].

** الجصاص: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل (أمر الله المؤمنين في هذه الآية بإعداد السلاح والكراع قبل وقت القتال، إرهاباً للعدو) [أحكام القرآن (3/ 68).]

** أبو بكر ابن العربي: ((ترهبون به عدو الله وعدوكم)) يعني تخيفون بذلك أعداء الله وأعداءكم من اليهود وقريش وكفار العرب..) [أحكام القرآن (2/ 875].

** ابن عاشور: (والإعداد التهيئة ولإحضار، ودخل في (ما استطعتم من) كل ما يدخل تحت قدرة الناس اتخاذه من العدة.. والإرهاب جعل الغير راهباً خائفاً، فإن العدو إذا علم استعداد عدوه لقتاله خافه ولم يجرؤ عليه، فكان ذلك هناء للمسلمين، وأمناً من أن يغزوهم أعداؤهم، فيكون الغزو بأيديهم، يغزون الأعداء متى أرادوا، وكان الحال أوفق لهم، وأيضاً إذا رَهِبوهم تجنبوا إعانة الأعداء عليهم) تفسير التحرير والتنوير [6/55 - 57].

** سيد قطب: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)) إنه لابد للإسلام من قوة ينطلق بها في الأرض لتحرير الإنسان، وأول ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها، فلا يُصَدوا عنها بعد اعتناقها، والأمر الثاني: أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على دار الإسلام التي تحميها تلك القوة، والأمر الثالث: أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي وهو ينطلق لتحرير الإنسان كله في الأرض كلها، والأمر الرابع: أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية فتحكم الناس بشرائعها، ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده..)[في ظلال القرآن (10/1543].

وقد اكتفيت ببعض أقوال علماء التفسير في الآية، مع مراعاة أخذ ما يتعلق بالموضوع فقط، خشية التطويل.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply