الإرهابيون الجدد في أوروبا


بسم الله الرحمن الرحيم

سادت ألمانيا ولا زالت أجواء من القلق والتوتر بعد فشل محاولة عملية تفجير محطتي قطار كوبلنز ودورتموند، ويعود القلق لعدة اعتبارات ليس أهمها: أن ألمانيا أصبحت هدفاً للإرهاب، وبؤرة للتصويب بعد مدريد ولندن، ولكن الاعتبار الأهم أن تلك المحاولة جاءت مختلفة في تخطيطها عن أية هجمات أخرى في أية دولة أوروبية، وأن منفذيها أشخاص لا ينتمون إلى أية جماعات، وليس لهم أية مشاكل أمنية في البلد الذي يقيمون فيه، وأن الدافع الأول لهم كان بعض الأحداث التي استفزتهم ومن بينها الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وحول حادث الحقائب ومنفذي تلك الهجمات كتب "برندت جورج تام" لموقع "زيشرهايت" الألماني:

ظهر في وسط ألمانيا فجأة وعلى غير توقع خطر دراماتيكي إرهابي جديد، فهاهي تلك الهجمات التفجيرية بالحقائب والتي استهدفت محطتي قطار ألمانيتين لم يكتب لها الفشل إلا بالصدفة المحضة، ولو كان قد كتب لهم النجاح لكان العثور على الجناة أمر غاية في الصعوبة، لأنهم لا ينتمون إلى جماعة إسلامية معروفة، كما أنهم ليسوا مقاتلين تحت راية الحروب المقدسة الإسلامية(1)، وهم خلافاً لأي إرهابيين تعرفنا عليهم في الماضي أصبحت لديهم ميول جهادية في خلال 18 شهراً، وأن غذاءهم الروحي والفكري المعلوماتي قد استمدوه من النصوص الإسلامية المتوفرة والمنتشرة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت"، وليس لهم أية ارتباطات بتنظيم القاعدة، ولم يسبق لهم أن أقاموا صلات شخصية مع زعيمها ابن لادن.

كشفت العملية الفاشلة لتفجير القطارات الألمانية عن حقيقة مفادها أن صفات ومعالم هؤلاء الجناة اختلفت عن أي إرهابيين سابقين، فهم لا يندمجون في تنظيم إسلامي متطرف، ولا ينادون بعضهم بلقب الأخ، ولا ينخرطون في جماعة، ويطلقون على أنفسهم بعض الألقاب المتعارف عليها مثل المنقذون الإسلاميون، إنهم ليسوا مجرد إرهابيين نشأوا في المجتمع الغربي كما هو الحال بالنسبة لمنفذي هجمات لندن في السابع من يوليو في العام الماضي، كما أنهم لم يدخلوا إلى الإسلام منتقلين من ديانة أخرى، ولكنهم نشأوا وتربوا في كنف أسرهم بلبنان وسوريا، وتمت رعايتهم في دار الإسلام ولكنهم نزحوا منها إلى دار الحرب التي تعد ألمانيا هي أحد مناطقها، وفي دار الحرب هذه صاروا متطرفين أصوليين.

هذا النوع من مرتكبي الجرائم الإرهابي يصعب تماماً التوصل إليه أو تعريفه كجماعة، نحن يمكننا اليوم التفريق بين الإرهابيين الذين تعلموا وتدربوا في أوروبا، وبين الذين نشأوا في الشرق وأصبحوا انتحاريين.

ومع ظهور هؤلاء الإرهابيين الجدد ظهر لأول مرة نوع من الجناة ربما يتواجد أيضاً في دول أوروبية أخرى غير ألمانيا، وهذا النوع يفتقد إلى التنظيم والمركزية حيث يمكن للمرء حين يصفه أن يستخدم مصطلحات جديدة من عينة "مقاومة بدون قيادة مركزية" وهو المصطلح المقتبس من اليمينيين المتطرفين في أمريكا.

وهذا النوع من الإرهاب الجديد يسير بمرور الوقت في فلك التكتل الذي ليس له أي هيكل تنظيمي، ولا يرتبط بأية تنظيمات في أية أماكن أخرى، وهذا النوع لا تكتشفه الشرطة أو المخابرات في أي دولة أو مكان، كما أن الإرهابيين الجدد حينما يلوذون بالفرار بعد ارتكاب أفعالهم الإرهابية فإن كل التحقيقات التي تتم تكون صعبة للغاية، ونتائجها غير مضمونة.

إن الدوافع الأولية والأسباب التي ربما أدت بهؤلاء الشباب أو على الأقل بأحدهم إلى حمل الحقائب المتفجرة حسب رؤية البوليس الفيدرالي هي الرسوم المسيئة، وما تبعها من تظاهرات إسلامية غاضبة، وهو أمر مشابه لما تعرضت له خلية هامبورج بقيادة محمد عطا قبل تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر في واشنطن حين عايشت خبرات دينية وحياتية في الغرب مختلفة عما تعودوا عليه، بالإضافة إلى ما تعرضوا له من محاولة نزعهم من أصولهم الشرقية، وهو الأمر الذي لعب دوراً حاسماً فيما أقدموا عليه.

إنهم لم يكونوا على استعداد لقبول التوجيهات الجديدة للعالم الغريب وهو العالم الغربي الذي نزحوا إليه من الشرق، بل إنهم تحفظوا على تلك التوجيهات مما قادهم إلى العزلة، وهي الفرصة التي انتهزها الإسلاميون المدربون للتأثير على هؤلاء الشباب، وفي مواقف كهذه فإن الصراع على الرسوم المسيئة، ومقتل الزرقاوي، وحرب لبنانº يمكن أن تكون دافعاً وحقيقة محركة للقيام بأعمال إرهابية.

 

اتصالات عائلية مع الجماعات الإرهابية؟

ويبقى السؤال هو: إذا كان العثور على هؤلاء الإرهابيين الجدد أمراً من الصعوبة بمكانº فكيف تم العثور على أصحاب الحقائب المتفجرة بعد أيام من محاولتهم الفاشلة؟

إن أفراد عائلة المتهم "يوسف محمد" والتي تعيش في لبنان لها علاقات وطيدة بحزب التحرير الإسلامي الذي يتخذ من وسط آسيا مركزاً له، ولكنه لديه أيضاً علاقات ونشاطات في الشرق الأوسط وأوروبا، وهذا الحزب لا يتفق مع القاعدة في سياسة الصراع المسلح، وإنما يتوافقون في الإيديولوجيات والأفكار، وأخيراً وليس آخراً فقد تم مراقبتهم بتشكك من المخابرات اللبنانية لهذا السبب.

إن سياسة حزب التحرير وأمثاله في الشرق الأوسط وأوروبا يعتمد على التأثير في الفكر، والبحث عن النشيطين الشباب، بدلاً من الفكر المسلح علاوة على الصراع المسلح.

إن الخطر الجديد من خلال هذا النوع الجديد من الإرهابيين لا يمكن تقديره وقياسه، وما يمكننا فقط - كما يحدث منذ هجمات سبتمبر - أن نلحظه أن الشباب الصغير القادم من دول عربية أو آسيوية يتركزون في الجامعات والمعاهد العليا والمؤسسات التعليمية كجماعة مثقفة ربما تكون هدفاً للإسلاميين من أمثال حزب التحرير وخاصة منذ سنوات، وتقدر هذه الجماعات المثقفة في ألمانيا بنحو 50 ألفاً من الدول الإسلامية، ولكنه من غير الممكن تقدير عدد الخطب التي يلقيها الإسلاميون مروراً بزيارة صفحات الانترنت ذات العلاقة بالجهاد.

والنتيجة التي خلصنا لها أنه تنقصنا معلومات خطيرة وموثوق بها كي نكسب مواجهتنا في وأد هذا النوع الجديد من الإرهابيين، فنحن نواجه أخطاراً لا يمكن أن نصفها في الوقت الحالي، ولا أن نحددها، ولا أن نقيسها، ولا أن نعرف حدودها الجغرافية.

حادث الحقائب أثبت أن ألمانيا كلها عرضة للخطر بداية من شمالها مروراً بوسطها وانتهاء بجنوبها، كما أنها خلقت العديد من الأسئلة أكثر مما تجيب عليه التحقيقات التي جرت عقب الحادث.

خمس سنوات بعد أحداث سبتمبر ولا يزال خطر الإرهاب يواجه أوروبا عامة، وألمانيا خاصةº بل إنه في تزايد لا تناقص، وإن كان منفذو هجمات الحقائب قد فشلوا فماذا فعلنا لمنع إمكانية وقوع هجمات أخرى، إن مصدر الخطر قد انفتح وهو المصدر الذي لا نعرفه حتى الآن، وأيضاً لا يمكننا أن نعرفه.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply