خسرنا معركة الأفكار ضد الإرهاب


بسم الله الرحمن الرحيم

حوار صحيفة 'فرانكفورتر روندشاو' الألمانية مع 'ريتشارد كلارك' المنسق السابق لشئون 'الإرهاب' في البيت الأبيض بمناسبة مرور خمسة أعوام على هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

ريتشارد كلارك كان مستشاراً لمكافحة الإرهاب لدى كل من الرئيسين كلينتون وبوش الابن، وهو أيضاً مؤلف كتاب 'ضد جميع الأعداء' وهو من الكتب الأكثر مبيعاً، وقد تضمن الكتاب انتقادات حادة للبيت الأبيض في عهد بوش لفشله في الاستجابة للتحذيرات المتكررة عن نوايا القاعدة في مهاجمة الولايات المتحدة، وعلى حماقة الجري وراء العراق بدلاً من التركيز على أسامة بن لادن.

تحدث كلارك الذي استقال في مارس العام الماضي بعد 30 سنة خدمة في أجهزة المخابرات الأمريكية في كتابه عن هوس أعلى المسئولين في إدارة بوش بصدام حسين، وإصرارهم الهستيري على أنه مسئول عن كارثة 11 سبتمبر، على رغم تأكيد التقارير الاستخباراتية على عدم وجود علاقة له بها، ويستعيد كلارك في كتابه أحداث الساعات الأولى بعد الكارثة التي أودت بحياة نحو 3 آلاف أمريكي في نيويورك وواشنطن، وكيف هرع إلى البيت الأبيض فجر يوم 12 سبتمبر متوقعاً بحث الهجمات المتوقعة والإجراءات المطلوبة لمواجهتها لكنه فوجئ بسلسلة اجتماعات حول العراق.

ويتذكر كلارك شعوره بألم جسدي عندما أدرك أن رامسفيلد وولفوفيتز عازمان على استغلال الكارثة لتحقيق أجندتهما في العراق، ويروي كيف شدّ ذراعه صباح ذلك اليوم الرئيس بوش وسحبه مع قليل من الأشخاص إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض، وقال لهم حالما أغلق الباب: 'اسمعوا.. أعرف أن أمامكم الكثير لتفعلوه الآن.. لكن أريد منكم بأسرع ما يمكن مراجعة كل شيء، أعني كل شيء، انظروا ما إذا كان صدام فعل ذلك، ابحثوا عن أي صلة لصدام بذلك'، وعندما أبدى كلارك شكه مُؤكداً للرئيس الأمريكي أن القاعدة هي التي فعلت ذلك قال جورج بوش: 'أعرف، أعرف، لكن... ابحث عمّا إذا كانت لصدام علاقة بذلك، مجرد ابحث، أريدكم أن تعثروا على أي دليل ولو صغير'.

كانت هذه مقدمة لا بد منها لإلقاء الضوء على الرجل الذي أجرت الصحيفة الألمانية الحديث التالي معه:

· فرانكفورتر روندشاو: كيف ترون التوازن الأمريكي بعد مضي خمس سنوات من الحرب الأمريكية على الإرهاب؟

· ريتشارد كلارك: لقد تغير خطر الإرهاب، ولم يكن كما كان بل اتخذ صوراً أكثر خطورة وأكبر ضرراً، وحسبما يرى كل الخبراء فإن عدد الإرهابيين النشطين في تزايد مستمر، وأن دائرة الإرهابيين قد ولدت دائرة أخرى تضم الملايين من الأشخاص الداعمين للإرهاب مالياً وسياسياً وفكرياً، وأيضاً هذه الدائرة في تزايد وتنامي، منذ عام 2001 يتزايد عدد الإرهابيين الذي يقومون بهجمات كما يتزايد عدد الداعمين والمؤيدين لهم.

 

· فرانكفورتر: من وجهة نظركم ما هو الدور الذي تلعبه القاعدة على الساحة الدولية في تلك الآونة؟

· كلارك: تعتبر القاعدة الآن فكراً وحركة أهم بكثير من كونها جماعة لها تنظيم وقيادة، لقد كانت جماعة منظمة، ونحن كنا على دراية بأن التخطيطات لأية هجمات يتم عرضها أولاً على أسامة بن لادن ومجلس الشورى التابع للجماعة من أجل التعديل فيها وتنقيحها، ولكن الآن توجد العشرات من الجماعات المستقلة والتي خرجت من رحم القاعدة، ولكنها غير تابعة لها، هذا يعني أن القاعدة لم تعد تلعب دور القيادة المركزية اللوجيستية الاقتصادية، ولم يعد لديها معسكرات خاصة بها للتدريب على الرغم من أنها لا تزال ذات تأثير وفاعلية.

 

· فرانكفورتر: هل من الممكن أن يتم تكرار تلك الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة قبل نحو خمسة أعوام؟

· كلارك: لدينا بأمريكا نحو 12 مليون مهاجر غير شرعي، ومن الملاحظ تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين من باكستان والعراق والمناطق الفلسطينية، وكل من يتمكن من الدخول إلى أمريكا يمكنه الحصول على أوراق مزورة وأسلحة، ولا تزال بنيتنا الأساسية عرضة للهجوم، ولكن مع تدمير القاعدة كجماعة منظمة ومرتبة فإنه لم تعد هناك جماعة تستهدف الولايات المتحدة في المقام الأول وتجعلها هدفها الأول كما كان الحال مع القاعدة، لأن الجماعات الجديدة المنبثقة من القاعدة تركز هجماتها بصورة أكبر في تلك المناطق التي تتواجد فيها.

 

· فرانكفورتر: ألهذا ترى أن أوروبا صارت عرضة لإرهاب الإسلاميين بصورة أقوى من ذي قبل؟

· كلارك: نعم، الإرهاب في أوروبا صناعة محلية، وهو ما يعني أنه يأتي من الداخل، فالشبكات الإرهابية في إيطاليا وأسبانيا تتكون من اللاجئين، أما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا فإن أعضاءها هم من المسلمين الذين نشأوا في تلك البلاد وتربوا فيها، وتلك مشكلة لا تعرف أمريكا لها مثيلاً لديها ولا تعاني منها.

 

· فرانكفورتر: على الرغم من مرور خمس سنوات على أحداث 11/9 إلا أن السؤال الذي لا يزال مطروحاً داخل أمريكا هو: ضد من نحارب؟

· كلارك: أعتقد أننا نحارب ضد المتطرفين العرب من أهل السنة، والذي يمثلون قلة قليلة من أهل السنة، ويسيئون للإسلام، وأنا لا أرى هذا صراعاً بين الحضارات على قدر ما أعتبره صراعاً داخل الحضارة الواحدة، وهو ما يمكن أن يصفه المرء بأنه آلام بعض الدول الإسلامية على طريق العولمة.

 

· فرانكفورتر: ولكن الرئيس بوش ضم إلى هؤلاء السنة جماعات شيعية مثل حزب الله؟

· كلارك: تلك مشكلة أخرى مختلفة تماماً، فالشيء الوحيد الذي يجمع بين المتطرفين السنة وبين الشيعة هو أنهم يتشاركون ويعيشون في مكان واحد من العالم، التهديد الشيعي يفوق التهديد الذي يمكن أن تمثله دولة لأن إيران هي التي توجه وتستعمل وتمول حزب الله.

 

· فرانكفورتر: على الرغم من ذلك أعلنت حكومة الرئيس بوش 'حرباً عالمية ضد الإرهاب'!

· كلارك: هي ليست عالمية كما أنها ليست ضد الإرهاب ولا يمكن تسميتها بالحرب، أما رفضي لوصفها بالعالمية لأنها لم تشمل العالم كله، وإنما تركزت فقط على العالم الإسلامي وأوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، أما عدم كونها حرباً فلأنها تفتقد لكل المعاني المتعارف عليها لتسميتها بالحرب، حيث أن الحرب تكون بين جيشين عدوين وهو ما لم يتحقق حتى الآن، كما أنها لم تكن ضد الإرهاب لأنها تطرقت وطالت أشخاصاً لا علاقة لهم بالإرهاب، أما المسمى الحقيقي لها فهو أنها صراع ضد جماعة معظم أعضائها من العرب السنة، ويحملون 'فهماً خاطئاً' للإسلام، حيث حاولوا استبدال حكومات الدول العربية بدولة الخلافة، وبهذا فهم يحاربون كـ 'عدو بعيد' ضد أمريكا التي تقدم الدعم لتلك الحكومات، وتقوم بحمايتها، وقد تطرق إلى ذهنهم أنهم يمكنهم الوصول إلى هدفهم وتحقيقه عن طريق بث الرعب والخوف في العالم الغربي.

 

· فرانكفورتر: يرغب النازيون الجدد في حل تلك المشكلة من خلال تصدير الديمقراطية إلى تلك البلدان العربية فما رأيكم؟

· كلارك: الديمقراطية مصطلح لطيف، وأعتقد أنه يمكن أن تتحقق في كل دولة من دول العالم ولكنها تنمو فقط حينما يتم رعايتها وتطويرها داخلياً لا عن طريق استيرادها من الخارج على فوهات المدافع والرشاشات، الديمقراطية تتحقق في العالم العربي فقط حين تصدر من داخل البلدان العربية.

 

· فرانكفورتر: ولكن الأمر في العراق يبدو خلافاً لما تقول!

· كلارك: حين قمنا باحتلال العراق فإنها لم تكن هي الخط المركزي في الصراع مع الإرهاب، ولكنها اليوم صارت كذلك وأصبحت المعسكر الأكبر لتدريب الإرهابيين من كل أنحاء العالم، ونحن الذين تسببنا في هذا، كما أن العراق بات هو الحافز والدافع الرئيس للإرهابيين في العالم، وحينما نغادر العراق ونقوم بسحب قواتنا - وهذا حتماً سيحدث يوماً ما - فإن الكثير من الجماعات الإرهابية في العراق سوف تعتبر هذا انتصاراً لها، وهو ما يمكن أن يكونوا محقين فيه إلى حدٍ, ما.

 

· فرانكفورتر: ما هي أفضل سياسة ترونها لمحاربة الإرهاب من وجهة نظركم؟

· كلارك: لقد كانت لجنة 11/9 هي أول من قال بأننا يجب أن نحارب على مستويين، فعلى المستوى التقني يجب أن نمنع الإرهابيين من الوصول إلى أهدافهم التخريبية، لكن كل الإرهابيين الذين قمنا باعتقالهم حل مكانهم إرهابيون جدد آخرون، لذا فإنه على المستوى الاستراتيجي كان ينبغي تجفيف منابع الدعم لهذه الجماعات، ولهذا فإنه يجب أن نعتمد على محاربة الأفكار، وبذلك يمكننا تقليل الدعم المقدم لهم، والتأييد الذي يحصلون عليه، لقد انتصرنا في الحرب الباردة لأننا كنا أصحاب الأفكار الأفضل، ولم نقم بقتل كل شيوعي بل أقنعناه بأننا نمتلك نظاماً أفضل من الشيوعية، غير أننا الآن ننتهج سياسية قتل المسلمين، وطالما بقينا في العرق فلن يمكننا أن نخوض معركة ضد الأفكار لأنه ببساطة ليس لدينا مصداقية، وطالما أننا نحتل بلداً عربياً لم يفعل شيئاً ضدنا فلن يكون بمقدورنا أن نجري هذا الحوار بين الأفكار لأنهم لن ينصتوا لنا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply