جزر العبيد بالمحيط الأطلنطي والعودة إلى الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

سَان تُومِي من الجمهوريات الإفريقية الواقعة في المحيط الأطلنطي، وهي عبارة عن جزيرتين: الأولى هي جزيرة "بِرِنسِيب" وتقع في مواجهة غينيا الاستوائية، والثانية هي جزيرة "سان تومي" وتقع في مواجهة "الجابون"، وتوجد الجزيرتان في خليج غينيا، وتقعان شمال خط الاستواء، وتُعرف منذ عام 1975 ميلادية بجمهورية "سان تومي وبر نسيب"º إذ حصلت على استقلالها بعد فترة طويلة من الاستعمار البرتغالي، وقد انضمت إلى الأمم المتحدة في 12 يوليو عام 1975 ميلادية.

 

أصغر جمهورية إفريقية:

وسان تومي من أصغر الجمهوريات الإفريقية، تبلغ مساحة أراضيها (964) كيلومتراً مربعاً، بينما يبلغ عدد سكانها (120) ألف نسمة، من بينهم أكثر من (30) ألف نسمة من المسلمين يمثلون ربع عدد سكان البلاد، واللغة البرتغالية هي اللغة الرسميةº إذ خضعت للاستعمار البرتغالي لمدة تزيد عن خمسة قرون مثل باقي الجزر الإفريقية في المحيط الأطلنطي، كما توجد هناك لهجات إفريقية محلية يتحدث بها سكان البلاد من الأفارقة، والعملة المتداولة هناك اسمها "اسكودو"، وعاصمة البلاد هي "سان تومي"، وينص دستور الجمهورية على حرية العقيدة.

ويحتوي هذا الموضوع أول معلومات متكاملة عن المسلمين في سان تومي بعد أن عاشت في عزلة تامة عن الأفارقة، إذ فرض المستعمر البرتغالي عزلة تامة، ومنع اتصال شعبها بإخوانه في إفريقية.

 

المغاربة نشروا الإسلام:

وقد عرفت سان تومي الإسلام منذ القرن الثالث الهجري، فقد وصلتها بعثات إسلامية من المغرب العربي، ونشروا الإسلام بين سكانهاº وكانوا على وثنيتهم، فاعتنق السكان الإسلام طواعية لسهولة تعاليمه الربانية، ولمزاياه التشريعية، وقد هاجر إلى (سان تومي وبرنسيب) عدد من مسلمي الدول الإفريقية التي تقع في غرب إفريقية ووسطها منذ القرن الرابع الهجري - من نيجيريا والكاميرون، والكونغو والجابون - وأسسوا في الجزيرتين حضارة إسلامية خالدة، ونشروا الإسلام، وأقاموا العديد من مؤسسات الدعوة والتعليم، فانتعشت حركة المد الإسلامي في البلاد.

 

مركز تجارة العبيد:

ونشط المسلمون من قبائل "الفانج" و"البانتو" و"والبوبى" و"البربر" و"العرب المغاربة" في نشر دعوة الإسلام في الجزيرتين، حتى إن الشريعة الإسلامية كانت مطبقة في البلاد، واستقدموا القضاة الشرعيين من المغرب العربي في عام 493 هجرية (الموافق عام 1099 ميلادية)º إلاّ أن الرحالة البرتغالي (دي جو كام) قد وصلها في بداية القرن الخامس عشر الميلادي، وأسس هناك مركزاً لتجارة العبيد، إذ تم شحن نصف مليون إفريقي من سان تومي إلى العالم الجديد في الأمريكتين.

وقد عمد المستعمر البرتغالي إلى محاربة انتشار الإسلام في البلاد، فتم إلغاء القضاء الشرعي، وإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية، ومصادرة الكتب الإسلامية، وأحال البلاد إلى مركز لتجميع الرقيق الإفريقي، وكانت سياسته معادية للإسلام والمسلمين حيث لم يبق في الجزيرتين من يجاهر بإسلامه لأن ذلك كان محظوراً على سكان البلاد، وهكذا قضى على الإسلام والمسلمين في سان تومي.

 

عودة الإسلام:

وفرض المستعمر البرتغالي لغته وقانونه وثقافته على سكان البلاد بعد أن ضرب كل مرتكزات العمل الدعوى والتعليمي، حتى نشأت الأجيال الجديدة وهي لا تعرف شيئاً عن الإسلام، ومنذ عام 1970 ميلادية حدث انفراج نسبي للاتصال بالأفارقة في غرب القارة، فحدثت هجرات نسبية أيضاً من بعض دول إفريقية إلى سان تومي، فتأسست جاليات إسلامية جديدة، ثم انتعشت الدعوة الإسلامية في البلاد بعد حصولها على الاستقلال في عام 1975 ميلادية، فحدثت هجرات إسلامية معاصرة ركّزت جهودها على نشر الإسلام، وهكذا عاد الإسلام من جديد إلى سان تومي بعد خمسة قرون.

وقد بلغ عدد المسلمين اليوم هناك (150) أسرة مسلمة يمثلون 25% من عدد السكان، وهذه الأسر ذات جذور إسلامية، لذا فإن جميع أفراد الأسرة الواحدة يشهرون إسلامهم دفعة واحدة، ولا يوجد اختلاف عقائدي داخل هذه الأسر، فتأسست في سان تومي منذ سنوات أول جمعية إسلامية لتنظيم شؤون المسلمين في البلاد، وقد حصلت على ترخيص من السلطات بإنشاء بعض المدارس القرآنية وبعض الكتاتيب، وبعض المساجد الصغيرة.

وقد وافقت الحكومة على إنشاء أول مركز إسلامي في العاصمة "سان تومي"، وتم تخصيص الأرض اللازمة لبناء هذا المركز، وخرج من البلاد وفد إسلامي برئاسة الشيخ محمد ليما وهو من أبرز دعاة الإسلام هناك لجمع التبرعات من الدول العربية الخليجية لإقامة أول مركز إسلامي في سان تومي، على أساس أن هذا المركز هو البداية الصحيحة للعمل الإسلامي الجاد، وحتى تسترد "سان تومي" هويتها الإسلامية التي فقدتها إبان الاستعمار الغربي لها.

وقد زار وفد من رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة جزيرة "سان تومي"، وتعرّف على أحوال المسلمين بها، كما أوفد المركز الإسلامي المصري في ساو باولو بالبرازيل بعض دعاته للتعرّف على أحوال المسلمين في "سان تومي"، وقد تمّ دعم المسلمين هناك ببعض المكتبات الإسلامية باللغة البرتغالية، وما زالت سان تومي أرضاً خصبة للإسلام وفي انتظار الدعم العربي.

 

جزر الرأس الأخضر:

جزر الرأس الأخضر جمهورية إفريقية تقع في مياه المحيط الأطلنطي، وتبعد عن السنغال وغينيا بساو بحوالي (500) كيلومتراً، لذا فهي إحدى دول غرب القارة الإفريقية، ويبلغ عدد سكانها (385) ألف نسمة، بينما بلغ عدد الجزر التي تتكون منها هذه الجمهورية (10) جزر، وعاصمتها هي مدينة "بَرَايَا"، وتوجد في جزيرة (سَانت دِيَاجُو)، واللغة الرسمية هي اللغة البرتغالية، فقد استعمرتها البرتغال لمدة تزيد عن خمسة قرون من عام 1462 ميلادية حتى حصلت على استقلالها في عام 1975 ميلادية، وتبلغ مساحة هذه الجزر (4033) كيلومتراً مربعاً، وقد انضمت إلى الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية بعد حصولها على الاستقلال.

ومن أكبر الجزر التي تتكوّن منها جمهورية جزر الرأس الأخضر جزر: (سانت لويزا) و (سانت نيكولو) و(سال) و(فوجو) و(برافا) و(مايو) و(سانت دياجو) التي توجد بها العاصمة (برايا) وسكانها (50) ألف نسمة، وسكان هذه الجزر مجموعة من القبائل الإفريقية التي هاجرت إليها من غرب إفريقية خاصة السنغال وجامبيا، وغينيا بساو وسيراليون.

 

الثمن البخس للإنسان!!:

وتعرف جزر الرأس الأخضر في التاريخ الإفريقي بأنها جزر استراحة العبيدº إذ قامت البرتغال منذ احتلالها لهذه الجزر في عام 1462 ميلادية بتحويلها إلى مركز لتجميع الأفارقة الذين تاجرت بهم ونقلتهم إلى الأمريكتين في سفن لا تليق بنقل البشر، وشهدت هذه الجزر العديد من المآسي التي تعرّض لها الأفارقة الذين وقعوا في براثن الرق الغربي، فقد كان الأفارقة يباعون بثمن بخس، فالإفريقي كان يُباع مقابل قطعة من القماش، أو سيخ من الحديد، ولما انتعشت تجارة الرقيق باعت البرتغال الرجل بـ(13) سيخاً من الحديد، بينما كان ثمن المرأة تسعة أسياخ، أما الشباب والصبية فقد تراوحت أثمانهم بين خمسة وسبعة أسياخ من الحديد، إذ كانت هذه الأسياخ تستخدم في صناعة السهام والحراب، وهي من أهم الأسلحة التي كانت سائدة في إفريقية في هذا الوقت.

وقد اعتبرت جزر الرأس الأخضر من أهم مستودعات جمع الرقيق الإفريقي، ومن أهم الأسواق العالمية في ذلك الوقت، وكانت رحلة نقل الأفارقة إلى العالم الجديد في الأمريكتين رحلة شاقة تستغرق ثمانية أسابيع دون طعام أو شراب، لذا تراوح عدد الموتى ما بين 35 إلى 45% من إجمالي حمولة السفن البرتغالية من الأفارقة، أما الذين يتعرضون للمرض خلال الرحلة إلى الأمريكتين فكان البرتغاليون يلقون بهم أحياء في مياه المحيط الأطلنطي.

 

أفارقة في أمريكا:

وتضم الدول الأمريكية أكثر من (82) مليون إفريقي من سلالة الأفارقة الذين تم نقلهم من غرب إفريقية، فيوجد في البرازيل أكثر من (30) مليون زنجي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية نحو (26) مليون إفريقي، ومثلهم في دول البحر الكاريبي، وفي هايتي وحدها نحو (8) ملايين إفريقي، وبالرغم من هذه الحقائق التاريخية فقد نسب الغرب - زوراً - إلى العرب اتجارهم بالرقيق، وقد أكد علماء الإسلام في إفريقية أن الرق صناعة غربية، في حين أن الإسلام هو دين الحرية الذي صان الحقوق الإنسانية.

 

تفريغ الجزر من المسلمين:

وكانت جزر الرأس الأخضر قبل وقوعها في براثن المستعمر البرتغالي تضم عناصر بشرية إفريقية مسلمة، وكان الإسلام هو الدين السائد بين سكان جميع الجزر، وقد أسس المسلمون هناك العديد من المساجد والمدارس القرآنية، ولكن المستعمر البرتغالي عمل على تفريغ الجزر من كل أثر إسلامي، وكان عدد سكان جزر الرأس الأخضر في القرن الخامس عشر الميلادي (800) ألف من الأفارقة، نُقل أغلبهم إلى مستعمرات في الأمريكتين للعمل في زراعة الأراضي بدلاً من الهنود الحمر الذين تمت إبادتهم، ثم اتسعت رقعة تجارة الرقيق الإفريقي على يد الدول الغربية المستعمرة.

وقد تكوّن في جزر الرأس الأخضر وفي غينيا بساو حزب سياسي واحد سعى لاستقلال البلاد، فحصلت بساو على استقلالها في عام 1974 ميلادية، ثم حصلت جزر الرأس الأخضر على الاستقلال في العام التالي، وأصبحت جزر الرأس الأخضر جمهورية منذ عام 1975 ميلادية، ولكنها طبّقت الشيوعية لمدة 15 عاماً، ولم تسمح السلطات الشيوعية في الجزر بالعمل الإسلامي.

ومع انتهاء الحكم الشيوعي في عام 1990 ميلادية فتحت جمهورية جزر الرأس الأخضر صدرها لقبول دعوة الإسلام، وإقامة العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية، فقامت سفارة السنغال في العاصمة "برايا" بإنشاء مسجد صغير حتى يتمكن المسلمون من إقامة شعائر دينهم الإسلامي الحنيف، واستقبلت جزر الرأس الأخضر القوافل الإسلامية من دول غرب إفريقية للتعريف بالإسلام، والتقت بالمسؤولين هناك، وقد رحبت السلطات بافتتاح مركز إسلامي هناك يضم مسجداً ومدرسة إسلامية، وطالبت الدول العربية بافتتاح المساجد في جميع الجزر، وقد أدّى ذلك إلى زيادة أعداد المسلمين في البلاد، ولم يصدر حتى الآن إحصاء بعدد المسلمين، لكنهم لا يزالون أقلية قليلة تُعدّ بالمئات.

 

الحاجة إلى الدعاة:

وقد أعلنت سلطات جزر الرأس الأخضر عن حاجتها إلى دعاة يجيدون اللغة البرتغالية لنشر الإسلام والتعريف به، كما طلبت تزويد السكان بترجمات معاني القرآن الكريم بهذه اللغة، مما يؤكد أن جزر الرأس الأخضر أرض خصبة للإسلام بعد أن عاشت أكثر من خمسة قرون متعطشة للدعوة الإسلامية، وتهتم المؤسسات الإسلامية العالمية وفي مقدمتها - رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة - بأحوال المسلمين هناك، ودعم العمل الإسلامي المتنامي هناك، ودعوة المسلمين الجدد في هذه الجزر بأداء مناسك الحج والعمرة على نفقة المؤسسات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply