جزر القمر في خضم التحولات


بسم الله الرحمن الرحيم

 

جزر القمر الاتحادية الإسلامية دولة صغيرة تقع في شرق القارة الأفريقية وعلى ساحل المحيط الهندي، وعاصمتها -موروني- وهي تتشكل من اتحاد ثلاث جزر..-القمر الكبرى- و-أنجوان- و-موهيلي-، بالإضافة إلى جزيرة رابعة هي -مايوت- التي لا تزال تحت إدارة فرنسا، وتطالب جزر القمر بالسيادة عليها.

وكان العرب أول من أطلق تسمية جزر القمر على هذه الجزر في أوائل القرن الثاني الهجري، وقد أرجع بعضهم هذه التسمية إلى أن الرحالة العرب من أصول عمانية ويمنية هبطوا على ساحل الجزر وكان القمر بدرا، فأسموها جزر القمر، فيما أرجع آخرون سبب التسمية إلى أن شكلها العام يشبه الهلال، وجزرها الأربع الكبرى موزعة في مواقع محدودة تشبه أربعة من أوجه القمر الرئيسة.. وقد أخذ الأوربيون هذه التسمية عن العرب وأطلقوا عليها كومور.

 ويبلغ عدد سكان جزر القمر 700 ألف نسمة من أصول عرقية مختلفة، تزاوجت وامتزجت فيما بينها وأعطت شعبا ظهرت فيه القسمات العربية والأفريقية والآسيوية.

وتشكل الأصول العربية نسبة 35 % والأفريقية 55%، فيما ينتمي بقية السكان لأصول آسيوية من الملايو وإندونيسيا والصين والهند وأصول أوربية، ويدين معظم السكان بالإسلام السني على المذهب الشافعي، كما توجد أقلية مسيحية في جزيرة مايوت جاءت مع البعثة التبشيرية الكاثوليكية التي ترعاها المؤسسات الدينية الفرنسية.

ووفقا للدستور توجد ثلاث لغات رسمية هي: الفرنسية لغة التعليم في المدارس واللغة العربية والقمرية، والأخيرة هي خليط من العربية والسواحيلية وتكتب بالحروف العربية.

 وتعد الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية ملمحا أساسيا من ملامح جزر القمر التي حصلت على الاستقلال عن فرنسا عام 1975، وانتخب أحمد عبد الله رئيسا لها.

ولم يمض على الاستقلال أقل من شهر حتى تعرضت الجزر لانقلاب أطاح بالرئيس أحمد عبد الله، وتم حل مجلس النواب وانضمت جزر القمر إلى الأمم المتحدة في عام الاستقلال نفسه، واعترفت فرنسا باستقلالها.

وبعد نجاح الانقلاب ومرور عدد قليل من السنوات، دبرت مجموعة من المرتزقة الأوربيين بقيادة الفرنسي بوب دينار انقلابا أعاد الرئيس السابق أحمد عبد الله للسلطة، واستمر عبد الله رئيسا للبلاد حتى اغتياله عام 1989، فتولى الحكم سيد محمد جوهر رئيس المحكمة العليا، واستمر رئيسا لمدة ست سنوات حتى أطاح به بوب دينار في سبتمبر 1995، وقد دخلت البلاد في عهد الرئيس جوهر جامعة الدول العربية لتصير العضو رقم 22 بالجامعة، وأجريت انتخابات رئاسية أتت بالرئيس محمد تقي عبد الكريم رئيسا للبلاد.

 

اضطرابات

ولم يختلف الوضع في عهد الرئيس السابق عثمان غزالي، الذي قاد انقلابا واستولي على السلطة، فشهدت البلاد في عهده اضطرابات شديدة، وهددت جزر موهيلي وأنجوان بالاستقلال أكثر من مرة، وسارت مظاهرات تحمل صورة الرئيس الفرنسي جاك شيراك وتطالب بالعودة إلى السيادة الفرنسية.

وتكررت هذه الأحداث تكراراً مضطرداً حتى أجبرت الفرقاء في جزر القمر الثلاث على الدخول في مفاوضات، أسفرت عن توسيع الحكم الذاتي للجزر الثلاث وإعداد دستور جديد للبلاد وتناوب رئاسة الدولة بين الجزر الثلاث، وإجراء انتخابات رئاسية بعد نهاية الفترة الانتقالية ـ التي حدد لها ثلاث سنوات ـ على ألا يترشح الرئيس عثمان غزالي فيها، وهو ما حدث بالفعل.

 

 

وتم إجراء الانتخابات الرئاسية وفاز فيها الرئيس الحالي عبد الله سامبي، الذي يعد من أبرز رموز الإسلاميين في الجزر الثلاث، ورغم كونه سني المذهب إلا أنه يعد من وثيقي الصلة بإيران التي عاش فيها 8 سنوات، كما تجمعه صلات قوية بشخصيات من مصر والسعودية والسودان، التي عاش فيها سنين طويلة.

 

مخاوف

ولم يسع الرئيس سامبي إلى تهدئة مخاوف الغرب، بل كال المديح لإيران وأرسل رسالة شكر للرئيس الإيراني أحمدي نجاد لإرساله مبعوثا رسميا أثناء أدائه اليمين الدستورية، ناهيك عن حديثه عن توسيع الروابط مع طهران، وهو أمر ستكون له آثاره العكسية على البلاد، حيث يمكن للغرب أن يمنع المعونات والمساعدات عن شعب جزر القمر، الذي يعاني أوضاعا اقتصادية صعبة جدا ويتصدر قائمة أكثر الدول فقرا في العالم.

وينتظر أن تؤدي مثل هذه السياسات في حالة تبنيها إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها شعب جزر القمر، والذي يعتمد على الزراعة والسياحة وتحويلات العمالة من الخارج، وهي موارد لا تكفي لحل الأزمة الاقتصادية، خصوصا أن اقتصاد جزر القمر يفتقر للخدمات المالية وشركات التمويل والمؤسسات المالية.

 

براجماتية

ويعتقد الكثيرون أن الرئيس سامبي سيتبنى فكرا براجماتيا في المرحلة القادمة وسيعمل على تهدئة مخاوف الغرب، وقد ظهر هذا جليا في تصريحاته حين أكد أن الوضع في جزر القمر حاليا لا يسمح بإقامة نظام إسلامي، وقدم وعودا بأنه لن يمنع احتفالات الزواج الباذخة ولن يجبر النساء على ارتداء الحجاب أو يحرم الموسيقى.

وقد عد المراقبون هذه التصريحات بمثابة رسالة لفرنسا ـ التي تعد صاحبة النفوذ الأقوى في جزر القمر ـ والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قابلته الدولتان بارتياح وشهد قصر الرئاسة في مورني لقاءات عدة عقدت بين السفير الفرنسي والرئيس سامبي، كما زار وفد رفيع المستوى من سفارة أمريكا بمدغشقر منزل الرئيس، وخرجت تصريحات تؤكد عدم وجود مواقف مسبقة من جانب الطرفين ضد الحكم الجديد.

وسيعتمد سامبي في المرحلة القادمة أيضا على نائب رئيس الجمهورية السابق كعب البشيروتي، الذي يمكن أن تسند له حقيبة الخارجية في إطار سعي الرئيس لتطبيع العلاقات مع القوى الكبرى، وتوثيق الصلات مع العالم العربي بشكل يفيد الاقتصاد القمري الهش ويمنع تعرضه لأي هزات لو تم قطع المعونات عن البلاد.

 وربما يتخذ سامبي بعض السياسات المتشددة ضد الإسلاميين، ولاسيما بعد أن شارك بفاعلية في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب لإقناع العالم بجدارة النظام الجديد في جزر القمر في نيل الثقة من المجتمع الدولي.

 

تحديات وخلافات

ويواجه الرئيس السامبي العديد من المشكلات الداخلية، منها وجود خلافات بين الجزر الثلاث على عدد من النقاط في الدستور، كما أن بعض البنود قد تفتح الباب أمام نزعات انفصالية، خصوصا أن الاتحاد الأفريقي قد أبدى تحفظات شديدة على البند الخاص بتوسيع سلطات الحكم الذاتي خوفا من إمكانية تنامي النزعات الانفصالية. كما أن إعادة هيكلة علاقات جزر القمر العربية ستعد من أهم الملفات في أجندة الرئيس، الذي يحتاج إلى وقت طويل لتهدئة مخاوف العديد من الأقطار العربية من صلاته القوية بطهران، وهو أمر مهم لتلقي معونات دعم من دول عربية، سواء أكان رسميا أم شعبيا من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية الإسلامية، وهي كلها أمور شديدة الأهمية لإصلاح الاقتصاد القمري الهش.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply